بعيداً عن البروباجندا الصارخة التي صاحبت إعلان ترامب لمقتل أبو بكر البغدادي زعيم ما يسمى داعش، والتفاصيل الغريبة التي تحدث بها عن طريقة موته.. بكاؤه وعويله ( وأنا لا أستوعب كيف فجر نفسه بحزام ناسف وكيف كان يبكي ويصرخ كالجبان كما وصفه الرئيس الأمريكي )، فهذه تفاصيل أعتقد أنها لاتهمّ أحداً إلا ترامب نفسه الذي أراد نصراً سياسياً في الداخل والخارج بعد موجة الانتقادات التي طالته من حلفائه ومنافسيه إثر انسحابه من سوريا وتخليه عن الأكراد، ومشاكله التي لاتنتهي مع الكونجرس. المهم أن البطل في هذه الرواية هو المعلومة الاستخباراتية التي قدمها الأكراد / يد أمريكا على الأرض في سوريا / والعراقيون للجيش الأمريكي مما كان له الدور الاكبر في التخلص من الزعيم الارهابي .
ولكن هل يمكن اختصار داعش/ كما فعل ترامب / بقتل البغدادي؟؟ بمعنى هل شكل موته ضربة قاتلة للتنظيم ؟؟
أولا: من المعلوم أنه كلما كان التنظيم أكثر مركزية كلما كان مقتل قادته أكبر تأثيرا. ولاشك أن مقتل البغدادي يعد ضربة كبيرة للدواعش ولكل من بايعه الولاء. فهو الزعيم الذي أنشأ ما يسمى بدولة "الخلافة" وطبع صوره على أوراقها النقدية . ولكن من يعرف قليلاً عن الهيكلية التنظيمية لهذه الجماعات الجهادية وطبيعتها العنكبوتية يعي أن قتل قادتها ليس معناه أبداً قتل الفكرة وبالتالي دحر الجماعة . فهي تعيد تجديد نفسها بصورة متكررة وربما أكثر تشدداً، لأن أبرز ما تتميز به هذه الجماعات هو المرونة والقدرة على التكيف بفقدان شخوصها وأبطالها وملء المربعات الفارغة بسرعة في هرم التنظيم الهلامي . فالبغدادي نفسه هو خليفة أبو مصعب الزرقاوي مؤسس تنظيم القاعدة في العراق !
ثانيا: الجماعات التكفيرية مثل داعش استطاعت وببراعة استغلال التطور التكنولوجي، والتحليق في الفضاء الالكتروني لنشر أفكارها ورؤيتها، الأمر الذي يوفر لها سماء مفتوحة للتمدد عالميا وحرية من الصعب تقنينها والحد منها. ثلاثة أرباع عناصر تنظيم داعش لا يعلمون الا القليل عن الدين الاسلامي وهم من المرتزقة الأجانب من جميع بلاد العالم . والامر بالنسبة اليهم أشبه بالانضمام الى عصابة أو إلى احدى الالعاب الدموية التي تنتشر على الكمبيوتر، فالمسألة اليوم تتجاوز المكان والجغرافيا . وهذا ما يخلق تهديداً نوعيَّا غير مألوف لا يمكن التغاضي عنه ولا يتأثر بموت الزعيم، بل بالعكس يمكن أن يشكل موت القائد فرصة للثأر والانتقام والغضب .
ثالثاً: إن السابق يدعو لسؤال أكثر عمقاً وتفصيلاً . كيف تنمو هذه الجماعات وتزدهر وهل يمكن أن تعيش دون تغطية مالية وسياسية ؟؟ وهنا يجب الاعتراف أن هذه الجماعات أشبه بالفيروس لا تنشأ من فراغ بل تتضافر في تغذيتها عدة مكونات أهمها المساحات الشاسعة من الفوضى والقهر والطائفية في الشرق الأوسط، والتي تنمو نتيجة تحالفات واختلافات في المصالح. أي أنه لولا الدعم المالي والسياسي واللوجيستي من عدد من الانظمة المحلية والقوى العالمية لهذه الجماعات لما استمرت وتمددت بهذه القوة حتى يأتي اليوم الذي ينقلب فيه السحر على الساحر! والأمثلة عديدة والتاريخ شاهد في السعودية ومصر والسودان والجزائر وسوريا..
لطالما كان الدين مفتاحا لشرعنة الحاكم أو لإقصائه. ولذا يتم أحيانا استدعاؤه من جانب السلطة دعماً للنظام. أليس السادات من استحضر الاخوان المسلمين ضد أتباع جمال عبد الناصر وأيديولوجيته. أليست الولايات المتحدة والسعودية من دعمتا الجهاديين في أفغانستان أثناء الحرب الباردة؟؟ ألم توفر بعض الدول الدعم المالي واللوجيستي للجماعات التكفيرية في سوريا ضد نظام الاسد!!
ترامب في مؤتمره الصحفي اختصر داعش في البغدادي لمصلحته السياسية وهو أمر يدعو للتساؤل هل الهدف هو قتل البغدادي فقط أم دحر التنظيم؟ قريباً سنسمع عن تنظيم تكفيري جديد بعقيدة غريبة، أول ما تصيب بجهالة ... الاسلام والمسلمين!
بقلم د. أماني القرم
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت