يستميت نتنياهو كي يتولى رئاسة الحكومة للمرة الخامسة في حياته السياسية، وفي سبيل ذلك، جهد في استمالة ليبرمان دون جدوى حتى الآن. وراهن على حدوث شرخ يفيده في القوائم المنافسة ولم يحصل. وأمام هذا الفشل المزدوج تتصاعد هواجسه على خلفية ملفه القضائي واحتمال توجيه اتهام رسمي له من المستشار القضائي.
ومع مرور الوقت على تكليفه بتشكيل الحكومة دون تقدم يذكر، يتصاعد الحديث عن احتمال إجراء انتخابات ثالثة. وفي حال جرى ذلك، فإن مستقبل نتنياهو يصبح أكثر من أي وقت مضى مرهونا بنتائج هذه الانتخابات، من زاوية أن تكرار انتخابات نيسان الماضي جعلته أضعف مما كان عليه قبلها. وبالتالي، فإن انتخابات قريبة أخرى، وفي ظل اصطفاف قوي ضده، ربما تفقده آخر أمل له في تقلد منصب رئاسة الحكومة مجددا.
مع صدور نتائج الانتخابات القريبة السابقة، بات واضحا أن نتنياهو فقد الأمل بتشكيل حكومة بقيادته وتقتصر بعضويتها على معسكرة بعد فشله في تحقيق الأغلبية النسبية في الكنيست. والأمر غير قائم بالأساس بالنسبة لمنافسه «أزرق ـ أبيض» الذي يفتقد إلى معسكر قوي يدعمه. ولذلك كان الطريق الوحيد السالك (نظريا) هو تشكيل حكومة «وحدة» بين القائمتين الكبيرتين. لكن اتضح أن الخلافات بين الطرفين كانت من العمق لدرجة أن التناوب لكل منهما لم يكن مقبولا، إلا إذا بدأ هو أولا برئاسة الفترة الأولى. ولكل منهما اعتباراته وحساباته.
* فقادة « أزرق ـ أبيض» يرفضون أن يترأس نتنياهو الحكومة قبل «تسوية مشاكله مع القضاء»، وفي هذا السياق ابتعدوا أكثر عن ظاهر هذا السبب، أي أنهم يفضلون أن يخرج الليكود من تحت عباءة نتنياهو. وربما من أبرز المتمسكين بهذا المطلب هو يئير لبيد رئيس «يوجد مستقبل» الحزب الأكبر في «أزرق ـ أبيض»، ولا نعتقد بأنه قد تجاوز عقدة أن نتنياهو قد طرده من الحكومة قبيل انتخابات العام 2015.
كما يفضل قادة «أزرق ـ أبيض»، بل يصرون، على انتهاء الترابط في المباحثات الائتلافية ما بين الليكود وأحزاب اليمين الديني. وضمن هذه المعادلة فقط يصبح مقبولا بالنسبة لهم الخوض بحكومة الوحدة وآليات التناوب مع الليكود.
على ذلك ، رأى عدد مهم من قادة الليكود أن تنفيذ هذه المطالب تعني عمليا انتحار الحزب، من موقع إدراكهم أن الفترة المديدة التي مكث فيها نتنياهو على رأس الليكود قد أفرغته من الشخصيات القوية القادرة على وراثته في قيادة الحزب. وقد رأى المراقبون أن الشخصيات التي ترد أسماؤها كمرشحة لخلافة نتنياهو، هي مجرد «شخصيات ظل»، لا تجرؤ بوجوده على منافسته ، لكن جميعها تقريبا ستعلن أنها ستتنافس على رئاسة الحزب بعد نتنياهو.
ولذلك، فإن الليكود من دون نتنياهو سيفقد عامل استقراره الداخلي، وسيصبح عرضة للتفكك بغياب شخصية قوية توحده وتقوده. كما أن الابتعاد عن أطراف المعسكر الذي يقوده عمليا الليكود سيفقد الحزب غطاء سياسيا وبرلمانيا مهما ساعد في تمرير سياسات نتنياهو ومشاريع القوانين التي اقترحها في الكنيست على امتداد السنوات الماضية.
* بالمقابل، يصر نتنياهو على أن يكون هو البادئ في ترأس الحكومة، حتى يحتمي بمنصبه في حال تم توجيه اتهام رسمي له بشأن ملفه القضائي. وإلى جانب ذلك ، ليس من المتوقع أن يقبل نتنياهو دخول الحكومة تحت إمرة من كان رئيسهم لسنوات طويلة.
لكن، وأمام هذا الجدار من المواقف، والذهاب إلى انتخابات ثالثة، تبرز حسابات يرى المراقبون أنه ينبغي أخذها بنظر الاعتبار من قبل الطرفين الكبيرين، ربطا بنتائج الانتخابات الأخيرة:
فقد تضمنت قائمة الليكود في هذه الانتخابات حزب «كولانو»(كلنا) المنحل برئاسة موشيه كحلون، والذي حصل في نيسان(أبريل) الماضي على نحو 153 ألف صوت، وكان للحزبين معا 39 مقعدا في الكنيست السابقة ، ما يعني أن قائمة الليكود خسرت في الانتخابات الأخيرة 167 ألف صوت، وأيضا 8 مقاعد، وبقي الليكود وكلنا مع 32 مقعدا.
هذا عدا الدعم الافتراضي الذي حصل عليه الليكود من حزب «زهوت»(الهوية) بزعامة موشيه فيغلين، الذي انسحب من المنافسة مقابل منصب وزير في حكومة نتنياهو، في حال تم تكليفه بتشكيلها. وقد حصل «زهوت» في نيسان(أبريل) 2019، على 118 ألف صوت.
ـ وعلى الرغم من أن «أزرق - أبيض» حصل على نحو 26% من الأصوات، وزادت الأصوات التي حصل عليها بمقدار25233 صوتا، إلا أنه خسر مقعدين، عن الانتخابات السابقة بحصوله على 33 مقعدا.
أي أنه وعلى الرغم من عدم توقع تبدل جوهري في خريطة المشاركة بالانتخابات الثالثة ، إلا أن كلا الطرفين الكبيرين معرضين لخسارات أخرى بحسب نسبة التصويت والانزياحات الممكنة في بوصلة الرأي العام في إسرائيل بخصوص الأحزاب المشاركة.
بالمقابل، كان ليبرمان وحزبه «إسرائيل بيتنا» الفائز الأكبر في نتائج الانتخابات الأخيرة، وقد خاض معركتين، إحداهما مع الأحزاب الحريدية والتي نجح فيها بأن يقدم نفسه كشخصية علمانية ليبرالية، والثانية مع نتنياهو ونجح في منعه من تشكيل الحكومة ومازال يفعل ذلك واضعا الطرفين الكبيرين أمام شروطه كبيضة قبان وازنة. ومع ذلك، يكرر ليبرمان أنه يجب تحاشي الذهاب إلى انتخابات ثالثة، لأسباب معروفه أهمها أنه يفضل أن يقدم نفسه كمفتاح كسر الجمود القائم ويكسب بالتالي المزيد من التأييد من قبل الجمهور باعتباره يدفع باتجاه حكومة وحدة .. وضمن شروطه.
بالنتيجة، يشير الاستعصاء على طريق تشكيل الحكومة إلى أزمة عميقة في المشهد السياسي ـ الحزبي الصهيوني في إسرائيل، وتعبر هذه الأزمة عن ثنائية متناقضة، طرفها الأول التوافق العام ما بين الأطراف في السياسات بمنحاها اليميني، والثاني يتمثل في حالة الاستقطاب الحاد الذي يمنع تشكيل الحكومة، مع أن حكومات إسرائيلية كثيرة في السابق جمعت أطرافا متقابلة في كثير من الملفات، في ذلك الوقت، من نمط حكومة الوحدة ما بين العمل والليكود في ثمانينيات القرن الماضي.
نتنياهو يعتبر معركة تشكيل الحكومة مسألة حياة أو موت، وغانتس وأطراف «أزرق ـ أبيض» يتحضرون لتدفيعه أثمان حروبه الشخصية التي خاضها من أجل أن يكسر الرقم القياسي كصاحب أطول فترة على رأس الهرم السياسي الإسرائيلي.. هي حروبهم التي مهما اشتدت بينهم ، لاينشغلون عن التغول في حقوقنا.
بقلم/ محمد السهلي