يتصدر ملف إجراء أول انتخابات عامة للفلسطينيين منذ 13 عاما المشهد بعد أسابيع من المباحثات المكثفة وصلت ذروتها بشأن مكانة القدس الشرقية من العملية الديمقراطية الفلسطينية.
ويقول مراقبون لوكالة أنباء "شينخوا"، إن مسألة الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية "أصبحت تكتسب أبعادا سياسية بامتياز" سواء في العلاقة مع إسرائيل أو داخليا.
وأضاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع للمجلس الثوري لحركة فتح التي يتزعمها عباس إن الانتخابات "تهمنا جدا لاستكمال مؤسساتنا التشريعية ويجب أن تجري في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة".
ويرى المراقبون أن عباس يريد تصدير مسألة إجراء الانتخابات بمشاركة 400 ألف فلسطيني يقطنون في المدينة بهدف التحدي السياسي أمام اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بها عاصمة لإسرائيل نهاية عام 2017.
إذ أن إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس يخدم أهدافا سياسية تريد القيادة الفلسطينية تحقيقها بحسب الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم.
ويقول سويلم أن إجراء الانتخابات في القدس من شأنها "التأكيد على وحدة الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وهي التي ستجسد وحدة الجغرافيا الوطنية إضافة إلى وحدتها السياسية".
ويضيف أن الفلسطينيين يكافحون أمام خطر إنهاء وحدة التمثيل الشرعي لهم ضمن الخطة الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المعروفة باسم (صفقة القرن).
وأطلق عباس مبادرته بشأن إجراء الانتخابات لأول مرة علنا في كلمته أمام الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 26 سبتمبر الماضي.
ثم بعد 10 أيام تقريبا كلف رئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية حنا ناصر ببدء التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والاتفاق على ذلك مع الفصائل.
وأجرى ناصر لنحو شهرين مباحثات متنقلا بين رام الله وغزة للاتفاق بين الأطراف المعنية على إجراء انتخابات تشريعية يتبعها بعد ذلك بثلاثة أشهر انتخابات رئاسية.
وفي التاسع من الشهر الجاري وجه ناصر كتابا إلى عباس يبلغه فيه بموافقة الفصائل على إجراء الانتخابات العامة.
وعقب ذلك أعلن مسئولون في السلطة الفلسطينية أنها طلبت رسميا من إسرائيل السماح لسكان الجزء الشرقي من القدس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية ترشحا وانتخابا، لكنها لم تتلق ردا حتى الآن.
وأجريت أول انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية قد جرت عام 1996، اما الانتخابات الرئاسية الثانية فجرت عام 2005 إثر رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في حين جرت الانتخابات التشريعية الثانية في العام 2006.
وفي كافة هذه الانتخابات شارك الفلسطينيون فيها في كل من الضفة الغربية - بما فيها القدس الشرقية - وقطاع غزة وهي المناطق المدعومة دوليا ضمن حل الدولتين لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.
ويقول المحلل السياسي هاني حبيب إن "إشارات يجب أن تؤخذ بالاعتبار، حول مدى استجابة الاحتلال لعقد الانتخابات في القدس الشرقية هذه المرة، كما في المرات السابقة".
وينبه خصوصا إلى "القرار الأمريكي حول اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل" وهو ما قابلته السلطة الفلسطينية منذ ذلك الوقت بقطع اتصالاتها مع واشنطن.
كما أن شكوى السلطة الفلسطينية في الأشهر الأخيرة من حملة إسرائيل بإغلاق مؤسساتها في شرق القدس وتقييد حركة المسئولين منها يزيد الرهان على ملف الانتخابات.
وبحسب لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية فإن عدد الفلسطينيين الذين يحق لهم الانتخاب في القدس يبلغ 75401 ناخب.
ويرى حبيب أن إسرائيل التي ستنظم انتخابات ثالثة خلال 11 شهر في مارس المقبل لا يمكن لحكومة انتقالية فيها أن تتخذ قراراً بالموافقة على عقد الانتخابات الفلسطينية في مدينة القدس.
ويضيف أن "قرارا إيجابيا من إسرائيل من شأنه أن يضعف حظوظ رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وأحزاب اليمين قبل الانتخابات الإسرائيلية".
وكرر المسئولون الفلسطينيون في اجتماعاتهم مع الوفود الدولية ضرورة تدخل الدول خاصة الاتحاد الأوروبي للضغط على إسرائيل من أجل إجراء الانتخابات الفلسطينية.
وأظهرت تقديرات سياسية أن انتزاع مثل هذه الموافقة ستعزز من قوة حركة فتح وعودة تأثير اتفاق أوسلو على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي في ظل تعثر محادثات السلام بينهما منذ 2014.
لكن في المقابل فإن إصدار المرسوم الرئاسي بشأن الانتخابات أصبح مطلبا داخليا من عباس وحركة فتح والدفع بعدم انتظار الموقف الإسرائيلي خصوصا من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة.
وأعلنت حماس في بيان " لا انتخابات بدون القدس، وهذا حق وموقف وطني ثابت لا تنازل عنه، وأن فرض إجرائها في المدينة يجب أن يكون معركتنا جميعا".
ويقول الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو إن المواطن الفلسطيني "لا زال يشعر بشكل عميق أن الانتخابات لن تحدث لسبب موضوعي في ظل مضي سنوات طويلة على هجرة صناديق الاقتراع".
ويعتبر عمرو في فيديو نشره على صفحته في (الفيس بوك) أن "تبرير عدم إجراء الانتخابات هو تبرير يستخدم لاستمرار تعطيلها وعدم التجدد بالحياة السياسية".
ويقول "لا يمكن استمرار عدم وجود رقيب على السلطة الفلسطينية التي تحكم وتنفق وتفاوض دون وجود مجلس تشريعي منتخب يراقب ومؤسسات منتخبة تعمل بصيغة جماعية".
ويضيف أن " الانتخابات ترمم نظام سياسي متآكل في الساحة الفلسطينية وتفتح باب المشاركة للجميع وفرض صناديق الاقتراع بشكل قانوني ودوري".