يزداد الحراك، وتتناقل الأخبار، وتتالى الحوارات، وتعج صفحات التواصل الإجتماعي بنقاشات مكثفة عن إيجابيات، سلبيات، مخاوف، ومحاذير، وإشارات ضمنية، أو، مباشرة، عن عدم الإلتزام في تنفيذ التسليم وعن تأكيد عدم النزاهة، والشفافية، لو حدثت الانتخابات، وكأن معظم الفلسطينيين وجدوا ضالتهم في إمكانية إجراء الانتخابات كمدخل للخروج من الأزمة، أيا كان شكل هذه الانتخابات ومضمونها، متزامنة أو متوالية، للتشريعي، أو، للرئاسة، بالقدس، أو، بدون القدس، وكل ذلك في علم الغيب. يتحرك رئيس لجنة الإنتخابات من رام الله إلى غزة، يعرض، ويحاور، ويفكك، في حيز صلاحياته من متطلبات فنية لعملية التحضير للإنتخابات.
تدلي الاحزاب, والفصائل، بدلوها، وتقدم مواقفها، مطالبها، ومخاوفها، وكل ذلك، هو، في حيز "حراك فلسطيني داخلي"، جيد، ولا غبار عليه. العقبات كثيرة، والأمل معقود على نجاح فكرة الإنتخابات في فلسطين مادام الوضع منذ 13 عاما لم ينجح أحد في الوصول للمصالحة وإنهاء الإنقسام، والكل تقريبا يعرف لماذا!! ، لكنه الأمل. يتخيل الكثيرون بأن إجراء الانتخابات قد يصل لحل أزمة الإنقسام بشكل عكسي هذه المرة، وبدل أن تحدث مصالحة، ثم يتم إجراء الانتخابات، فقد تخيل لهؤلاء أن يقدموا الانتخابات أولا، وبعدها المصالحة ستأتي إستحقاقا، وتلك خطوة قد تكون إبداعية للخروج من الأزمة، وقد تكون مأساوية، وتزداد القطيعة، وقد يترتب عليها إنقسام أكبر يضر بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
هي مقامرة سياسية بالتأكيد، على أي الأحوال، قصد بها الرئيس عباس إشغال الساحة الفلسطينية بموضوع هو في ذاته حيوي يحول الطاقة السلبية المتراكمة في نفوس الفلسطينيين وإشغالهم لفترة من الزمن لتفريغ الإحتقان الذي تظهر أعراض إنفجاره في الضفة وغزة بشكل متلاحق يوميا. أو، أن الرئيس طرحها لقناعته بأن هذا حل يضع الجميع أمام مسؤولياتهم وخاصة حركة حماس، أو، أن إسرائيل والولايات المتحدة والتوابع قد قرروا أن اللعبة إنتهت، وأصدروا أوامرهم لللاعبين على الأرض ليفككوا الأزمة بطريقتهم وإرادتهم هم، وليس بإرادتنا، فإرادتنا منذ زمن ترجمة لإراداتهم، وليس تعبيرا عن إرادة شعبنا الغائب عن شعورهم، وكذلك ما يرسموه للانتخابات وما بعدها.
لكن، ورغم المقامرة والمغامرة التي تلف موضوع الانتخابات، فالظاهر أن الشعب الفلسطيني، وخاصة أهلنا في غزة يريدون حلا، أو يريدون أملا، في تغيير واقعهم المرير ، غير عابئين بالنتائج، وما تخبأه الأيام، ومن وراء هذه الخطوة، لو تم إجراء الإنتخابات. بعيدا عن التشاؤم، أو، التفائل، في إمكانية إجراء الانتخابات، وكذلك التشاؤم أو التفاؤل في نتائجها، وما سيترتب على ذلك، فأنا أرى حالة مزدوجة التناقض في نفوس الفلسطينيين، فهم في حالة رهاب من أي خطوة يخطونها في محاولتهم النهوض تنم عن قهر عميق وإدراك كبير لتفاصيل حالتهم ومعرفتهم الواقعية لما هو على الأرض منذ الانقسام حتى الآن وما يذكرهم ويطرق على عقولهم بشدة، وشجونهم الكامنة مما خبروه من عنف وتجرؤ من بعضهم على بعضهم وصل لسفك الدماء وعمق الكراهية وسوء إدارة الإختلاف، وحذرهم من القادم، وبين أملهم في الخلاص من أزمتهم.
كل ما تقدم هو حالة الفلسطينيين في داخلهم، لكن، الحقيقة التي تنسى في زحمة الاشغال والانشغال، بما يرمى لهم من أفكار للخروج من أزمتهم، أن الأزمة لم تكن، ومازالت، وستستمر لما بعد الانتخابات لو أجريت، ليست فلسطينية الصناعة، والمحددات، والتأثير، وميكانزمات الحركة، وميكانيزمات الحل طبعا، ، بل إن العالم كله متداخل في أزمة الإنقسام الفلسطيني، وبالمناسبة المتداخلون كثر.، قبل، وأثناء، وبعد الإنقسام، ولذلك نقول: إذا أراد المتداخلون حل الأزمة، ورأووا أن الإنتخابات هي مدخلا للحل، فستحدث الانتخابات، وسيهيئون البيئة لذلك عبر شركائهم كل ومن يحتويه، ولا توجعون رؤوسكم في السؤال، هل تحدث الانتخابات؟، أو، لا تحدث، فهذا سؤال ساذج، فلا نحن نقرر كشعب، ولا حتى قياداتنا تقرر، فيما هو يقرر، أو، مقرر، فهذا هو ما يجري، وهو ليس عبثا إذا صدرت الأوامر ... بإختصار شديد جدا، إذا أرادت إسرائيل، والولايات المتحدة، والتوابع، إجراء الانتخابات، فسوف تجري، وما لا، فلا. السؤال الذي ينطلق سريعا وفي الحال، هل ما بدأت به إسرائيل بإغتيال قائد سرايا القدس هو بدأ تحضير البيئة للإنتخابات المزمع عقدها وهو أيضا إرادة دولية. تنعكس على ترتيب البيت الفلسطيني؟؟
د. طلال الشريف
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت