إن مفهوم الشراكة الوطنية لم يكن مفهوماً حديثاً ابتدعته الظروف الفلسطينة الجديدة وطبيعة التنوع وتعدد المكونات الفلسطينية ومحاولة احتوائها واستيعابها، فمفهوم الشراكة اول من طرحه الشهيد البطل القائد ياسر عرفات في بدايات تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية منذ ما يقارب 25 عاما وكرر طرحه في كل الجلسات واللقاءات الوطنية كقناعة اكيدة منه في احترام المكونات الاخرى في الوطن الفلسطيني.
لقد نادت بعض المكونات الوطنية والسياسية الفلسطينية بمبدأ الشراكة الوطنية وبات من أولويات عمل الساسة الفلسطينيون إلا انه على ما يبدو بات حبرا على وروق أو شعارات تردد بين فينة وأخرى لإسكات الجماهير التي صارت تزداد استياء مع مرور الزمن من الأوضاع والأزمات التي يمر بها الوطن و التي صارت تتفاقم وتزداد خطورة.
ان خيار الشراكة الوطنية هو وصفة علاجية لازمة كبيرة وعميقة يمر بها الوطن الفلسطيني بحق وحقيقة وهي في الاساس ازمة حكم بكل ما تعنيه هذه المفردة من معان، وعلى ذلك فإن الشراكة الوطنية تمثل خيارا وطنيا لا بد منه للخروج من الأزمات المستعصية في الوطن الفلسطيني وإنقاذ ما يمكن إنقاذه للحفاظ على المشروع الوطني والإنجازات الوطنية التي عمدت بالدم، بل ان الشراكة الوطنية تمثل نمط من انماط الديمقراطية الذي يستند الى التوافق والتراضي، وغالبا ما تلجأ الدول والبلدان التي تتبنى نظاما ديمقراطيا فتيا الى الشراكة تلافيا للازمات والكوارث والنزاعات والتي تصاحب عادة التحولات والتغيرات، وهي ازمات حتمية الحدوث وتتطلب قدرا كبيرا من الصبر والمرونه في التعامل معها كونها من الخطورة بمكان ان تهدد المشروع الوطني برمته، غير ان الشراكة هي الاخرى تستلزم شروطا وفضاءات وطنية يلتقي عندها الشركاء الوطنيون ويقع في مقدمة شروط الشراكة الايمان بالمشروع الوطني والتفاني في صيانته والمضي في ترسيخه وتوفير اسس تطبيقه من خلال انبثاق حكومة شراكة وطنية حقيقية تأخذ بزمام الازمات والمشاكل نحو الحلول الناجعة.
ان من اهم شروط الشراكة الوطنية استعداد كل الاطراف سواء مؤيدون أو معارضون على تبني الحوار بوصفه الوسيلة الوحيدة لوضع اسس الشراكة والاستحقاقات المترتبة عليها وذلك من خلال تبني اطروحة طاولة الحوار المستديرة والتي تلبي حاجات الشركاء النفسية والموضوعية وتضعهم وجها لوجه امام ازمات وطنهم وما يحتاجه في المرحلة الراهنة ومن ثم اذعان الجميع لمتطلبات انضاج وصيانة المشروع الوطني بوصفه يحقق مصالح الوطن الفلسطيني العليا ويصونه من تقسيم ترابه الوطني ويضمن استقلاله المنجز ويمهد الطريق الى النظام الديمقراطي الرشيد والحقيقي والذي من شأنه ان يحقق العدالة ويضع المؤسسات الدستورية موضع التطبيق كما هو الحال في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة.
ان الشراكة تتطلب ايمان منقطع بالمشروع الوطني وتبني وسيلة الحوار كوسيلة وحيدة للخروج من الازمات وبدون هذين العاملين تبقى الازمات والجمود الوطني آفة ملازمة للعملية السياسية الفلسطينية، غير ان الشراكة تمثل في حقيقة الامر وصفة لعلاج امراض مؤقتة، ولن تكون بديلة عن النهج الديمقراطي المؤسساتي الذي يتطلع اليه الشعب الفلسطيني بعد أعوام طويلة من وجود الإنقسام والتشرذم. ان المشروع الوطني يمثل المضمار الرئيسي لكل القوى والفصائل والأحزاب السياسية والإسلامية والوطنية التي اثبتت حضورها التاريخي في العمل الوطني وساهمت بقدر كبير ومؤثر في العملية السياسية وشكلت قوة لا يستهان بها بدفع وتسريع التحولات الوطنية فالشراكة الشاملة تعني فيما تعنيه الشراكة المتضامنة والمخلصة في المشروع الوطني بوصفه من الثوابت الوطنية التي يتعين التحلي بها لاثبات نزاهة اية حكومة اليوم او غدا.
إذا فلابد للجميع ان يعلم إن سياسة الحوار واحترام الرأي الآخر وعدم إقصاء وتهميش إي جانب له مردوده الايجابي في الخروج بصيغ توافقية تخدم مبدأ الشراكة الوطنية، والخلاصة إن ما ندعو اليه إنما يعبر عن بعد ثابت وحقيقي لمجريات الأمور في المشهد السياسي الفلسطيني وهو خطوة جريئة لكل من ينشد المصلحة الوطنية التي ما أن تتحقق حتى يبدأ في فلسطين عصر جديد من الثوابت التي من خلالها يمكن ان تنشأ حكومة وطنية قادرة على القيام بمهامها على احسن وجه وهذا هو بطبيعة الحال ما ينادي به الجميع.
وحينما نقول ان مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية هو الخيار الافضل والانجع لنجاح العملية السياسية في الوطن، ولمعالجة كم كبير من المشاكل والعقد والازمات، وحينما ندعو جميع الشركاء السياسيين الى تبني هذا المبدأ والتعاطي معه كواحد من اهم وابرز الثوابت السياسية، فأن ذلك كله ينطلق من رؤية شمولية وواسعة لطبيعة الواقع السياسي الفلسطيني وما يرتبط من حقائق ومعطيات لا يمكن بأي حال من الاحوال نكرانها او التغافل عنها او تجاوزها.
وحينما نقول ونؤكد ان الشراكة الوطنية الحقيقية تعد المدخل الاساسي والصحيح للنجاح ولتحقيق الكثير من طموحات وتطلعات ابناء الشعب الفلسطيني بعد عقود من الظلم والاستبداد والقهر والحرمان، ولأن الشراكة الوطنية الحقيقية تفضي الى بناء الثقة بين مختلف الكتل والمكونات السياسية، وبالتالي تعزز الثقة واالتعايش السلمي بين مختلف المكونات الاجتماعية للشعب الفلسطيني، وهذا يمثل خطوة مهمة لتحقيق الاستقرار السياسي في الوطن، اذ ان هذا الاخير يتحقق ويتعزز اكثر فأكثر متى ما وجدت مختلف الفصائل والفوى والكتل والمكونات ان لها حضورا ودورا فعليا وحقيقيا في ادارة وتسيير شؤون الوطن بمختلف مفاصله وبعيدا عن الاضطراب والتشنج والاحتقان السياسي والذي يفتح الباب واسعا لشتى مظاهر العنف والارهاب في مختلف انحاء الوطن، وحينما سيتحقق الاستقرار السياسي وسيتحسن الوضع الامني والذي من شأنه ان يوفر الظروف الملائمة لتحريك عجلة البناء والاعمار والاقتصاد، وبالتالي خلق المزيد من فرص النهوض في مختلف الجوانب والمجالات، وهو ما يعني تقليل معدلات البطالة، وتحسين الاوضاع الحياتية والمعيشية لعموم ابناء المجتمع الفلسطيني، وغيرها من المظاهر والظواهر الايجابية.
هذه هي المسارات الصحيحة والصائبة لتحقيق النجاح، وكل خطوة تتحقق تمهد الطريق الى الاخرى، ومن ثم توصل الى النتائج المرجوة. آخر الكلام: ما نريد قوله ان الشعب المغلوب على امره قد تيقن من عدة اشياء اولها عندما يريد السياسي أو صاحب القرار ان يخلط الاوراق على المستوى الوطني فلسبب معين وهو ان يجعل الشارع يتكلم بالأزمة وينسى الخدمات، وهو ما يعتمد عليه بعض الساسة الفاشلين على مستوى الخدمات وناجحين على مستوى الازمات، فعندنا السياسي وعندنا السياسية للأسف الشديد هي فن خلق الازمات وفن التلكؤ في تقديم الخدمات.
بقلم/ رامي الغف*
*اعلامي وباحث سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت