الانتخابات الفلسطينية.... استحقاق دستوري ووطني وسياسي وليست خيارا سياسيا!!!

بقلم: باسم عثمان

ما يغيب عن غالبية المنشورات الحزبية الفصائلية والإعلامية السياسية على منصات الاعلام وداخل اروقة الصالونات الأدبية التوصيفية,ان الانتخابات الفلسطينية (التشريعية والرئاسية) المزمع اجراؤها , انها تحتاج وبالدرجة الأولى الى الإرادة السياسية لأصحاب القرار الفلسطيني في الضفة والقطاع, و تحتاج أيضا الى التوافق الوطني على الإجراءات الإدارية لإنجازها و ترتيبها ونجاعتها ,حتى لا تتحول الى كارثة وطنية – بقصد او بدون قصد – من انقسام سياسي اداري الى انفصال اداري وجغرافي سياسي تتكرس فيه الكانتونات الجغرافية الفلسطينية (في الضفة وغزة والقدس), وبالنتيجة , خدمة مجانية ميدانية لأهداف المشروع الأمريكي – الإسرائيلي وتجلياته السياسية في عناوين صفقة القرن الامريكية.

وما يغيب أيضا عن التفكير الفلسطيني الرسمي , ان هذه الانتخابات المركبة : الدستورية الإدارية والسياسية الوطنية , هي اجراء مركب : إداريا و سياسيا , تتعلق برافعتي الحالة الفلسطينية بشقيها: منظمة التحرير الفلسطينية كائتلاف وطني عريض تمثيلي وسياسي, والسلطة الفلسطينية باعتبارها احدى مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية ومعنية بدورها الإداري الخدماتي الجغرافي لجزء من الشعب الفلسطيني المتواجد على ارضه المحتلة , والتي تتمايزعن دور ومهام منظمة التحرير الفلسطينية كاطار تمثيلي – سياسي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني لإنجاز استحقاقات مشروعها الوطني في الحرية والاستقلال, في حين ان السلطة تمثل الأداة الوطنية واحدى إنجازات الأخيرة (م.ت.ف) على طريق تحقيق السيادة الوطنية.

هذا الموقف ينطلق في تعاطيه من الانتخابات من مجموعة حقائق:

الحقيقة الأولى: ان السلطة الفلسطينية ليست كيان سيادي سياسي ، طالما هي تحت الاحتلال ، وهي ليست ممثلة لعموم الفلسطينيين (إداريا وسياسيا ووطنيا) و لطالما تقتصر في ادارتها ورعايتها على الفلسطينيين المتواجدين في الضفة والقطاع والقدس ، وهذه الإدارة لشؤون الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني تعكس نفسها بصورة او بأخرى , على صمود شعبنا وادواته الوطنية والاجتماعية لإنجاز مشروعه الوطني , لذلك , فهي ادارة مهمة بالمفهوم الوطني وتعكس معطى سياسي في معركتنا الوطنية السياسية, لهذا , فان بنية السلطة وتركيبتها وان كانت ليست سياسية فهي تؤدي لنتائج سياسية.

الحقيقة الثانية: ان شعبنا يدرك تماما انها انتخابات تحت سقف الاحتلال , وهي انتخابات إدارية من جانب , وسياسية من جانب اخر, لمكونات الحالة الفلسطينية بشقيها (منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية)، لذلك , لا بد من انتاج ومن خلال التجديد الانتخابي لإدارة ذاتية ملتزمة بثوابت شعبنا الوطنية وحقوقه المشروعة - معطى وطني- لأفشال أهداف المشروع السياسي للاحتلال الإسرائيلي وتجلياته الميدانية من خلال تعزيز صمود شعبنا على ارضه و الحفاظ على الثوابت الوطنية , ومن حيث المبدأ, كل مؤسساتنا المدنية والوطنية والاجتماعية تحت سقف الاحتلال (البلديات ، الجامعات ، التعليم ، الصحة ..الخ), لذلك ,لا مبرر للتعاطي مع المنطق الانتقائي مع ما هو تحت سقف الاحتلال وبما يخدم رؤى حزبية ضيقة , ورفض ما هو تحت سقف الاحتلال ولنفس الغاية, الا اذا كان ذلك يكرس الهروب الى الامام من استحقاقات الهم الوطني وتعبيراعن الإفلاس والاستسلام والانبطاح السياسي.

الحقيقة الثالثة : والمهمة والتي يجب ان لا تغيب عن بالنا وتحليلاتنا السياسية , ان الانقسام في الحالة الفلسطينية أيضا مركب : هو انقسام اداري سلطوي من جانب , وانقسام سياسي وطني من جانب اخر, الأول سبيله الوحيد للخلاص منه :هو اجراء الانتخابات الادارية في الضفة والقطاع والقدس , والثاني سبيله الوحيد للخلاص منه : هو بأطلاق باكورة الحوار الوطني الفلسطيني لإنتاج الرؤية الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية التوافقية استجابة لمتطلبات عودة النهوض الوطني الفلسطيني مجددا , وبما يعزز من مكانة منظمة التحرير وصدارتها وقيادتها للمشروع الوطني الفلسطيني وإنجاز مهامها كحركة تحرر وطني .

إن تنفيذ أي من هذه الاستحقاقات الوطنية يتطلب القيام بالخطوات الآتية:

- على الرئيس الفلسطيني الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات، إثر انجاز لجنة الانتخابات المركزية للمشاورات التي تقوم بها وتقديم تقريرها، ضمن الحدود الزمنية المحددة في بنود المحكمة الدستورية.

- ان يدعو الرئيس الفلسطيني هيئة تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والمكونة من الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية وأعضاء اللجنة التنفيذية ورؤساء المجالس التشريعية الفلسطينية وشخصيات وطنية واجتماعية ومدنية لتفعيل المؤسسات ولبلورة رؤية وطنية توافقية للأجماع الوطني واستراتيجيته المقاومة.

- الاتفاق على اعتماد النظام الانتخابي النسبي الكامل لإتاحة الفرصة لمشاركة كافة أطياف الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية وضمان تمثيلها في التشريعات الفلسطينية وفقا لحجمها النسبي في المجتمع الفلسطيني , أو: اعتماد نظام انتخابي على مستوى الدوائر, والذي قد يتيح مشاركة قوائم المستقلين في الدوائر لضمان وصول شخصيات محلية مستقلة قد لا تكون لها فرصة لإقامة قوائم على مستوى الوطن , أو: اعتماد نظاماً انتخابياً نسبياً مختلطاً , بحيث يتم انتخاب نصف مقاعد المجلس التشريعي "البرلمان" عبر قوائم على مستوى الوطن، والنصف الثاني عبر قوائم على مستوى الدوائر.

- التعهد من قبل " سلطتي طرفي الانقسام الإداري والسياسي في الضفة والقطاع" بضمان حرية ونزاهة الانتخابات، وضمان احترام نتائجها والتسليم بها.

-تكليف لجنة الانتخابات المركزية بالتحضير للانتخابات ووضع الخطط الكفيلة بمنح المصداقية للعملية الانتخابية وتعزيز نزاهتها وشفافيتها من خلال وجود هيئات رقابة دولية تحظى بثقة الاطراف الفلسطينية، سواء أكانت من هيئة الامم المتحدة أو من أطراف فلسطينية أو عربية أو إسلامية ومنظمات اجنبية.

نحن احوج إلى بلورة استراتيجية وطنية متماسكة وعلى أعلى المستويات للبحث في كيفية مشاركة الجميع وبدون استثناء في هذه الانتخابات ، وتوفير ضمانات فعلية لإنجاز هذا الاستحقاق الوطني بشقيه الإداري والسياسي, وميدان الاتفاق على هذا من خلال حوار وطني عام وشامل يقوده الرئيس عباس ويشارك فيه أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني والامناء العامون لفصائل العمل الوطني وشخصيات مستقلة , هذا هو الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله أن نصل إلى تفاهمات تمكننا من اجراء الانتخابات في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة , وغير ذلك , ستقودنا الانتخابات بدون الإجراءات والاليات التمهيدية لها ولنجاحها , الى كارثة وطنية يصعب التنبؤ بنتائجها.

ان نجاح أنجازهذا الاستحقاق الوطني -وهو ليس خيارا سياسيا تكتيكيا بالمناسبة -في الإرادة السياسية الفلسطينية الخالصة , ولا يحتاج الى مكياج الاجندات والتكتيكات الاستعراضية والفئوية الفصائلية , قالها الشعب الفلسطيني وسيقولها مجددا:" لقد بلغ السيل الزبى".

بقلم/ د. باسم عثمان