أحيا فلسطينيو الداخل، يوم الثلاثاء، ذكرى مجزرة "كفر قاسم" التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1956، وأسفرت عن استشهاد 49 فلسطينيًا، بمسيرة حاشدة ومهرجان خطابي.
ورغم مرور 63 عاما، على مجزرة "كفر قاسم" فإن البلدة، وكذلك مدن وقرى الداخل الفلسطيني عامة، ما زالت تشهد سنويًا بالتزامن مع ذكرى المجزرة فعاليات واسعة إحياءً لها.
وبدأت فعاليات إحياء المجزرة، من ساحة مسجد "أبو بكر" في المدينة، ثم توجهت مشيا لغاية مكان النصب التذكاري الذي أقيم في مكان حدوثها والمسمى "الفلماية".
ورفع المشاركون في المسيرة الشعارات المنددة بسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وجرائمها، وهتف المشاركون بعبارات التمجيد لشهداء الشعب الفلسطيني الأبرار.
وأكدوا على مطلبهم بأن تعترف الحكومة الإسرائيلية بارتكاب جنودها المجزرة وتقديم اعتذار رسمي للمواطنين الفلسطينيين في الداخل وأهالي الشهداء.
وفي كلمة له بالمناسبة، قال رئيس بلدية كفر قاسم، المحامي عادل بدير، قال فيها إنه "رغم كل المخططات التي حيكت لنا إلا أننا لم ولن ننسى ذكرى المجزرة، وكل إنسان في كفر قاسم يقول للمجرمين إننا لن ننسى ذكرى الشهداء، وها نحن ما زلنا نحييها ما دام الدم يجري في عروقنا".
وأكد أنه "سنبقى نطالب السلطات الإسرائيلية بتحمل مسؤوليتها عن المجزرة، وكشف التحقيقات والمحاكمة التي كانت".
وقال رئيس لجنة المتابعة، محمد بركة، في كلمته إنه "من الواجب على الدولة أن تتحمل المسؤولية عن المجزرة، إقامة متحف، وجعل الذكرى رسمية في كل مجتمعنا العربي، تعويض مدينة كفر قاسم، وإجراء محاكمة حقيقية للضالعين في المجزرة لاستبدال المحكمة الصورية".
وأضاف أن "الدولة قتلت في مجزرة كفر قاسم 49 شهيدا بسلاحهم وبأيديهم، ولكن في هذا العام فقط قُتل 74 قتيلا بسلاحهم، ولكن بأيدي عملائهم. نسبة الضالعين بالإجرام والمجرمين في مجتمعنا هي 2 في المائة، ولكن هذا يوضح أننا شعب يريد أن يعيش لأن الـ 98 في المائة من مجتمعنا هم أناس مسالمون".
وختم بركة بالقول: "نحن أمام مخططات صعبة وموجة استهداف كبيرة، للقدس وغزة ومجتمعنا، وهناك استهداف للأراضي في الضفة والمخيمات، واستهداف لكل الفلسطينيين في الداخل والخارج. نحن نواجه سياسة القهر لأننا فلسطينيون فقط، ويجب أن نتشبث بقضيتنا".
في الـ 29 من تشرين أول/ أكتوبر عام 1956، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة مروعة بدم بارد في قرية كفر قاسم المحتلة عام 1948، فتقتل 49 مواطناً فلسطينياً فيها بحجة أنهم خرقوا حظراً للتجول.
وزّع الاحتلال في حينه، قواته على القرى الفلسطينية في المثلث (من بينها كفر قاسم، كفر برا، الطيرة، جلجوليا، الطيبة، وقلنسوة)، وكان يقودها آنذاك الرائد شموئيل ملينكي الذي يتلقى الأوامر مباشرة من قائد كتيبة الجيش الموجودة على الحدود، وهو المقدم يسخار شدمي.
وتوجهت مجموعة من الجنود إلى بلدة كفر قاسم وقُسمت إلى أربع فرق؛ بحيث بقيت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة، وأبلغ قائدُها الضابطُ يهودا زشنسكي "مختارَ" البلدة في ذلك الوقت وديع أحمد صرصور بقرار منع التجول وطلب منه إبلاغ السكان بالتزامه.
أخبر صرصور الضابط زشنسكي بأن هناك 400 شخص يعملون خارج القرية ولم يعودوا بعد، فأعطاه وعدًا بأن هؤلاء سيمرون بسلام لدى عودتهم ولن يتعرض لهم أحد بسوء.
لكن مساء ذلك اليوم شكّل مرحلة مفصلية في تاريخ كفر قاسم والشعب الفلسطيني عامة، ففي تمام الخامسة مساء دوّى صوت رصاص كثيف داخل البلدة فصمّ آذان معظم سكانها، إثر إطلاق الجنود النار على مجموعة من الأهالي كانوا عائدين من حقول زراعتهم في المساء إلى بلدتهم، فقتلوا منهم 49 شخصًا وأصابوا العشرات بجروح بالغة، بذريعة خرق منع تجول لم يعلموا بإعلانه المفاجئ.
كان من بين شهداء مجزرة كفر قاسم مسنون و23 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 8- 17 عامًا، و13 امرأة، ولم يكن عدد سكان كفر قاسم آنذاك يتجاوز 2000 نسمة. وقد ارتقى عند المدخل الغربي للبلدة وحده 43 قتيلًا.
ارتبطت المجزرة بأسماء عدد من العسكريين الإسرائيليين أمثال الضابط يسخار شدمي الذي استدعى شموئيل ملينكي وأبلغه بقرار تكليفه مهمة حراسة الحدود وفرض منع التجول في قرى من بينها كفر قاسم، ثم أعطى التعليمات بارتكاب المجزرة.
حاولت الحكومة الإسرائيلية برئاسة ديفيد بن غوريون، إخفاء حقيقة مذبحة كفر قاسم، إذ نـُشر أول خبر عنها في الصحف بعد أسبوع من وقوعها؛ 6 نوفمبر/ تشرين ثاني، أما تفاصيلها فمنعت الحكومة وصولها إلى الرأي العام إلى يوم 17 ديسمبر/ كانون أول 1956.
لكن النائبيْن في الكنيست الإسرائيلي "البرلمان"، توفيق طوبي وماير فلنر، تمكنا من كشف ملابسات الحادث بعد تسللهما إلى البلدة لاستقصاء الحقائق بشكل مباشر من الشهود والمصابين، وإعداد وثائق ليتم طرحها داخل الكنيست، وإرسال وثائق خاصة بالواقعة إلى وسائل الإعلام والسفارات الأجنبية وكافة أعضاء برلمان الاحتلال.
واضطرت جهودُهما الحكومة إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والبدء في إجراء تحقيق أسفر عن محاكمة من اعتبرتهم تل أبيب مسؤولين مباشرين عن المجزرة، فأجريت محاكمة صورية لهم حُكم فيها على الضابط شموئيل ملينكي بالسجن 17 عامًا، وعلى جبرائيل دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عامًا، وعلى الجنود الآخرين بالسجن لمدة ثماني سنوات.
أما قائد حرس الحدود المقدم شدمي، الذي أعطى الأوامر بالقتل، فقد تمت تبرئته من ارتكاب الجريمة وغُرّم بدفع قرش واحد، وقد قال؛ في حديث لصحيفة هآرتس العبرية، إنه نفذ "أوامر عليا" حين أمر جنوده بقتل المدنيين قائلًا: "احصدوهم".
ثم غُيّرت الأحكام الصادرة بحق مرتكبي الجريمة، حيث خُففت بعد الاستئناف لتصبح 14 عامًا بحق ملينكي، وعشرة أعوام لدهان، وتسعة أعوام لعوفر. ثم خُفضت مرة أخرى باتجاه إلغائها نهائيًا، إذ تدخل رئيس الدولة وخفض الأحكام إلى خمسة أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان. وأطلِق سراح آخرهم مطلع عام 1960.
ويقول باحثون في التاريخ الفلسطيني إن مجزرة كفر قاسم نفذت ضمن خطة تهدف إلى ترحيل فلسطينيي منطقة "المثلث الحدودي" (بين فلسطين 1948 والضفة الغربية التي كانت آنذاك جزءًا من الأردن) التي تقع فيها بلدة كفر قاسم، بواسطة ترهيب سكانها على غرار مذبحة دير ياسين ومجازر أخرى.