على مدار خمسة أعوام من التدريب اليومي استطاع مجموعة هواة فلسطينيين تسلق الصخور المنتشرة في المناطق الجبلية بالضفة الغربية في محاولة لخلق فريق يتقن هذه الرياضية، على أمل بأن يشاركوا في مسابقات دولية.
وبدأت فكرة "هواة تسلق الصخور"، بعد قدوم شابين أمريكيين ليتسلقا الصخور المنتشرة في عدة مدن جبلية بالضفة الغربية والتي تعتبر من أهم المناطق في العالم باحتوائها على أنواع مختلفة من الصخور.
وساهم الشابان الأمريكيان، وهما تيم بيرنز وويل هاريس، خلال ممارسة رياضتيهما، في تشجيع الهواة الفلسطينيين وتدريبهم على التسلق منذ وصولهما عام 2014، حيث وفر لهم ذلك بيئة خصبة وفرصة تنافسية للمتسلقين لتشكيل مهاراتهم وخبرتهم في هذه الرياضة.
وبعد مرور ثلاثة أعوام من التدريبات المستمرة التي تخللتها إحباطات وإخفاقات عديدة بإصابة بعض الهواة بعدة كدمات وتوقفهم عن ممارسة التدريب وعدم توفر الإمكانيات قرر الأمريكيان برونز وهاريس، افتتاح نادي رياضي في مدينة رام الله في الضفة الغربية يحتوي على صالة داخلية مجهزة للتسلق بجدران خاصة من أجل المساعدة والترويج لهذه الرياضة على مستوى فلسطين، وأطلقوا عليه اسم "وادي للتسلق".
ويستطيع أي شخص التسجيل في النادي، حيث لم يضع القائمون عليه أي قيود أو شروط على المنضمين إليه صغارا وكبارا ومن كلا الجنسين ذكور وإناث.
ويقول مدير الصالة تايلر مايرز لوكالة أنباء "شينخوا" :"إن إقبالًا كبيرا حدث خلال هذه الفترة حيث بلغ أعضاء النادي أكثر من 30 متسلقا ويحملون العضوية ولديهم المعدات الخاصة بالتسلق".
ويضيف "أن كل شخص يستطيع التسلق بمفرده دون مساعدة".
ويوضح مايرز "أن هدف إنشاء النادي جاء في المقام الأول محاولة لاستجلاب هذه الرياضة إلى فلسطين التي تنتشر فيها الكثير من المناطق الجبلية ذات الطبيعة الخلابة، والتي يمكن للفلسطينيين أن يتابعونها ويتقنونها كرياضة عالمية".
ويقوم القائمون على النادي أسبوعيا بتنظيم أنشطة ورحلات لمناطق عدة في جبال مدن الضفة الغربية، إضافة إلى المنحدرات الجبلية، خصوصا في قرية "عين قينيا"، التي تقع على بعد ستة كيلومترات شمال غرب رام الله بالضفة الغربية.
ويشير مايرز إلى أن هذه الرحلات والأنشطة تهدف إلى اكتشاف مواهب أو خلق فرق من الرياضيين وتدريبهم وتعزيز مهارات المشاركين من خلال التجربة والتخلص من دافع الخوف وإيجاد بيئة طبيعية منعشة.
ويشرح مايرز للمشاركين في الرحلات والأنشطة في الطبيعة أساسيات رياضة التسلق وكيفية اتباع تعليمات السلامة الشخصية، بالإضافة إلى التعرف على التقنيات المختلفة والأساسية كي يتسلقوا الجبال.
كما يقوم مع زملاء اخرين في الفريق التابع للنادي على تدريبهم على كيفية تجهيز المعدات اللازمة للتسلق السليم على المنحدرات.
ويفضل مايرز التسلق على الصخور في فلسطين لما تتمتع به المنطقة من مناخ معتدل، الأمر الذي يساعد المتسلقين بشكل كبير على الاستمتاع بهذه الرياضة والمناظر الطبيعية الخلابة.
ويعمد مايرز على دعوة الوافدين الأجانب إلى التسلق على الصخور في فلسطين، منوها بأنها يمكن أن تصبح معلما سياحيا يجتذب إليه السياح الأجانب من جميع أنحاء العالم.
ويأمل مايرز بأن يتقدم فريق النادي وأعضاؤه في الاحتراف في هذه الرياضة لكي يتمكنوا من الوصول إلى أرقام قياسية ومغامرات جديدة.
ومن بين المنضمين للنادي والفريق الشابة ياسمين النجار،( 22 عامًا )، وهي أول فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة، بأطراف صناعية شاركت في مسابقة تسلق على قمة جبل "كليمنجارو"، أعلى نقطة في أفريقيا قبل خمس سنوات.
وتتمتع النجار منذ طفولتها بالخفة والنشاط وتستمتع باللعب والمشي لمسافات طويلة في الجبال بالقرب من مسقط رأسها بلدة بورين بالقرب من نابلس بالضفة الغربية.
لكن التلال المحيطة بقريتها أصبحت ممتلئة بالمستوطنات الإسرائيلية فقط، ما قيد حركتها وحركة الفلسطينيين، لذلك هي تحضر إلى عين قينيا للتدريب.
وفقدت النجار ساقها أثناء طفولتها في حادث سيارة، لكنها تستمر في السعي لتحقيق حلمها في ممارسة رياضة التسلق.
وتقول النجار ل"شينخوا" بينما انتهت من تمرينها: "أنا سعيدة جدا بأنني أستطيع ممارسة هواية أحبها وأشعر بالعاطفة كونني أقوم بها في فلسطين بلدي، دون الحاجة إلى السفر للخارج من أجل ممارستها".
وتضيف النجار "في المرة الأولى التي تسلقت فيها هنا، تأثرت بشدة، وشعرت بعمق بتسلق الصخور في بلدي، على الرغم من الاحتلال وكل شيء، شعرت بأني على قيد الحياة".
ويينما تتحدث النجار، يهتف بقية المتسلقون لتشجيع بعضهم البعض في الوصول إلى القمم الجبلية.
وغالبا ما يحضر المتسلقون وزملاؤهم عائلاتهم وأطفالهم كي يستمتعوا بالمناظر الطبيعية الخلابة ويشجعونهم على ممارسة رياضة التسلق.
ويعد عروة عسكر ( 25 عامًا)، من القدس، واحدًا من أوائل المتحمسين للتسلق، والذي أصبح من ذوي المهارات العالية، ويتنافس على درجات متقدمة في الفريق.
ويعتمد الحصول على الدرجات في التسلق على عدة عناصر أهمها طول المسار، وحامل القدم والإصبع، والزاوية، والتحمل اللازم.
ويقول عروة، إنه بدأ ممارسة الرياضة منذ قرابة أربعة أعوام حتى أصبح الآن يمارسها بشكل يومي.
ويقول عروة ل"شينخوا": "لقد اعتدت أن أرى الأجانب والإسرائيليين يتسلقون في المحميات الطبيعية بالقرب من مسقط رأسي المدينة المقدسة، لكنني لم أعرف أبدا ذلك، حتى قمت بالمحاولة ونجحت".
ويضيف الشاب اليافع :"فقدت الأمل في المشاركة في الألعاب الأولمبية الصيفية المقرر إقامتها في طوكيو العام المقبل، لافتا إلى أنه رغم ذلك سيتابعها عن كثب".
ويعرب عروة عن أمله في "المشاركة في الألعاب الصيفية اللاحقة المقرر إقامتها في باريس عام 2024 ، مشيرا إلى أنه يتدرب بشكل قوي تحضيرا لذلك".
وتحقيقًا للغاية، أنشأ عروة ومجموعة من المتسلقين تجمعا فلسطينيا لهذه الرياضة لمساعدتهم على تحقيق هذا الهدف كفريق أولمبي وطني.