اثنان وسبعون عاماً على التقسيم ، القرار ١٨١ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ ١٩٤٧/١١/٢٩ الذي قسّم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ووضع القدس تحت الوصاية الدولية ، هذا القرار الذي أعطى العرب دولة مساحتها ( ١١٠٠٠كم٢) أي ما يعادل ٤٠،٧ % من مساحة فلسطين ، بينما أعطى اليهود دولة مساحتها (١٥٠٠٠كم٢) أي ما يعادل ٥٥،٥ % من مساحة فلسطين ، وأما القدس وبيت لحم البالغة مساحتها نحو (١٠٠٠كم٢) أي ما يعادل ٣،٧ % من مساحة فلسطين فقد وضعها تحت الوصاية الدولية . لقد كان قرار التقسيم قراراً جائراً بحق العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين ، وقد بررت لجنة بيل البريطانية التي اقترحت هذا التقسيم في تقريرها بتاريه ١٩٣٧/٧/٧ بأن التقسيم سيعود بفوائد عديدة على كل من العرب واليهود ، حيث يحصل العرب على استقلالهم القومي ، ويزول تخوفهم من الخضوع لحكم يهودي ، كما أن دولتهم ستتلقى إعانة مالية من الدولة اليهودية ومساعدة من الخزينة البريطانية ، على حين أن اليهود سيحصلون على وطنهم القومي ويتحررون من الخضوع للحكم العربي ويتم تأمين المزيد من هجرة يهود العالم إلى دولتهم .
والذي دفع بلجنة بيل لاقتراح التقسيم بأنه ليس من غير المعقول أن تضحي بريطانيا باربعمائة ألف يهودي وتسلمهم للعرب ، كما لا يمكن تسليم مليون عربي إلى اليهود . وقد دفعت بريطانيا باقتراح لجنة بيل كمشروع للتقسيم قدمته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة مدعية أنها تسعى لإتمام جلائها عن فلسطين في الأول من آب عام ١٩٤٨ ومطالبة جميع أعضاء الأمم المتحدة بتبني مشروع التقسيم ، وعند طرح المشروع للتصويت امتنعت بريطانيا عن التصويت رغم أنها هي صاحبة المشروع والدولة المنتدبة على فلسطين ، ومن مفارقات التصويت أن الاتحاد السوفيتي بكل إيديولوجيتة الشيوعية وافق على تقسيم فلسطين وانقاص حق شعبها فيها ، حيث كانت نتيجة التصويت : ٣٣ مع التقسيم - ١٣ ضد التقسيم - ١٠ امتناع عن التصويت . رفض العرب والفلسطينيون قرار التقسيم لأنه اعتداء صارخ على حقوق الشعب الفلسطيني، بينما قبل اليهود هذا القرار الذي منحهم حقاً شرعياً دولياً باقامة وطنهم القومي في فلسطين، ولقد أدى هذا القرار وبعد إعلان قيام دولة ( اسرائيل ) مساء ١٤ أيار ١٩٤٨ إلى نشوب حرب عام ١٩٤٨ الذي انهزم فيها العرب أمام العصابات الصهيونية المدججة بكافة صنوف الأسلحة ، مما أدى إلى استيلاء اليهود على نحو ٧٨% من مساحة فلسطين أي بزيادة ٢٣% مما أعطاها أياها قرار التقسيم ، وأصبح الخط الفاصل بين اليهود والعرب يعرف بخط الهدنة .
لم يكتفِ اليهود باحتلال الأراضي الفلسطينية، بل راحوا يعززون وجودهم بارساء مؤسسات الدولة اليهودية و بمزيد من هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة ، بينما تم هدم أكثر من ٥٠٠ قرية وبلدة فلسطينية وطرد أكثر من ٧٥٠٠٠٠ فلسطيني ليصبحوا لاجئين في الدول العربية المجاورة وفيما أصبح يعرف بالضفة الغربية و قطاع غزة . بكل أسف لم يكن لدى الفلسطينيين قيادة تواجه مخططات الصهاينة ، فانكفأوا على ذاتهم بعد أن وجدوا أنفسهم بلا أرض وبلا مستقبل ، فلم يفكروا بالواقع الجديد الذي نتج عن حرب ١٩٤٨ ، ففي حين راح اليهود يبنون دولتهم ، لم يفكر الفلسطينيون ببناء دولتهم على ما تبقى لهم من أرضهم ، وهذا خطأ استراتيجي ارتكبه الفلسطينيون والعرب ، ووقعوا تحت وطأة إما فلسطين كلها أو لا لأي مشروع آخر ، حيث لم يفرق الفلسطينيون بين رفضهم لقرار التقسيم وبين وجوب تعاملهم مع الواقع الذي فرض نفسه ، فضاع منهم حق تقرير مصيرهم فوق أرضهم آنذاك ، رغم أنهم شكلوا حكومة عموم فلسطين التي لم تمارس أي شكل من أشكال السيادة على ما تبقى من أرض فلسطين ، فبدل أن تخضع مساحة ال ٢٢% من أرض فلسطين لإدارة فلسطينية ، فقد ألحقت الضفة الغربية بالأردن لتصبح جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية ، على حين خضع قطاع غزة للإدارة المصرية .
وها نحن الشعب الفلسطيني اليوم وبعد أن تم احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام ١٩٦٧ ، وبعد أن أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لكل شعبنا العربي الفلسطيني، أخذنا نفكر جديا بالخطأ الاستراتيجي الذي وقعنا فيه بعد حرب ١٩٤٨ فطرحنا مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس ، كما تم التعاطي مع حل الدولتين ، حيث أصبح حل الدولتين بعيد المنال كما هو مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك بعد أن أصيبت الأرض الفلسطينية بسرطان الاستيطان ، هذا الاستيطان الذي تمت شرعنته من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، والذي يشكل عائقاً أمام اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة رغم قبول دولة فلسطين عضوا مراقباً في الأمم المتحدة .
وإذا كان يوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني قد حولته الأمم المتحدة من ذكرى التقسيم إلى يوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه كيف يتم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني بعيداً عن الأخذ بأسباب هذا التضامن .
إنّ أي تضامن دولي مع الشعب الفلسطيني في ذكرى التقسيم يتطلب من المجتمع الدولي المتمثل بالأمم المتحدة تصويب القرارات الأممية التي أضرت بمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني فوق أرضه ، ومنها وفي مقدمتها قرار التقسيم الجائر الذي منح الغزاة الصهاينة حق اقامة دولة لهم على أرض فلسطين دون أي مسوغ سياسي وقانوني وشرعي ، فهيئة الأمم المتحدة التي تشكلت وأقيمت من أجل المحافظة على السلم والأمن العالمي نراها بقرار التقسيم قد جعلت من أرض فلسطين مكاناً لتهديد السلم والأمن العالمي ، فلا تضامن دولي حقيقي مع شعبنا الفلسطيني إلا بقرار أممي يبطل قرار التقسيم ويعيد لفلسطين وحدتها الجغرافية والسياسية.
وفي ذكرى التقسيم على الكل الفلسطيني أن يعيد قراءة الخارطة السياسية منذ عام ١٩٤٨ ويدرك جيداً بأن أي انقسام فلسطيني مهما كانت أسبابه ومسبباته لا يخدم سوى المشروع الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين ، وإن المسؤولية التاريخية تتطلب من الجميع الجلوس على طاولة فلسطينية لاجراء محادثات فلسطينية بلغة فلسطينية من أجل تحقيق أهداف فلسطينية ، مستفيدين من خطأنا الاستراتيجي بعدم التعامل مع نتائج قرار التقسيم على الأرض ، وأن ندرك أننا قد دفعنا أثماناً باهظة في اطلاق شعارات أكبر من انجازها لأننا لا نملك إرادة وأدوات ووسائل ترجمتها إلى واقع ملموس على الأرض .
حمص في ٢٠١٩/١١/٢٩ صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت