" إنّه من الأفضل ألا نصرخ فرحاً " "تسفي بارئيل" الكاتب والمُحلل في صحيفة "هآرتس" الصهيونية - "يجب أن نتذكر أن هناك منظمة واحدة أوقفت دولة كاملة على رجل واحدة" "اهود حمو" مراسل القناة 12 الصهيونية مدخل العملية الإرهابية المزدوجة التي نَفذتها صواريخ طائرات العدو مع ساعات الفجر الأولى ليوم الثلاثاء 12 تشرين الثاني / نوفمبر إلى منزل القائد العسكري والميداني لسرايا القدس في شمال قطاع غزة (بهاء أبو العطا "أبو سليم") في أحد أحياء مدينة غزة، وإلى منزل عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي والمسؤول الأول عن العمل العسكري والتسليحي للجناح المسلح للحركة "سرايا القدس" (أكرم العجوري " أبو محمد ") في حي "المزة" بمدينة دمشق، جاءت استمرارأ وتنفيذاً لنهج المؤسسة السياسية / العسكرية لحكومة الغزاة المستعمرين، القائمة على توجيه الضربات المتتالية إلى قيادات الأجنحة والكتائب الفدائية في فلسطين المحتلة وجوارها، بهدف إضعافها والتأثير النفسي السلبي على مقاتليها وبيئتها الحاضة، وهو الذي فشل به وسيفشل به دائماّ.
وإذ استطاع العدو إصابة الهدف المطلوب في غزة، لكن الفشل لازمه في تحقيق النجاح بالهدف الثاني، على الرغم من ارتقاء نجله "معاذ" وأحد أفراد الحراسة، شهيدان، مع إصابة عدد من المدنيين بجراح متفاوتة. وجرياً على عادة قيادة العدو العسكرية عند الفشل ، فإنها لم تعلن مسؤوليتها عن قصف المبنى السكني الذي تقيم فيه عائلة "العجوري" في المزة، بينما تسابق قادة العدو، سياسيون وعسكريون وأمنيون، للإعلان عن نجاحهم باغتيال "أبو سليم" الذي شبهه أكثر من متحدث ومحلل استراتيجي صهيوني بـ "القنبلة الموقوتة".
الحدث : الزمان والمكان تعددت القراءات والتحليلات والاستنتاجات لدلالة ومآلات الدوافع والأهداف التي أراد المجرم "نتنياهو" تحقيقها بالعملية الإرهابية الجديدة ، ويمكننا التوقف أمام مايلي : - لم تكن الأهداف الخاصة والشخصية لرئيس حكومة الغزاة المستعمرين، مخفية وبعيدة – إذا لم تكن هي الدافع الأهم للعملية الآن– عن توقيت التنفيذ، لأن التقرير الذي نشرته صحيفة "هآرتس " بعد يومين من عملية استهداف القائد "بهاء أبو العطا"، يؤكد أن خطة الاغتيال تم إعدادها من قبل قيادة الجيش وجهاز الأمن الداخلي "شاباك" قبل عامين، لكن خلافات في سلم الأولويات برزت بينهما بشأن توقيت العملية.
كما أن وزير الحرب السابق المجرم " أفيغدور ليبرمان" كان قد اقترح قبل عام تقريباً إغتيال الشهيد القائد " أبو سليم "، لكن رئيس الحكومة، نتنياهو،رفض ذلك، وهو مايأخذنا إلى الاستنتاج من أن عملية الاغتيال، التي نجحت في الوصول لأحد أهدافها وفشلها في إنجاز الهدف الآخر، مع مايمكن لقيادة العدو بكافة مستوياتها واختصاصاتها أن تتوقعه من رد صاروخي، كانت تلبية وتنفيذاً لقرار الحكومة المصغرة بتأثير ودفع من رئيسها " نتنياهو" بما سيتيح له- وهو، المأزوم والمُربك، داخل المشهد السياسي المتفاعل في كيان المستعمرين بعد فشله في تشكيل الوزارة- الرهان على محاولة جديدة، ليس فقط ،لإفشال تفاهمات "غانتس"رئيس ائتلاف "أزرق- أبيض"مع "أفيغدور ليبرمان" زعيم حزب "اسرائيل بيتنا"، بل، من أجل إعادة تفكيك كل الأسس التي يمكن أن تأتي بحكومة لايكون رئيسها " نتنياهو" مما يعني، ذهابه إلى المحاكمة والسجن بتهم فساد ورشى تتضمنها ملفات أكثر من قضية. كما أنه يتوقع أن يوفر له النجاح الجزئي باغتيال "أبو سليم" بعيداً عن رد فعل السرايا الذي لايغيب عن ذهنه، على تشكيل رأي عام من قوى معسكر اليمين، ليوفر له دعماً للوصول لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع تحالف "أزرق- أبيض".
وعلى وجاهة هذا الرأي وحضوره في الحسابات. - شَكَلَ الإخفاق الواضح في إغتيال القائد "أبو محمد"، والهروب الشكلي من تبني العملية الإرهابية في دمشق، ضربة مباشرة للجهد الاستخباري والأمني لحكومة العدو، لكنه أضاء مجدداً على دور دمشق وقيادتها في توفير المكان وكل أشكال الدعم للقوى الفلسطينية المقاتلة، التي حرصت على نسج تحالفات استراتيجية مع الحكومة السورية في مواجهة جبهة الأعداء بمختلف تسمياتها. إنعكاسات الرد على الاغتيال داخل الكيان / المستعمرة استطاعت الوحدة الصاروخية في سرايا القدس التي نفذت الرد السريع ،الأعنف والأوسع والأكبر، الذي حمل اسم " صيحة الفجر"، في قصف المستعمرات في غلاف غزة وبئر السبع ومدن الساحل والقدس والخضيرة وجنوب تل أبيب ومنطقة المركز بمئات الصواريخ القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى،المجهزة بحشوات تدميرية متعددة من أن تشل الحركة اليومية لحوالي مليون ونصف المليون من المستعمرين، وتدفع بمئات الآلاف إلى الملاجئ ، مع إغلاق مئات المدارس والجامعات–نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن أكثر من مليون تلميذ التزموا بيوتهم– كما توقفت المصانع والمؤسسات عن العمل في مدى 80 كم من حدود قطاع غزة، بالإضافة لوصول العشرات من الجرحى للمشافي نتيجة الإصابات، وحالات الهلع التي سببها سقوط الصواريخ. وهذا ماأشار إليه "عوفر شيلح" عضو كنيست العدو بعد يومين من القصف (إن حركة الجهاد الاسلامي حصلت على صورة النصر عندما شلّت الحركة والعمل في "تل أبيب" واحتجزتنا كرهائن لمدة ثلاثة أيام).
على الرغم من عدم سقوط قتلى في كيان المستعمرين، فإن وصول الصواريخ إلى منطقة المركز والعديد من المدن، دفع بالعديد من المحللين وصُنّاع الرأي لقراءة نتائج عملية الاغتيال بعيون وعقول لاتنسجم مع كل الإدعاءات الرسمية للحكومة والجيش وجهاز الشاباك بتحقيق الانتصار على "الإرهاب" في غزة .
في صحيفة " يديعوت أحرنوت" كتبت شيمريت مائير (إن شيئاً ما قد حدث للتناسبية في الدولة العبرية: كيف يُمكِن اعتبار تصفية قائد الكتيبة في "الجهاد الإسلامي" إنجازاً، في الوقت الذي تسبب في شَلِّ نصف الكيان شللاً كاملاً ) ، مُضيفةً ( في الوقت عينه أصبح من المسموح به إثارة الشك في الحاجة التي دفعت صُنّاع القرار من المُستويين الأمني والسياسي لإدخال دولة كاملة إلى حالة من الطوارئ و"استيعاب" مئات الصواريخ، من أجل إخراج شخصًا ما من الصورة). تفاعلات الحدث في الساحة الفلسطينية والعربية - أعلنت الكتائب والألوية العسكرية للفصائل الفلسطينية، استنفارها ومشاركتها بالمواجهة العسكرية، وأطلق العديد منها رشقات من الصواريخ وقذائف المدفعية والهاونات "المورتر" على المستعمرات، بحسب مايتوفر لديها من قدرات تسليحية. لكن اللافت كان عدم مشاركة كتائب عز الدين القسام بالمواجهة، وبالتالي، انعدام الدور المركزي لغرفة العمليات المشتركة، رغم تأكيد – أمنيات لاأكثر- عدد من قيادات الفصائل والكتائب على دور الغرفة في رسم خطط الرد. هذه الأمنيات بقيت رغبات عند البعض.
فقد غاب ذِكر الغرفة والعمل المشترك الجماعي عن كلام القائد "نخالة " بل كان التركيز المتكرر بحديثه على القرار الخاص والتنفيذ المحدد بقيادة سرايا القدس ومقاتليها بالميدان. - الموقف "الملتبس وحَمَّال الأوجه" لحركة المقاومة الإسلامية وجناحها العسكري، الذي أحاطت به الكثير من التساؤلات، انطلاقاً من عدم مشاركة الكتائب بقصف مستعمرات المحتلين ومدنهم. هذا الموقف الذي يمكن قراءته من خلال الإشارات السياسية التي أرسلتها قيادة الحركة بما يخص : التفاهمات والتهدئة السابقة مع حكومة العدو، والمرونة التي برزت من خلال تراجع الحركة عن الموقف السابق-المتوافق مع بعض القوى- الرافض للانتخابات بشروط قيادة السلطة في رام الله.
كما يبرز هنا مايلقيه عليها عبء قيادة السلطة والمجتمع في قطاع غزة على توفير الأمن الاقتصادي والاجتماعي للشعب- كما يرى البعض- في ظل حصار قاسٍ، وتركيزها على التهدئة، مع الالتزام بالمسيرات السلمية الأسبوعية لفك الحصار. وقد عملت حكومة العدو من خلال إعلامها، على شيطنة حركة الجهاد واعتبارها (منظمة متفلتة من التفاهمات السابقة ومتمردة على حماس وتقوم بتنفيذ مخطط خارجي لمصلحة "إيران وحزب الله") ولم تكتف بذلك، بل، رَكَزَ إعلامها بشكل مباشر ومتتالي على قائد وحدة الصواريخ في شمال القطاع " بهاء أبو العطا " باعتباره "أحد أبرز أسباب التصعيد مع غزّة" منذ الربع الأخير من عام 2018، وبأن " حماس، رغم حذرها في كبح جماح أبو العطا، إلا أنّها في حال قُتل في ظروف عسكريّة فلن تستعجل ذرف الدموع عليه.
كما أن صحافة العدو ضخت بشكل متواتر وعلى مدى أيام معلومات مُفبركة عن " أن التوتّر بين أبو عطا وقيادات "حماس" (كما قيادات في الجهاد) بسبب تبنيه المقاومة العنيفة الرافضة لتوجّهات "حماس" الباحثة عن تسوية سياسية أو هدنة طويلة ". في ظل هذا الأجواء، وخوفاً من أن يتمكن العدو من تهيئة بيئة تُشكك بالمقاومة، وتُركز على شيطنة حركة الجهاد والسرايا ومن وقف معها من الكتائب والألوية في جولة إطلاق الصواريخ الأخيرة، مع الحديث المتكرر والملغوم عن "حكمة حماس وحرصها على التهدئة!" بهدف زرع بذور فتنة داخلية بين حركة حماس وحركة الجهاد.
أمام خطورة ذلك، عقدت قيادات "سرايا القدس وكتائب القسام"، اجتماعاً تشاورياً "خيم عليه جوّ من العتاب المتبادل، لكنه خلص إلى تقييم الجولة واستخلاص العبر على أكثر من صعيد" كما تقول مصادر إعلامية موثوقة واكبت الاجتماع. وعلى هذا الصعيد تحدث القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في غزة "خضر حبيب" قائلاً (المقاومة في غزة جبهة واحدة...و(يجب) تفويت الفرصة على الاحتلال لدقّ أسافين بين الحركتين، وأنه إذا كانت هناك أمور مختلَف عليها فخلال جلسة سنرتب هذه الأمور).
أما قيادة السلطة في رام الله فقد اكتفت بإدانة جريمة الاغتيال الصهيونية. - لم تكن أنظمة التبعية العربية الذاهبة إلى جريمة التطبيع العلني مع كيان الغزاة المستعمرين،غير مهتمة بعمليات التدمير الممنهج والقتل المنظم للبشر والحجر في القطاع الصامد، بل ، جاء صمتها ليؤكد على أنها شريكة بالجريمة التي يتعرض لها الشعب العربي الفلسطيني. وفي هذا المجال يُسجل لعدد من الحكومات العربية الوطنية مواقفها المنددة بالعدوان على القطاع ودعمها للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقة باسترداد وطنه وبالحياة الحرة فوق ترابه. نتائج الجولة القتالية الأخيرة - أعادت التأكيد على أن حركة الجهاد الأسلامي وجناحها العسكري سرايا القدس، تمتلك الموقف الوطني، الثوري والجذري، كما الجاهزية القتالية والخبرة الميدانية والالتزام التنظيمي ، قواعداً وكوادر، بما تقرره القيادة. وقد أكد على ذلك كله، الأمين العام في حديثه الإعلامي، مشيراً في مجال القدرة العسكرية (بأننا أقوى بالخبرة والإمكانيات والأداء، وأن كل عملنا كان على المستوى المنخفض جداً جداً من حيث أدائنا العسكري العام). - بعد أكثر من 40 ساعة من القصف المركز الذي نفذته سرايا القدس بشكل أساسي في عمق الوطن المحتل، سارعت حكومة العدو للطلب من مصر والاتحاد الروسي والأمم المتحدة التدخل من حركة الجهاد الإسلامي لوقف إطلاق الصواريخ.
وكانت الحركة على لسان أمينها العام في حديثه التلفزيوني المشار إليه سابقاً قد حددت موافقتها على وقف القصف في حال التزم العدو بالشروط الثلاث التالية " وقف الاغتيالات، ووقف استهداف المدنيين خلال فعاليات مسيرات العودة الأسبوعية في غزة، والالتزام بالتفاهمات الأخيرة في القاهرة التي تتعلق بإجراءات كسر الحصار عن قطاع غزة" .وقد جاءت موافقة حكومة العدو على تلك الشروط وبالضمانات المصرية فيما يخص تخفيف الحصار البري، لتعلن عن بدء وقف إطلاق النار من الطرفين. من المؤكد، كما يُعلمنا تاريخ الصراع بين المقاومة والمحتل في وطننا، ومن خلال المحطات السابقة في "التفاهمات والتهدئة" فإن مانحن بصدده خلال الفترة المقبلة التي يمكن أن تكون أياماً أو أسابيعاً أو سنة، هي"استراحة محارب" بين معركة وأخرى.
لأن سجل العدو في عدم الالتزام، تتحكم به، أيديولوجيا ومفاهيم فاشية تتم ترجمتها بخطة سياسية وعسكرية، تقوم على الاغتيال وقتل المدنيين وتدمير بيوت وأشجار الفلسطينيين من أجل دفع الشعب وقواه إلى الاستسلام والخضوع التام للعدو. لكن تاريخ الصراع وتنامي المقاومة في مواجهة الغزاة المحتلين، دليل على تمسك هذا الشعب بقضيته التحررية وبالمقاومة رغم فداحة الخسائر. خاتمة أكدت وقائع ونتائج الجولة الأخيرة أن استهداف القيادات الفدائية العسكرية، وقتل المدنيين في مسيرات العودة ، وإعدام الرجال والنساء في القدس والضفة المحتلتين تحت ذرائع كاذبة، يتطلب رداً وطنياً موحداً، يمكن تحقيقه من خلال غرفة العمليات المشتركة التي ترتبط بإطار قيادي جماعي من قوى المقاومة المسلحة ، يعمل على قيادة الوضع ليس في جولات المواجهات المسلحة ، بل في قيادة المجتمع في فترات الهدوء بين المعارك.
على الرغم من ارتقاء 34 شهيداً وشهيدة و111 جريحاً وجريحة من المقاتلين والمدنيين. فإن الشعب الفلسطيني الذي جدد التزامه بالمقاومة، كما ظهر أثناء تشييع جثمان الشهيد القائد" أبو سليم" في غزة، وجثمان الشهيد "معاذ العجوري" في دمشق، ومشاهدة آلاف المشاركين في بيوت العزاء التي أُقيمت في قطاع غزة ودمشق وبيروت، يؤكد أن البيئة الحاضنة للمقاومة المسلحة، مازالت هي السياج الحامي للنهج الوطني الثوري، وهي القادرة على رفد الكتائب والألوية المقاتلة بآلاف المقاتلين من أجل تحرير فلسطين ، كل فلسطين.
محمد العبد الله* -
* كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت