ما تعرضت له فلسطين الأرض والشعب على مدى قرن كامل من الزمن يفوق طاقة دول وشعوب كبرى، أثبت خلاله الشعب الفلسطيني قدرة فائقة على الإستمرار في التمسك بحقوقه الوطنية والقومية، وبقدرته في الحفاظ على الذات، وعلى هويته المستندة إلى إرثه الثقافي والتاريخي والديني، والتي شكلت العقبة الكأداء أمام نجاح المشروع الصهيوني في إبتلاع فلسطين، وتبديد الشعب الفلسطيني وتذويبه في الفضاء الخارجي لجغرافيا فلسطين.
مارس الشعب الفلسطيني ولا زال كافة أشكال النضال والمقاومة، في مواجهة مخططات التصفية والطمس لقضيته في كافة مراحلها، اليوم في زمن التيه والتشظي والضعف العربي، وإنشغاله بقضايا شتى، أشعلتها الحروب المفروضة عليه، وتكالبت فيها القوى الدولية والإقليمية عليه، يجد الكيان الصهيوني فرصة ذهبية أن يكون شريكا مع هذه القوى في إقتسام الغنائم والهيمنة والنفوذ، والدخول معها في توافقات وتفاهمات بعضها ظاهر وبعضها مستتر، هادفاً من وراءها إنهاء القضية الفلسطينية، والتخلص من أعباءها، بأقل التكاليف الممكنة. من هنا تأتي سياسة الاحتلال القائمة على خلق التباين وترسيخ الإنقسام بين قطاع غزة والقدس وباقي الضفة الغربية، لتقويض وحدة الشعب الفلسطيني، والدفع بقطاع غزة بإتجاه مصر، أو إحداث كيان منفصل فيه، مستغلاً رغبة الإخوان المسلمين وذراعهم حركة حماس في هذا الشأن، وتقليص صلاحية السلطة الفلسطينية وإضعافها، وإعادة العجلة السياسية إلى الوراء في التعامل المباشر للإحتلال مع سكان الضفة الغربية وضم القدس والمستوطنات وحتى الأغوار الفلسطينية، كل ذلك من أجل الهروب من الإستحقاقات الوطنية الفلسطينية، في حدها الأدنى بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م بما فيها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، هذه الأهداف ليست غريبة على الإحتلال الإسرائيلي، ولكن الغرابة أن تجد هذه الخطط توافقاً من بعض أطراف إقليمية ودولية، تحت ذرائع شتى تتذرع بها، قد أسقطت فيها البعد الوطني والقومي للقضية الفلسطينية وتعيد الصراع إلى المربع الأول. لكن التجربة الطويلة للشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية تمثل مخزوناً لا ينضب في القدرة على مواجهة هذه التحديات والحفاظ على الذات وعلى القضية الفلسطينية وثوابتها بشقيها الأرض والشعب وبأبعادها العربية والإقليمية والدولية، ستبقى قضية فلسطين، عصية على الطمس والتذويب، مهما علا الضجيج من النشاز من المواقف والأصوات، المنبعثة من المتآمرين على وحدة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة في وطنه، فهي الضحية التي لن تموت.
المطلوب من الشعب الفلسطيني وقواه المختلفة أن يضع حداً لحالة التشظي والإنقسام التي إستنزفت جهوده، وفتحت المجال للقوى الإقليمية والدولية ولأصحاب الأجندات الخاصة للعبث في مصيره. يجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا زالت وستبقى قضية أمن وطني وقومي لجميع الدول العربية، ورفض التعامل مع القضية الفلسطينية بالقطعة، لابد من بقاء الإلتزام العربي بالقضية الفلسطينية إلتزاماً يستند إلى رؤيا وطنية وقومية شاملة، تهدف إلى تحقيق الحقوق القومية والوطنية للشعب الفلسطيني في إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ورفض التعامل مع هذا المخطط التصفوي للقضية الفلسطينية ورفض الفصل بين ما يجري في بعض الدول العربية وما يجري في فلسطين، لقد بات الجميع في دائرة الإستهداف الدولي والإقليمي والكيان الصهيوني جزء من هذه القوى الطامعة في إقتسام الغنائم والنفوذ والهيمنة في عالمنا العربي. وستبقى فلسطين أقوى من المستحيل ..!!
د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
E-mail: pcommety @ hotmail.com الرياض 11/12/2019م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت