قرية تلحوم، من قرى قضاء منطقة طبريا، في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948، ورد اسمها (كفر ناحوم) بالإنجيل المقدس. تقع القرية، وهي موطن عرب السمكية (السمشية) الى قريباً من بحيرة طبريا، على بعد 11 كيلومترا إلى الشمال الشرقي منها من طبريا، بالقرب من وادي الوداباني. ويقطن الى الشمال منها (عرب الشمالنة)، ومن الجنوب (عرب القديرية) وقريتهم (النويرية) اضافة لقرية (الطابغة) التي يرتبط أهاليها بصلات نسب وقربى مع عرب (السمكية).
تم تدمير القرية وتشريد سكانها وتهجيرهم، في سياق عملية التطهير العرقي العنصري، والإجتثاث القومي للشعب العربي الفلسطيني من على أرض تراب وطنه، فيما اقامت دولة الإحتلال مستعمرة على انقاضها بعد العام 1948. وقد أطلقنا نحن في اليرموك على مواطنيها اسم عرب السمكية، وهو لقبهم في فلسطين قبل النكبة، كونهم يجمعون بين حياة الفلاحة والبداوة وصيد السمك من بحيرة طبريا، فجميع اهالي القرية كانوا يعملون قبل النكبة بتربية المواشي، من اغنام، وأبقار، وجمال، وبزراعة الخضار، والقمح الموصوف بجودته، والشعير، ومهنة صيد الأسماك من بحيرة طبريا.
حملة التطهير والترانسفير التي وقعت بحق القرية، جعلت من مواطنيها يلوذون في شتاتهم القسري في سوريا (حيث الأكثرية منهم) وفي لبنان والأردن، ويحملون مُسمى عرب (السمكية) أو عرب (السمشية) كما يلفظها البعض من أبناء مخيم اليرموك. ومن عائلات القرية، نذكر : حمزات، ابو قطن، السعد، المدبوح، الحسن، البكر، عجاج، شهاب، الأسعد، محمد، شحادة، موسى، محمود، اليوسف، الساعدي، سليم، السعدي، الخليل، الغيظان، عيلان، الطالب، الخلف، الحسين، ابو قاسم، فرج، هلابو ...
عرب السمكية، أو اهالي السمكية، اهالي قرية تلحوم، الذي اطلقت وكالة الأونروا اسم تلك القرية على واحدة من مدارسها في اليرموك، لهم صولة وجولة في مخيم اليرموك، من خلال حضورهم في قضايا وتشعبات حياة المجتمع والناس اليومية، وفي التزام الجزء الكبير منهم بفصائل العمل الوطني الفلسطيني، خاصة اثناء مراحل الكفاح المسلح انطلاقاً من الجبهات المحيطة بفلسطين، من سوريا ولبنان والأردن، حيث قدمت تلك القرية الأعداد الكبيرة من الشهداء، وكان على رأسهم الشهيد (أبو علي المدبوح) الذي استشهد اوائل العام 1976 في لبنان، ومازال هناك الكثيرين من ابناء القرية في عداد القيادات والكوادر الوطنية الفلسطينية الملتزمة وعلى رأسهم راتب شهاب (أبو حسام) بموقعه القيادي المعروف، والأخ محمد ابو قطن صاحب المبادرات الطيبة في متابعة شؤون ابناء فلسطين في سوريا انطلاقاً من عمله في الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والأخ علي موسى، ونايف محمود ... ولاننسى دورهم الوطني قبل النكبة، حين شارك منهم الأعداد الكبيرة من الرجال والشبان في الثورات المتتالية، وخاصة ثورة الشهيد عز الدين القسام، وكان منهم، محمد علي قاسم البكر، علي ذيب الحمزات، والشيخ حسن المحمود ابو قطن، حافظ الموسى، محمود الخلف ...
قرية تلحوم، موطن عرب السمكية، قديمة قدم الوطن والأرض، وعميقة عمق تاريخ فلسطين، ففيها الأوابد التاريخية، خاصة الأديرة والكنائس، التي مازال يوجد بها رهبان قيل بأن المسيح عليه السلام نزل وحواريه الى اراضيها، والقى الخطب على حواريه، كما نشير بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن زارها عام 2000.
من طرائف عرب السمكية، مواطني قرية تلحوم، أنهم تفوقوا في أحايين كثيرة، على بعض أقرانهم من الفلسطينيين، في المبارزة في "الطوشات" التي كانت تقع في اليرموك، ففازوا على الغوارنة بــ "ضرب العصي والحجارة". ويذكر الكثيرين ماجرى بينهم وبين عرب المواسي في مخيم خان الشيح، عندما وقعت بعض المشاكل التي أدَّت الى اندلاع "حرب الحجارة" والعصي (حرب داحس والغبراء)، ففاز السمكية على عرب المواسي، رغم التفوق العددي الكبير لأبناء عشيرة المواسي في مخيم خان الشيح. وحينها هتف واحد منهم، من أبناء السمكية قائلاً :
احنا ولاد البوشعبان ..... واللي يعادينا تعبان
وبودي أن اشير هنا، الى الأخ والرفيق، نايف محمود، الذي تعرفت اليه في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، وعندها كان متفرغاً في صفوف فصيلٍ يساري، وكانت محاججته في الإجابة على سؤال جيل الفتيان حول "الأمين العام"، قوله :
عندما يُحقق هذا الأمين العام، انتصار القضية الفلسطينية سيتركنا ويذهب لنصرة ثورة غيرها في العالم، كما حقق انتصار الثورة اليمنية على المستعمر الإنكليزي قبل مجيئه الينا لنصرة القضية الفلسطينية، فهو قائد أممي، لايهمه حين يضحي أن يرى موقعاً قيادياً في أي مكان ... ولكن .... مازال في موقعه منذ خمسين عاماً.
الصورة الأولى : كرت معايدة صممه فنان فرنسي عام 1902 لمجموعة من ابناء قرية تلحوم من عرب السمكية.
الصورة الثانية : أعمال الحراثة في قرية تلحوم 1914.
بقلم علي بدوان