ثمّة سؤال يُطرح في ظروف موضوعيّة وعاطفية تنتاب كُل شرائح الشّعب الفلسطيني، وضرُورة طرح السؤال والمناخات الكارثية التي يعيشها الشّعب الفلسطيني على المُستوى الوطني ومشتقّاته وأخواته، لماذا لمع اسم دحلان رغم المُحاولات الحثيثة لتشويهِه واللعب في تاريخِه؟ لماذا دحلان لم يبقى كغيره في داخل اطار فتح الرسمي وتم فصله وهو الذي لا تنقصه عزيمة و وفاء حركي أو وطني؟ ولماذا هوالخيار البديل؟
مُشكلة شخصية دَحلان أتت في عَصر مُشوه كل ما فِيه مُشوه بأبجديّاته وجُمله وشخصيّاته، تشويه أيقونة العصر وخريطتها تعني تشويه لمَسيرة النّضال الوَطني وهَذا هو المطلُوب للقضاء على آخر بارقة أمل تُحيي البرنامج الوطني وتُحقق وِحدة الشعب الفِلسطيني بعد التشتّت والإنقسام العمُودي والأفقي الذي أصاب كُل أيقُونات الشّعب وبالتالي كَان المطلُوب تشويه محمد دحلان وكوَادر وقادة استنفرُوا هِممهم أمام الأخطاء الجِسام التي تمُر بها حركة فتح بأيدي قادتها الحاليين من فَساد سُلوكي وسياسي وأمني وفي نهاية الأمر "أزمة البرنامج".
بلا شَك أن حركة فتح عانت ما عَانته من تفكّك وتشتّت وإهمال لبرنامجها وأدبياتها ولم تعُد حركة فتح عَمليا هي طليعة المَشروع الوَطني، فقد أتاح الإنقسام لقُوى أُخرى تُنافسها ببرنامج مُختلف، وانحسَرت فتح في سُلطتها في رام الله ومر تنظيمها ووجودها بمرحلة جَزر بالمُقابل كان التمدّد لقُوى أخرى متمثّلة فِي حَركة حَماس التي تُسيطر على كُل ما هُو موجود فِي قطاع غزة.
إذا لم يُقدم دحلان نفسَه كزعِيم أو قائد إلا مِن خلال شرعيّات حَركة فتح، وهُو الذي مَازال يَمتلك من إمكانيات موضُوعية وذاتيّة على المُستوى الإقليمي والدّولي والشّعبي أكثر ممّا امتلكَه كُل من فكّر في الإنشقاق أو مِن حدّدت خِياراته نتيجة الحِصار والأبعاد إلى الإنشقَاق.
المسألة أصبحت مسألة وطنيّة وبرنامج وطَني وأيقُونات وطنيّة تربَط بينهما العَاطفة والموضُوعية ، عاطفة لفتح مفجّرة الطّلقة الأولى وصاحِبة الرصيد العَتيد من قادة شهداء وكوادر ومُقاتلين وأسرى وجرحى، وهي الأقرب في اعتدالها ووسطيّتها ووجه مقبُول في أوساط الشعب الفلسطيني، عاطفيًا فتح هي برمُوزها من قادة تاريخيين ضحّوا من أجل الوطن وكانُوا ينحازُون بعيدًا عن صِناعة الذّات والأنا ولذلك كبُرت بهم الجماهير وأكبرتهم أيضًا. ولذلك فتح بحَاجة إلى رباط معنوي ورمزي لإستمرارية الحَالة المعنوبة والتي وجدتها قاعدة عريضة مِن الشّعب في شخصية محمد دَحلان.
الحَالة الموضُوعية في عالم أصبح مُتشابك العَلاقات والعَلاقة الجَدلية في عَالم اليَوم بين المُؤثر والمُتأثر، حيث أصبح العامل الذّاتي ليس كَافيا لفرز قائد أو زعيم أو رَئيس، بل المُكون الموضُوعي لتلك التعقيدات كُل يُكمل بعضها لتكوين الإعتبارية والتّشخيص للقائد أو الزّعيم أو الرّئيس، تلك الأرضية والمناسيب التي تُحددها المعايير. ولذلك نال دَحلان إحترام إقليمي ودولي ولم يكُن بعيدًا بل كان ذو رَأي ورُؤية في مناطق الأزمات.
على المُستوى الموضُوعي لحَركة فتح، لم يكُن دحلان داعيًا لفُرقة أو إنشقاق أو تشرذم بل مازال يعمل حثيثًا على وِحدة حركة فتح ولأن دحلان جُزء من التّجربة الفتحاوية والفلسطينية بعكس مَا أراد الفئوييّن والجَهويين له من إقصاء وإبعاد هو ومجموعة من الكوادر، بل وحدة حركة فتح من الأهمية لاجتياز تلك المَرحلة الصّعبة في تاريخها وتاريخ الشّعب الفلسطيني وبلا شك أنها من أخطر المراحل التي تسعى قُوى مُختلفة لتصفية القضية الفلسطينية.
قد يجمع دحلان بين الحَالة الموضُوعية والعاطفية لكي يكُون في مُقدمة الخِيارات للشّعب الفلسطيني وبما يمتلِك من قاعدة إنسانية وأخلاقية ووطنيّة وبما يحمِل من خَلايا الشّباب وطمُوحاتهم، وما يُعانيه الشّعب مِن فقر وبَطالة وتيه سياسِي ووطَني فقد يكُون دَحلان نُقطة اللقاء والجَمع بعد أن عانت الأيقُونة الفلسطينية من حالة الطّرح والقسمة معًا.
وبلا شك أن بمقدَار طَرح محمد دحَلان وأمانيه هُناك عناصر التّخريب التنظيمي والسّياسي والأمني التي لا ترتقي للنفَس الوحدوي الإصلاحي الذي يطرحُه محمد دحلان، هُم فئة المشوّهين والمَصلحيين والمُنافقين، وفئة المُستزلمين أينما توجد مصالحهم، هؤلاء عناصر التّخريب أمام وحدة فتح ووحدة برنامجها ووحدة أداء أُطرها ومؤسّساتها، لا تَناسب يُذكر بين إنجازات محمد دحلان وأيقونته الإقليمية والدّولية وبين نرجسيّات تعمل لصالحها فقط ولذلك من هنا يأتي الخَطر فالمكوّن العَاطفي فقط والمَصلحي لن يُحقق تكامل أدوات الإصلاح وآلياتها، ومن هُنا إن التناسب بين الطّرح والأداء ولِكي لا يُخذل الطّرح أمام الأداء لابد من أيقونات ثقافية وبفهوم وطني شامل للتعامل مع المرحلة والإعداد لمرحلة لاحقة ستفرٍض أيقونات وتختفي أيقونات وتتقدم أسماء وتختفي أسماء، لابُد من برنامج نِضالي شامل على المُستوى الثقافي والإجتماعي والتّوعوي والتّعبوي لكي يتكَامل الدّور بين الطّرح والتّطبيق، فتختفي عناصر الإحباط والشلليّة والمَنفعية، ويبقى دحلان الوَجه الشّاب الذي يطرح بمسؤلية وطنيّة كبيرة عن وِحدة فتح والوِحدة الوطنيّة ولأن القادم من عامل إقليمي ودَولي قد يفرض علينا ما لا نرغب، وهنا قوة فتح ووحدتها ستحدد وجه المرحَلة القادِمة.
سميح خلف