لكي نتفق في البداية فإن غزة كما وصفتها منظمات إنسانية دولية هي منطقة كوارث، أي منطقة منكوبة، وهناك عوامل ذاتية وموضوعية لكل المحن التي يتعرض لها أهالي غزّة فليس الإحتلال هو الوحيد الذي يمارس عملية الإزهاق ضد الشباب الفلسطيني وهو المستهدف أمام واقع من المناكفات والمشوهات بين القوى المختلفة سواء في رام الله أو في غزة وفي ظل عقم مشروع سياسي لم يعطي دولة ولا وطنًا ولا مواطنة لها حقوقها الكونيّة والدينية على هذه الأرض وهنا لا أريد أن أتحدث بشكل تقليدي أو كلاسيكي عم ما أفردت له دراسات ولجان تقصي حقائق عن قطاع غزة الذي يعاني أكثر من 75% من سكانه حالة فقر مدقع وبطالة وتكدس للخريجين تدفع بهم الجامعات سنويًا بما يعادل 180000 خريج من الجامعات والمعاهد في ظل جمود تنموي لا يذكر وفي ظل تمايز جغرافي تقوم به السلطة بين الضفة وغزة فعندما يوجد توظيف لفرص جديدة تكون في الضفة ولا تنطبق على غزة، بل غزة أصابها ما لم يصيبها ممن يمثل الشعب الفلسطيني تخفيض رواتب وإستقطاعات وعمليات قطع راتب وفصل من الخدمة وإحالة مبكرة على المعاش بالتأكيد أن الخناق الإقتصادي والسياسي والإنقسام أضفوا حالة سيكولوجية معقدة لدى الشباب الفلسطيني التي تدفعهم لركوب الأمواج والخوض في الغابات، فبالأمس القريب فقدنا عشرات الشباب غرقًا في البحر وقتلا في الغابات، هذه هي الدوافع الرئيسية لهجرة الشباب الذين لم يحصلوا على فرصة عمل لخدمة أوطانهم التي هي في أمس الحاجة إليهم.
تقاس حضارة الأمم وتقدمها واستقرارها بمنسوب ما لديها من علماء وتقنيين وتكنولوجيا وما لديها من طاقات عاملة شبابية من سن عشرين عامًا إلى أربعين عامًا، هذه هي المقاييس الدولية التي تقيس استقرار المجتمعات ونموها، فاذا ما غادر خلال عام من قطاع غزة أكثر من عشرة آلاف شاب في مختلف التخصصات العلمية، بالتأكيد أن هذه الطاقات هي كم مفقود وكيف أيضًا يؤثر على القضية الفلسطينية وعلى المؤسسة الفلسطينية التي يمكن أن تتمثل بأناس غير أكفاء لقيادة المرحلة وهي عملية إزهاق للطاقات البناءة وفقدان للحلول ممن يدعون تمثيل الشعب الفلسطيني ويحكمونه سواء في الضفة أو غزة.
التمثيل الفصائلي تمثيل تقليدي فقد فاعليته مع متغيرات تاريخية حدثت على وجودها وتطورها، فما كان مناسبًا للشعب الفلسطيني في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وموازين القوى الدولية والإقليمية لم يعد مناسبًا اليوم، وخاصةً فشل العملية السياسية ونظرية السلام مقابل الأرض لننتقل إلى نظرية الأمن مقابل رغيف الخبز ومساعدات لا تصل إلى الحالة الترميمية للواقع والأزمات ولم تحل مشكلة بقدر ما هو الشعب الفلسطيني في غزة أو الضفة أو الشتات هو محتاج للخروج من المربعات الضيقة إلى أفق آخر غير تقليدي وطرح غير تقليدي وجريء تتبناه قيادات تستطيع أن تفعل وتتفاعل مع طموحات الشعب الفلسطيني وآماله وقطاع الشباب فيه وأعتقد هنا أن التيار الإصلاحي بقيادة القائد الوطني محمد دحلان وضع في حسبانه هذا التصور وهذا العمل وهذا الأداء. هناك فصائل لا تمثل ولا يوجد لها على الارض سوى العشرات واندثرت فعلًا وتفاعلًا وكانت صنيعة أنظمة سابقة، ومازالت تمثل في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية في حين أن هناك قوى فاعلة وناشطة ليس لها تمثيل في المنظومة السياسية والمؤسساتية، وهنا تكمن العقدة التي يجب أن تحل فالفصائل الفلسطينية اليتيمة التي تتلقى موازناتها من الصندوق القومي يفرض عليها برنامج محمود عبّاس وتأخذ ما قرره ليقع في أيدي غير عادلة تستطيع أن تمد يد العون للشباب وتحل أزماته، دور الفصائل دور سلبي هذا مع استثناء. دور التيار الاصلاحي الذي تعمق في التفاعل مع الأزمات وفي كل القطاعات الطلابية الجرحى والشهداء والعلاج والتعليم والتعليم العالي والتعليم المتقدم والعناية بالشباب وتمثيلهم في التيار الإصلاحي لحركة فتح ويعلن مرارًا عن مسؤولياته الأخلاقية والوطنية تجاه بناء الشباب وبدون أن يمثل في أي دوائر في السلطة أو غيرها من الدوائر التي كان من المفترض أن تقوم بدورها تجاه الشباب.
بالتأكيد أن ضعف منظمة التحرير والتمثيل الفلسطيني في الخارج وانتشار الفساد في دوائر السفارات يجعل الحالة الحدثية التي يتعرض لها المهاجرين من أحداث وضياع وعذابات أيضًا حالة كارثية حين تتخلى السفارات عن مسؤولياتها تجاه المواطن الفلسطيني وكما حدث في أكثر من حالة ولذلك التوجه عبر لجان حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية لحماية المهاجرين الفلسطينيين يحتاج تمثيلًا فلسطينيًا صحيًا وقويًأ، فالشعب الفلسطيني عمومًا في الخارج يعيش حالة ضياع فإذا ما عرضنا تعداد الفلسطينيين في الخارج فهو يقارب ثمانية ملايين نسمة و3 مليون ونصف في الضفة وغزة ومليون ونصف داخل فلسطين المحتلة أي أن السلطة وما تدعيه بتمثيل الشعب الفلسطيني ومن قام بعملية الإنتخابات السابقة في عام 2006 لا يتجاوز 26% من تعداد الشعب الفلسطيني، وهؤلاء الثمانية ملايين فلسطيني ليس لهم تمثيل حقيقي في المؤسسات الفلسطينية إذًا كيف يمكن أن تتوفر جهة تدافع عن حقوق اللاجئين والمهاجرين وأن تتعامل مع المنظمات الدولية والإنسانية.
رسالتي للشباب الفلسطيني الذي يفكر بالهجرة.
الهجرة من أجل العلم جائزة، والهجرة من أجل إنعاش الحالة الاقتصادية للأسرة والمجتمع الفلسطيني إيجابية وجيدة، ومن خلالها يتم صقل الخبرات ودعم الاقتصاد الوطني، ولكن في الحالة التي تمر على قطاع غزة فهي حالة غير صحية، في ظل دعوات إسرائيلية لفتح باب الهجرة من خلال المطارات الإسرائيلية وهذا يتطلب مجهودًا حقيقيًا من أجل تخفيف معاناة الشباب وصقل تعمقهم ووجودهم على الأرض ففلسطين تحتاج كل ساعد وكل أبجدية وكل قلم وكل بندقية وهنا ألقي المسؤولية مرة أخرى على السلطة الفلسطينية وعلى حماس وعلى الإنقسام بشكل عام وعلى الأداء الاقتصادي والثقافي الذي تمارسه السلطة وتمارسه حماس في غزة.
أنا مع هذا الطرح الذي يقول إذا ما فتح المعبر بشكل دائم وبدون تعقيدات فإن غزة ستتعرض لأمواج من هجرة الشباب وهم في غالبيتهم عاطلين عن العمل وفي ظل أزمات اقتصادية يعيشها الشباب نتيجة قرارات الرئيس الفلسطيني بخفض الرواتب وعمليات الفصل وتعميق أزمات البنية الأساسية لقطاع غزة من مياه وكهرباء وصحة وفي ظل عدم قدرات حماس على وضع العلاج اللازم لذلك في ظل حصار يتطلب منها أن تخضع فيه لمتطلبات الطرح الدولي والإقليمي الذي في نهايته هو ضياع للقضية الفلسطينية، وهنا نحن في محك، كيف يستطيع الشباب الصمود في قطاع غزة في حين أن حماس أيضًا لا تصرف لموظفيها أكثر من 30% من الراتب على مدار سنوات، فمشكلة الهجرة لن تتوقف على فصيل بحد ذاته ولكنها ستشمل الجميع وكافة الاتجاهات، ولكني لي رأي آخر، أن الفساد له وقع مؤثر على نفسية الشباب ومظاهره سواء في الضفة أو غزة فهناك رؤوس أموال مكدسة في الضفة وغزة وبطرق أعتقد أنها غير مشروعة فأين محاربة الفساد وأخذ ناتجه وتوزيعه على الشباب وخلق فرص عمل ومشاريع صغيرة ومتوسطة تحتاجها غزة فكم من الأموال ذهبت والمساعدات ذهبت هباء استهلاكيًا بدون مردود إنتاجي أو بنائي في قطاع غزة، نوجه النداء مرة أخرى على أن تتم المساعدات في جدولة لفتح مشاريع صغيرة ومتوسطة للشباب سواء زراعية أو حيوانية أو صناعية تقنية، هكذا تبنى الشعوب وتصمد وهكذا يتمترس الشباب على أرضهم قابلين بطاقات الشباب وقادرين أيضًا على الشهادة في آن واحد، فهو بناء الوطن الذي لا يساويه شيء آخر.
بقلم/ سميح خلف