الانتخابات العامة – تشريعية ورئاسية ومحلية – تعبير عن إرادة الأمة وحق الشعب في اختيار من يحكمه كما أنها إحدى تعبيرات وتجسيدات سيادة الشعب ،ولكن تأخذ المسألة الانتخابية خصوصية في حالة خضوع الشعب للاستعمار حيث تنتفي سيادة الأمة أو تتوقف ممارستها ،وفي حالة وجود نظام سياسي فإما أن يكون على شكل حركة تحرر لا تلتزم بالضرورة بالاستحقاق الانتخابي أو تكون انتخابات سرية ،أو يكون نظاما منقوص السيادة حيث سيادة الدولة الاستعمارية تعلو سيادة الشعب وسيادة المؤسسات الوطنية وخصوصا في مجالي الأمن العام والشؤون الخارجية وحتى على مستوى السيادة على الأرض وحرية التصرف فيها ،كما هو الحال مع الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني الإجلائي حيث السلطة الفلسطينية الموجودة سلطة حكم ذاتي محدود بالرغم من أن الرئيس والمجلس التشريعي منتخبان من الشعب .
تأسيس السلطة الوطنية عام 1994 وضع الشعب الفلسطيني لأول مرة أمام تجربة أن يحكم جزء منه – سكان غزة والضفة - نفسه بنفسه حكماً ذاتياً محدوداً بدون سيادة فعلية ،وهذه التجربة جاءت تنفيذاً لبند في اتفاقية أوسلو يشترط إجراء انتخابات لـ(مجلس إداري) لتدبير شؤون السكان ،وقد ناور وناضل الراحل أبو عمار ليحوِّل المجلس لمجلس تشريعي والانتخابات إلى انتخابات تشريعية ديمقراطية ،إلا أن الممارسات الإسرائيلية ثم الانقسام الفلسطيني الحاد عطلا الحياة الديمقراطية وأزما النظام السياسي وجعلا مسألة الانتخابات كنوع من المغامرة أو التحدي .
وهكذا فالمسألة الانتخابية في الحالة الفلسطينية مختلفة عن السياق العام للانتخابات ،ليس لأن الشعب الفلسطيني غير ناضج للديمقراطية أو ليس أهلاً لها بل لأسباب تنبع من الخصوصية التي فرضها الاحتلال أهمها :
1- لأنه يخضع للاحتلال الإسرائيلي وفي هذه الحالة فأولوية الشعب مقاومة الاحتلال وليس الصراع بين ما يُفترض أنها حركات مقاومة على سلطة في ظل الاحتلال ،والتحدي يكمن في الجمع بين المسارين .
2- الاحتلال قد يُعيق الانتخابات أو يتحكم في مسارها سواء تعلق الأمر بالقدس أو بقبول إسرائيل بالتعامل مع منتخبي الشعب كما جرى مثلاً مع انتخابات يناير 2006 .
3- لأن الفلسطينيين منقسمون جغرافياً وسياسياً وعقائدياً ومختلفون حول الثوابت والمرجعيات .
4- تداخُل ملفي الانتخابات العامة داخل أراضي السلطة وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني .
هذه التحديات لا تعني رفض الانتخابات أو تجاهلها ما دام الشعب يطلبها بإصرار بالرغم من كل المحاذير ،كما أن كل القوى السياسية تزعم أنها تريدها ،إلا أن الأمر يتطلب إبداع وإرادة صادقة للتعامل مع حالة غير مسبوقة تاريخياً بالنسبة للشعوب الأخرى ،وسبق أن جربناها ولم تكن نتائجها مرضية .
الفلسطينيون اليوم أمام مفترق ومنعطف خطير فيما يتعلق بإدارة أمورهم الداخلية ،وطريقة تعاملهم مع التحديات الداخلية الراهنة من انقسام وأزمة مالية وفقر وبطالة هو الذي سيحدد علاقتهم مع الاحتلال ومستقبلهم السياسي الوطني ،فإما استمرار الأمور على حالها من انقسام وشلل في المؤسسات واستمرار القوى السياسية في اتهام بعضها البعض بالمسؤولية وهي حالة يستفيد منها الاحتلال وبعض النخب السياسية ،أو اللجوء إلى الشعب من خلال الانتخابات ليحسم فيما فشلت فيه الأحزاب في حوارات المصالحة وسياسة التوافق والتراضي .
وهناك تعقيد آخر أو خصوصية أخرى وهي أن قانون الانتخابات الفلسطيني لعام 2005 والمُعَدل عام 2007 يتطرق للانتخابات العامة –الرئاسية والتشريعية والمحلية- داخل مناطق السلطة الفلسطينية حيث يعيش فيها أقل من نصف الشعب الفلسطيني –حوالي 5 مليون نسمة- ولا يتطرق للانتخابات داخل منظمة التحرير ومجلسها الوطني حيث تمثل المنظمة كل الشعب الفلسطيني –ما يفوق 12 مليون فلسطيني- فالانتخابات في المنظمة تخضع لقانون منظمة التحرير وليس للقانون الأساسي للسلطة ،الأمر الذي يطرح إشكالات أيهما يعلو الآخر :هل هي المؤسسات المنتخبة داخليا ذات التمثيل الجزئي أو مؤسسات منظمة التحرير ذات التمثيل الكلي للشعب بدون انتخابات أو بانتخابات داخلية ولا تشارك فيها قوى وأحزاب عديدة منها حماس والجهاد الإسلامي ؟.
كنا نأمل حل إشكال منظمة التحرير منذ اتفاق الأحزاب في وثيقة الوفاق الوطني 2006 وفي اتفاقات المصالحة اللاحقة على ضرورة إعادة بناء واستنهاض منظمة التحرير لتستوعب الكل الفلسطيني وقد تشكلت لجنة خاصة بالموضوع اجتمعت لمرة يتيمة في بيروت في يناير 2017 ثم أُهمل الموضوع ، وربط موضوع الانتخابات الآن بموضوع المنظمة وانتخابات المجلس الوطني سيُعقد الأمر وقد يؤدي لتعطيل الانتخابات التشريعية والرئاسية وخصوصا أن طرفي المعادلة الفلسطينية غير جادين بإعادة استنهاض وتفعيل منظمة التحرير .
وفي المقال القادم سنبحث في تعقيدات واستحقاقات المسألة الانتخابية في حالة التوافق النهائي على إجرائها .
إبراهيم ابراش