مقدمة تاريخية تعريفية ببني إسرائيل واليهود:
تشكلت في بلاد اليمن مملكة بني إسرائيل الموحَّدَة من 84 مخلافاً (مملكة صغيرة)، جمعت الشمال والجنوب، فكان لكل قبيلة أو( شعب) مملكتها المستقلة، لها ثقافتها الدينية ونظمها الاجتماعية والسياسية وقوانينها الإدارية، وكان أيضا لكل قبيلة آلهتها الخاصة بها، تقدسها وتقيم لها المعابد؛ لإجراء الفرائض وإقامة طقوس العبادة. كل ذلك في إطار مملكة مركزية لها ملك، ولها إله قومي واحد يقدسه ويعبده الجميع . انتهى كل ذلك حين انهارت المملكة بسبب الانقسام بين ما يسمى مملكة الشمال وبين مملكة الجنوب. (انظر: فاضل الربيعي/ يهوذا والسامرة – ط1 ص20 ).
ومن النافع جداً أن نفرِّق بين الإسرائيليين وبين اليهود، فالديانة الإسرائيلية ديانة عربية قديمة سبقت ظهور الديانة اليهودية بنحو يحدده المؤرخون ب800 عام تقريباً. وهي دين بني إسرائيل الذين ذكرهم القرآن الكريم. بينما اليهودية؛ هو اسم الديانة الجديدة الذي اتخذته من اسم جدهم الأعلى " يهوذا " ؛ أحد الأسباط الأوائل. كان ذلك بعد انشقاق مملكة بني إسرائيل الموحَّدَة في عهد رحبعام بن سليمان، وبعد قيام ما يُعرف بـ ( مملكة يهوذا). نحو 900- 850 ق. م. أي إن الفارق الزمني بين ظهور الديانتين يصل إلى نحو 800 عام. فلا علاقة بين اليهود وما يُدعى بخروج موسى بقومه من مصر. فالإسرائيليون لم يكونوا يهوداً، ولم يكونوا يعرفون اليهودية وقت خروجهم. (انظر: فاضل الربيعي/ بنو إسرائيل وموسى لم يخرجوا من مصر- ط1 ص20 ).
ولكن اليهودية– كما يراها بعض المؤرخين- دين عربي قديم، من الأديان التي اعتنقتها قبائل العرب في اليمن والحجاز كما اعتنقت بعدها المسيحية ثم الإسلام. ويؤكدون على عروبة موسى وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء الآباء، فـ " هؤلاء من أنبياء وأبطال العرب في طفولتهم البعيدة ، ودينهم من أديان العرب، وكتابهم المقدس من الكتب السماوية التي أضفى عليها القرآن الكريم كل ما يلزم من التبجيل ".( فاضل الربيعي/ حقيقة السبي البابلي- ط2 ص8). ويؤكدون أيضاً على عروبة بني إسرائيل، قائلين:( إن بني إسرائيل شعب عربي– يمني قديم ".( فلسطين المتخيلة - المجلد الأول ص44).
وتُحدثنا الأخبار أن انهيار المملكة الإسرائيلية الموحَّدَة كان قد حدث سنة 605 ق. م نتيجة لسببين، أولاهما: ضغط الحملات الآشورية العسكرية على القبائل العربية اليمنية التي تشن غاراتها على الأراضي الحدودية للدولة الآشورية؛ فتقلقها وتسبب لها ازعاجا كبيراً، ما دفع "سنحاريب " ومن بعده ابنه " آسرحدون" إلى فرض السيطرة على أجزاء واسعة من الجزيرة العربية وتأديب وإخضاع هذه القبائل (الممالك الصغيرة) المتمردة التي تُكوِّن في مجموعها مملكة إسرائيل المتحدة على أرض اليمن. ( انظر فاضل الربيعي/ السبي البابلي – ط2 . وكان هناك سبب آخر لهذا الانهيار هو ضغف شخصية "رحبعام" الذي أعلن نفسه ملكاً على بني إسرائيل بعد أبيه سليمان بن داود ، فبايعه سبطا يهوذا وبنيامين فقط ، بينما العشرة أسباط الأخرى قد أيدت خصمه "يربعام بن ناباط" الذي انشق عن الدولة الموحَّدَة وأعلن نفسه هو الآخر ملكاً على إسرائيل . وتتوالى الأحداث بأن ترسمت مملكتان بعد هذا التمرد والانشقاق: فنشأت مملكة إسرائيل في الشمال (مملكة سبأ) وعاصمتها السامرة، وكان أول ملوكها "يربعام بن نباط" ، التي سقطت بيد الملك الآشوري تغلات بلاسر الثالث سنة 722 ق . م . ومملكة يهوذا في الجنوب (مملكة حِميَر اليهودية) ، وعاصمتها أورشليم ، وكان ملكها "رحبعام" الذي تقلَّص حكمه عليها بعد الانقسام، وقد توالت غارات الطامعين فيها، المؤدبين لملوكها ، ابتداء من " شيشانق" المصري مرورا بـ" سنحاريب " الآشوري حتى سقطت بيد " نبوخذ نصر" الملك البابلي في عهد الملك اليهودي" صِدقيا " سنة 586 ق. م. فقتل الكلدانيون منهم عدداً كبيراً بالسيف ، ونهبوا كل خزائن بيت الرب وخزائن الملك في يهوذا ونقلوها إلى بابل ، وأحرقوا بيت الله، وهدموا سور أورشليم، وأحرقوا جميع قصورها بالنار ، وسبَوْا الذين بقوا منهم إلى بابل، وظلوا في سبيهم إلى أن أصبحت فارس دولة عظمى ذات شأن وهيبة ، فأمر " كورش" ملك فارس بإعادتهم من منفاهم إلى أورشليم" ( انظر أخبار الايام الثاني صح36: 17– 23) . فخسر الملك "صِدقيَّا " كل شيء، وأُلقِي القبض عليه ، وأمر نبوخذنصر بأن يُذبح ابنا صدقيا أمامه، قبل أن تُفقأ عيناه ويُرسل مصفداً مع الذين نجوا من السيف إلى بابل . وظلوا في منفاهم..... إلى أن ملكت فارس وحرَّرَهم الملك الفارسي كورش. (انظر السبي البابلي ، مرجع سابق ص 147 وما بعدها) . تقول رواية التوراة إن الرب غضب من الملك اليهودي صِدقيَّا ، وتركه ينال عقابه بيد نبوخذنصر، لأنه " عمل الشر في عيني الرب إلهه، ولم يتواضع أمام إرميا النبي من فم الرب، وتمرَّد أيضا على الملك نبوخذ نصر الذي حلَّفه بالله ، وصَلَّب عُنقَه، وقوَّى قلبه عن الرجوع إلى الرب إله إسرائيل، حتى إن جميع رؤساء الكهنة والشعب أكثروا الخيانة ، حسب رجاسات الأمم ، ونجَّسوا بيت الرب الذي قدَّسه في أورشليم " . أخبار الأيام الثاني صح 36 : 12 – 14.*
*****
آن لنا– بعد المقدمة التاريخية التي قدمناها للقارئ الكريم- أن نسرد بعض ما جاء على لسان التوراة بخصوص التنافس غير الشريف بين مملكة إسرائيل وبين مملكة يهوذا بعد أن اشتعلت الخصومة بينهما، وتملَّكتهما الأحقاد، وتضخَّمت فيهما العداوة، ما دعا كلاً منهما إلى رجم الأخرى بالنقائص، وقذف أنبيائهم بالموبقات وإلحاق الرجس بهم . والتوراة ملأى بهذه القبائح التي تقوَّلها بنو إسرائيل وبنو يهوذا على أنبيائهم من قبل انفصالهما ونشأة كل منهما . ونبدأ بقصة نوح وهو أول الأنبياء المرسلين السابقين على نبي الله موسى ، حسب ورودها في التوراة بنسختها العربية التي بين أيدينا ) : (1) فسيدنا نوح نبي الله ابتدأ حياته فلاحاً وغرس كَرْماً ، وذات يوم كان في كرْمه يتفقده ، " وشرب من الخمر فسكر، وتعرَّى داخل خبائه. فأبصر حام (أبو كنعان) عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجاً ، فأخذ سام و يافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما الى الوراء ، فلم يُبصرا عورة أبيهما. فلما استيقظ نوح من خمره ، علم ما فعل به ابنه الصغير (حام)، فقال : ملعون كنعان ! عبدَ العبيد يكون لإخوته . وقال: مباركٌ الربُ إله سام . وليكن كنعان عبداً لهم . ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام ، وليكن كنعان عبدا لهم " . تكوين صح 9 : 21 – 27 .
انتهى كلام التوراة، ولنا من بعده ملاحظتان، الأولى: الإساءة إلى سيدنا نوح بأنه سِكِّير، وأن عورته المحرَّمة قد انفضحت للعيون. الثانية: أن هذه القصة المفبركة أنزلت لعنات نوح على حفيده (كنعان) قبل أن يولد، بل قبل أن يتزوج حام أبو كنعان . ولم تبخل علينا التوراة بفضح أكاذيبها، بل زودتنا بأسباب مطامعها في أرض كنعان، واعترافها في هذا الموقع من سِفر التكوين وفي غيره من الأسفار الدينية والتاريخية أن كنعان هو ابن حام بن نوح، وأن لكنعان أولاد، تكاثروا وتناثروا وأصبحوا قبائل يسكنون الأرض التي يملكونها، وبنوا عليها المدن، وزرعوا فيها البساتين والكروم، وأقاموا فيها حضارة تليدة، وأن الأرض تسمَّت باسم أبيهم، فعُرفت بـ " أرض كنعان" . وقد بينت التوراة حدود الأرض وتخومها حين قالت: " وكنعان وَلَدَ صيدون بِكره، وحِثَّا واليبوسي والأموري والجرجاشي والحِوِّي والعَرقي والسِّيني والأروادي والصَّمَاري والحَماتي، وبعد ذلك تفرقت قبائل الكنعاني. وكانت تخوم الكنعاني من صيدون ، حينما تجيء نحو جَرار إلى غزة ، وحينما تجيء نحو سَدوم وعَمورة وأَدمة وصبُوييم إلى لاشع . (تك صح10: 15– 20 . وما كان كل ذلك الافتراء واختلاق الكاذيب إلا لإخراج كنعان بن حام - صاحب الأرض- من رضا نوح وبركته ، ومن رضا الرب الذي يحتكرونه لهم وحدهم ، وأن الرضا والبركة قد استأثر بهما سام بن نوح (دلوعة بابا !) ونسله من بعده أي اليهود. فمن يُغضب اليهود أو من يحاربهم أو من يعاديهم فإنما يغضبون نوح ورب نوح ويناصبونهما العداء، بل إن الرب لينزل ويتقدم الصفوف ويحارب بسيفه أعداءهم. ومن هنا نفهم شعار: احذروا معاداة السامية أو كراهية الساميين؛ لأن السامية حِكر على اليهود وحدهم دون غيرهم .
( وإلى لقاء قادم مع المقالة الثانية من: قبائح بني إسرائيل في توراتهم وقذفهم أنبياءهم الأجلاء) .*
للكاتب الصحفي/عبدالحليم أبوحجاج
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت