في الثامن عشر من شهر آب الماضي، ودّع الدنيا عن عمر ناهز 86، عامًا، وبعد مسيرة حياة حافلة بالعطاء والابداع الادبي والنشاط الثقافي والمنجزات البحثية والتدريس الجامعي، البروفيسور ساسون سوميخ، أحد أبرز المثقفين اليهود العراقيين المهتمين بالثقافة العربية والأدب العربي واعمال الروائيين المصريين نجيب محفوظ ويوسف ادريس.
وكان لخبر وفاته المفجع أثرًا عميقًا بين المحافل والاوساط الادبية والاكاديمية في البلاد، وقد نعته الصحف والمواقع الالكترونية، ورثاه وأبّنه الكثير من اصدقائه وزملائه وطلابه، منهم على سبيل المثال لا الحصر، د. نبيه القاسم، والكاتب نمر نمر، والبروفيسور محمود غنايم والكاتب ناجي ظاهر وغيرهم.
ساسون سوميخ من مواليد بغداد العام 1933، عاش فيها مع عائلته حتى العام 1951، ثم هاجر الى اسرائيل. وكان تعرف في العراق على الكثير من الأدباء والشعراء العراقيين، منهم على وجه الخصوص محمد مهدي الجواهري، بدر شاكر السياب، بلند الحيدري، عبد الرازق الواحد، رشيد ياسين، حسين مردان، اكرم الوتري وسوى ذلك.
كان سوميخ موهوبًا نشطًا منذ شبابه، بدأ الكتابة في جيل مبكر، ونشر قصائده في الصحف والمجلات العراقية التي كانت تصدر آنذاك، عندما كان على مقاعد الدراسة الثانوية، ولم يكن مغمورُا ومهتمًا بالسياسي كغيره من ابناء جيله، ولم يكن منتميًا لأي حزب سياسي في العراق، لكنه كان ديمقراطي النزعة، تقدمي الفكر والتوجه صوب الحداثة والتجديد ومع فكر قوى اليسار.
بعد قدومه إلى اسرائيل أصر على الالتصاق بلغته العربية التي كان يعشقها حتى النخاع، وحافظ على اسمه الأصلي بعكس ما قام به غيره من الأدباء العراقيين اليهود، وكتب دراساته وأبحاثه باللغة العربية.
كما التصق سوميخ بالتيار الفكري اليساري ممثلًا بالحزب الشيوعي، دون ان يكون منظمًا فيه، ونشر الكثير من كتاباته في صحيفة " الاتحاد "، ومجلة " الجديد "، وكتب ونشر عشرات المقالات والدراسات حول الأدب العربي والفلسطيني، متخذًا مسارًا واقعيًا، حاثًا على قراءة الادب العربي والكتابة بالعربية.
ونشر سوميخ كتاباته ايضًا في مجلة " الكرمل "،الاكاديمية المتخصصة باللغة والادب التابعة لكلية الآداب في جامعة حيفا، وفي مجلة " الشرق " المحتجبة لمؤسسها ومحررها الاديب محمود عباسي، وغيرها من المجلات والدوريات العربية والمواقع الالكترونية العربية والعراقية.
انشغل ساسون سوميخ بقضية اللغة في الأدب، وله رصيد كبير من الترجمات من العربية للعبرية لأدباء فلسطينيين، أمثال راشد حسين وغسان كنفاني واميل حبيبي ومحمود درويش وميشيل حداد وسهام داوود وسواهم.
وكان سوميخ أشغل منصب رئيس قسم اللغة والآداب العربية في كلية الآداب التابعة لجامعة تل أبيب لمدة 12 عامًا، وشارك في تأسيس مجمع اللغة العربية، وهو صاحب مدرسة في الاكاديميا، وتخرج من معطفه المئات من الطلاب الاكاديميين والدكاترة العرب.
كرّس ساسون سوميخ حياته للبحث في الادب العربي، وقد أنجز العديد من الكتب والمؤلفات والاصدارات الهامة عنه، وتوقف عند رائدين من رواد القصة والرواية العربية، حيث صدر له مؤلفان هامان ورائعان، هما : " عالم نجيب محفوظ "، و" دنيا يوسف ادريس ".
وفي بحثه ودراسته عن يوسف ادريس استطاع سوميخ تحديد مقومات الفن القصصي والفن المسرحي عنده، ومدى براعته فيهما، واكتشاف ما يسميه " بالعمليات " الفنية الهامة كالتوليد وأثر ذلك على العمل الأدبي الاصلي المولد، اضافة الى النتيجة القيمة التي خرج بها من أن يوسف ادريس، وهو الذي مارس مختلف الادوات التعبيرية من مقال وقصة قصيرة ورواية ومسرحية، والذي صرح بأن المسرحية أصبحت عنده " أقدس الاشكال الفنية وامتعها "، لم يرق بمسرحياته المستقلة والمولدّة، على الرغم من رياديته وتجربته الطلائعية فيها، إلى تلك المكانة المرموقة التي بلغها بالقصة ".
وتشكل اسهامات سوميخ لبنات أساسية ارساها في دراسة اعمال محفوظ وادريس وغيرهما من كبار الأدباء العرب، دراسات بنيوية وشكلية على الغالب، سدت النقص البارز في التناول النقدي البحثي لهذه الناحية المضمونية الموضوعية.
واصدر ساسون سوميخ جزئين من مذكراته في العراق، هما : " بغداد أمس " و " الحياة بعد بغداد "، وغيرها من المؤلفات.
بروفيسور ساسون سوميخ مثقف عراقي بارز، ومبدع كبير، واستاذ جامعي رائد، وعلم معروف بين الاوساط الادبية والثقافية، وفي محيطنا الثقافي العربي في البلاد، له مساهمات عظيمة كبرى في خدمة الثقافة العربية، رحل عن عالمنا بعد أن أبقى قبسًا من روحه الانسانية، وبعد أن اعطى الكثير للأدب وللإنسانية، وستظل ذكراه خالدة في القلوب، وعطاؤه لا ولن ينضب.
بقلم/ شاكر فريد حسن