(صفورية) الجليلية .... والملوخية من فلسطين الى اليرموك

بقلم: علي بدوان

يُشكّل أهالي بلدة (صفورية) الواقعة في الجليل الفلسطيني، والتابعة لقضاء مدينة الناصرة، كتلة سكانية كبيرة في مخيم اليرموك، من بين لاجئي فلسطين، كذا الحال في لبنان. فــ (صفورية) البلدة الجليلية الفلسطينية، تصول وتجول في مخيم اليرموك، حيث الأعداد الكبيرة من أبنائها وذريتها يعيشون في هذا الموقع الفلسطيني، عاصمة الشتات.

في منتصف اليرموك يقع شارع صفورية العريض، واصلاً بين شارعي حيفا صفد، مروراً بشارع عز الدين القسام، مُتخذاً (لبة) مخيم اليرموك وحاراته القديمة مكاناً له، حيث يعيش على جنباته العدد الأكبر من سكان بلدة صفورية في مخيم اليرموك. وفي موقع مُحدد من حاراته الفرعية تقع مضافة صفورية التي انشأها المرحوم عاطف موعد (أبو محمد) وبقيت حتى الآن دالة من دالات مخيم اليرموك، وموئلاً للعشرات من رجال وشباب اليرموك في اللقاءات المسائية اليومية. وكنت شخصياً من ضيوفها وزوارها الدائمين، ومن الذين كان يرتاح لوجودهم العدد الكبير من رواد المضافة ومنهم المرحوم المختار أبو إبراهيم، الذي كان على الدوام يريد سمع صوتي بالحديث، قائلاً لي "حدثنا يا أستاذ علي ... إحكيلنا عن أي شي .. إحكيلنا عن الصين ..".

يتميز أهالي صفورية بطباع حميدة، أكثرها متوارث من أيام البلاد في فلسطين، وبعضها مكتسب في بيئة وتقليعات المخيم بعد سنوات طويلة من نكبة الوطن الفلسطيني. تلك العادات والطباع التي تتصدرها صفة الطيبة وحب الصداقة والإخلاص لها، والممزوجة باللغة الحوارية المُستقاة من لهجة القرى والبلدات النصراوية بالتركيز على حرف (القاف) كما حال أهالي بلدة لوبية قضاء طبريا. وفوق كل ذلك فهم ملوك (الملوخية) من بين الفلسطينيين.

بلدة صفورية، وهي أكبر بلدات الجليل الفلسطيني من حيث المساحة وعدد السكان، تعرضت عام النكبة لعملية تطهير عرقي على يد العصابات الصهيونية فغادرها نحو (50%) من أبنائها بإتجاه سوريا ليقيموا فيها في أكثر من مكان وخصوصاً مخيم اليرموك، بينما غادرها نحو(40%) من أبنائها بإتجاه لبنان، حيث يقيمون في الغازية ومخيم عين الحلوة ومخيم البداوي ومخيم نهر البارد بشكلٍ رئيسي. وتبقى من أبنائها نحو (10%) في فلسطين المحتلة عام 1948 في الناصرة وشفاعمرو. ومن أبرز شخصياتهم في الداخل المناضل الفلسطيني محمد بركه.

أنتجت صفورية في المنفى والشتات أجيالاً من المتعلمين، ففي اليرموك وحده هناك اكثر من (45) طبيباً من بلدة صفورية، وأكثر من (45) مهندساً أيضاً، عدد من الدكاتره في مختلف الكليات الجامعية السورية، منهم الأخوين من عائلة عبد المجيد : أحدهم دكتور في الرياضيات والأخر في الفيزياء في كلية العلوم بجامعة دمشق. والدكتور محمد موعد وكيل كلية الآداب بجامعة دمشق، إضافة لعشرات المعلمين والمدرسين وأصحاب المهن المختلفة. فضلاً عن العديد من أعضاء إتحاد الكتاب العرب ومنهم الكاتب حمد موعد، والكاتب أحمد سعيد نجم، والناقد الدكتور المرحوم محمود موعد، والكاتب والسيناريست هاني السعدي، والفنان القدير عبد الرحمن أبو القاسم ...

من شخصيات صفورية في مخيم اليرموك ونحن نتحدث هنا عن الصفافرة في مخيم اليرموك فقط : المرحوم المختار سعيد موعد (أبو إبراهيم) وهو أول مختار لمخيم اليرموك، وعضو في المجلس الوطني التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي عقد بالقدس في 28/5/1964. المرحوم إبراهيم نجمة (أبو قاسم) من مديري الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا ومن أبرز رجالات صفورية. والمرحوم المصلح الإجتماعي في الوسطين السوري والفلسطيني عاطف الموعد، والحاج أحمد موعد. والأستاذ المرحوم محمد علي موعد (أبو أحمد) الذي شغل مناصب هامة في سورية، كان منها مديراً لتربية محافظة إدلب ومن ثم مديراً لتربية محافظة القنيطرة ومن ثم رئيساً لدائرة التعليم الثانوي في وزارة التربية السورية. والقاضي والمستشار رشيد موعد. والمحامي سليم موعد. والرئيس السابق لمركز التطوير في وكالة الأونروا. وحبيبنا وأخونا عبد الله موعد (أبو حسام الورد) رئيس الإتحاد الرياضي الفلسطيني العام الذي يقمعنا بعض الأحيان بحواره الديمقراطي. والمهندس طه نجمه (أبو نديم) الذي ينتظره اليرموك في المرحلة التالية، فمكان مضمون، وموقعه بحاجة اليه. والمرحوم هشام موعد (أبو عارف) مؤسس بيت التراث الفلسطيني في مخيم اليرموك.... ولاننسى في هذا المقام الشخصيات الوطنية الفلسطينية من أهالي صفورية من رجالات مخيم اليرموك، ومنهم الشهيد مفلح السالم الذي كان أول شهيد يُدفن في مثوى الشهداء في مخيم اليرموك الى جانب الشهيد علي الخربوش، وغيرهم ممن لعبوا دوراً مؤثراَ في العمل الوطني الفلسطيني...

ومن عائلات صفورية باليرموك نذكر : موعد، نجمة، نجم، سليمان، عثمان، عيسى، قاسم، نصر، طه، مصطفى، بكر، الحاج، أبو غانم، علي الموسى، ابوستة، بشر، السماعين، كرومي، النجار، رشيد، عبد العزيز، حسين الابراهيم، الحاج خليل، أسعيد، أبو ناصر، حلومة، نوفل، عقل، غنومة، أبو حيط، مراد، عبد القادر سعي، الشيخ عبد الرحمن، مصلح، عنيسي، عودة، الشيخ حسين، سعد، السعدي (وتلقب بالشيتي نظراً لأعمالها بتجارة القماش)، سويدان، أبو النعاج، بركة، أبو شحادة، عبدالغني، جراد، أبو خرج، ليلى، حلابو، غنايمة، الشيخ خليل، كنعان، علاء الدين، مغامس، بهار، حسين السالم، عامر، دكاكني، قبلاوي، مصاروة، جفالي، أبو سالم، هاشم، عطية، الحاج حسن (مره)، أبو دبوس، أبو سالم، عرابي، الغز، عصمان، شربيني، كسري، مرهجة، النجيب، أبو شقرة، فليفل، أبو قاسم، بدارنة، علاونة، زعرورة، مصلح، أبوغانم، مقازحة، أبو رجب، كيوان، أبوالحجل، عتابا، ملحم، مراعنة، الطويسي، الواوي، عباس، توبة، خطاب، عبد النبي، الهندية.

يمتاز أهالي صفوربة بعدد من الطرائف، ومنها أن اللكنة بحرف القاف تجمعهم مع اهالي لوبية، لكنهم على تنافس دائم مع اللوابنة، من التنافس على المخترة، الى وصفهم اللوابنة دوماً بانهم أصحاب "قُحمة" عالية، وهي الكلمة التي تضيع عندي تفسيراتها. حتى أنه قبل أيامً مضت، صادفني في احد اسواق دمشق الصفوري الصديق جمال عتابا، الذي بدرني على الفور بالقول "صاير قُحمتك عالية متل اللوابنة" ...

وفي جانب اخر، أهالي صفورية ملوك الملوخية، التي انتقلت اساساً من مصر الى فلسطين، ونقلها الفلسطينيون الى الجزء الأخر من وطنهم، ونعني به سوريا الحالية. لكن أهالي صفورية تفوقوا في ولعهم بــ (الملوخية)، وقد باتت جزءاً من تُراثاً شعبياً، تُراث ذي مدلولات تتجاوز في معناها الوظيفي البيولوجي الإستقلابي داخل مَعِدة الإنسان كما هي حال (تراث الطعام والمأكولات) عموماً التي ميزت على الدوام مدن فلسطين الكبرى والعريقة ضمن منظومة بلاد الشام، مدن الشمس والكرامة والحياة والكبرياء الحاضرة على طول، كمدن (القدس، يافا، حيفا، صفد، عكا، نابلس).

الملوخية، من تُراث مخيم اليرموك وأكلاته الشعبية، الى جانب كل أصناف الطعام في عموم بلاد الشام، لكنها هنا تتميز بحضورها اليومي حتى في الأوقات التي تكون خارج موسمها الطبيعي. ويتميز بها بعض أهالي مدن وقرى الجليل من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عموماً.

الملوخية، تُطبخ ناعمة حيث تجري عملية فرم أوراقها الخضراء بفرامة خاصة لها شكل نصف قوس على الطبلية، وتؤكل الجافة منها في غير أوقاتها الطبيعية الموسمية بعد معالجتها لتعود كالطازجة. فـــ (الملوخية) أو (الملوكية) صناعة مصرية، مع تعديل فلسطيني (صفوري) جذري بإمتياز، ومع تعميم فلسطيني أيضاً لتلك الأكلة التراثية على إمتداد ربوع بلاد الشام وحتى خارج بلاد الشام حيث تجدها في مطاعم فنادق الخمس نجوم في دول الخليج وغيرها .

 

بقلم علي بدوان