يودع الفلسطينيون عام 2019 بالكثير من المشاعر المتناقضة مع أمل أن يشهد العام الجديد انفراجة على صعيد وضعهم الداخلي أو تعزيز موقفهم في مواجهة إسرائيل.
فعلي الصعيد الداخلي سعى الفلسطينيون خلال الربع الأخير من عام 2019 لإجراء أول انتخابات عامة بعد انقطاع منذ عام 2006 لكن ذلك ظل مرتبطا بموافقة إسرائيل على تنظيمها في الجزء الشرقي من القدس.
ومع استمرار تعثر عملية السلام مع إسرائيل، حصل الفلسطينيون على دفعة بإعلان المحكمة الجنائية الدولية عزمها فتح تحقيق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية بعد تحقيق أولي استمر أكثر من أربعة أعوام.
استمرار الانقسام
لم يحمل عام 2019 جديدا على صعيد استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ منتصف عام 2007 على إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة بالقوة.
وفشلت عدة تفاهمات أغلبها برعاية عربية على مدار الأعوام الأخيرة في حل الخلافات بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحماس.
وظل الفلسطينيون ينشدون المصالحة الداخلية لكن دون جدوى، ولم تعقد لقاءات رسمية بين الفرقاء السياسيين باستثناء اجتماعات مشتركة للفصائل جرت في العاصمة الروسية موسكو في 11 فبراير الماضي.
لكن لم تفض اجتماعات موسكو التي عقدت على مدار عدة أيام سوى إنجاز المزيد من الصور التذكارية من دون أي تقدم في إنهاء الانقسام.
وبعد ستة أعوام من وجود حكومة الوفاق الوطني برئاسة الأكاديمي المستقل رامي الحمد الله التي تم إعلانها بموجب تفاهمات للمصالحة في أبريل عام 2014، تم إعلان استقالة الحكومة في 29 يناير الماضي.
ولاحقا تم تكليف عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير (فتح) محمد اشتية بتشكيل حكومة جديدة ضمت عددا من فصائل منظمة التحرير وشخصيات مستقلة.
وقوبلت حكومة اشتية بانتقادات واسعة من حركة حماس وفصائل أخرى اعتبرت أن ذلك يعزز الانقسام الداخلي.
وفي 23 سبتمبر الماضي طرحت ثمانية فصائل فلسطينية ما أسمتها "المبادرة الوطنية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام"، لكنها لم تحظ بتفاعل واهتمام المستوى السياسي الرسمي.
التوجه للانتخابات أخيرا
في 26 سبتمبر الماضي طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرته بالدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية تتلوها انتخابات رئاسية.
وعلى مدار أسابيع بعد ذلك ظل رئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية حنا ناصر يتنقل بين قطاع غزة والضفة الغربية في سبيل الحصول على موافقة الفصائل على إجراء الانتخابات.
وفي 27 نوفمبر أعلنت حماس رسميا موافقتها على إجراء الانتخابات بعد موافقة بقية الفصائل (باستثناء حركة الجهاد الإسلامي التي تقاطع الانتخابات) على ذلك وتوقيعها على رسائل رسمية بحسب ما طلب عباس.
إلا أن تحديد موعد رسمي للانتخابات لم يخرج إلى النور حتى الآن، بعد أن أعلن عباس أنه لن يصدر المرسوم الخاص بذلك من دون موافقة إسرائيل على تنظيم الانتخابات في شرق القدس.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن عباس يريد تصدير مسألة إجراء الانتخابات بمشاركة 400 ألف فلسطيني يقطنون في المدينة كتحد سياسي أمام اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بها عاصمة لإسرائيل نهاية عام 2017.
وأجريت أول انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية عام 1996 ، أما الانتخابات الرئاسية الثانية فجرت عام 2005 إثر رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في حين جرت الانتخابات التشريعية الثانية في عام 2006.
وفي كافة هذه الانتخابات شارك الفلسطينيون فيها في كل من الضفة الغربية - بما فيها القدس الشرقية - وقطاع غزة وهي المناطق المدعومة دوليا ضمن حل الدولتين لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.
غياب أفق السلام مع إسرائيل
ظلت آفاق السلام بعيدة المنال في عام 2019 للصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عدة عقود.
ولم تعقد أي لقاءات رسمية بين الجانبين الفلسطيني الإسرائيلي باستثناء اجتماعات على مستوى وزاري لبحث قضايا اقتصادية ومدنية مشتركة.
وفي 25 يوليو الماضي أعلن عباس عقب اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينية في مدينة رام الله، وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ردا على هدم إسرائيل مئات المنازل الفلسطينية في منطقة وادي الحمص في بلدة صور باهر جنوب شرق القدس.
وأثارت تعهدات متكررة أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو بشأن فرض إسرائيل سيادتها على غور الأردن ومناطق أخرى مهمة في الضفة الغربية المزيد من المخاوف على مصير حل الدولتين المدعوم دوليا.
واشتكى الفلسطينيون على مدار العام المنقضي من إعلان إسرائيل عن خطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية بما فيها شرق القدس فضلا عن عمليات هدم واسعة للمنازل ومصادرة الأراضي.
وعلى الصعيد الميداني، استمرت حوادث التوتر بين الفلسطينيين وإسرائيل خصوصا في قطاع غزة الذي سجل عدة جولات توتر آخرها في منتصف نوفمبر الماضي وخلفت استشهاد 36 فلسطينيا بينهم القيادي العسكري في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا.
وبالمجمل رصدت إحصائيات فلسطينية رسمية أن عام 2019 سجل استشهاد 252 فلسطينيا بينهم 13 أنثى و27 طفلا في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
قطيعة فلسطينية مع واشنطن
استمرت في عام 2019 القطيعة السياسية بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية عام 2017.
وأصر الفلسطينيون على موقفهم برفض أي تعاطي مع "صفقة القرن" التي تعمل الإدارة الأمريكية على بلورتها منذ أكثر من عامين ضمن السعي إلى حل القضية الفلسطينية.
وفي 18 نوفمبر الماضي أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن واشنطن لم تعد تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية "مخالفة للقانون الدولي".
ورحبت إسرائيل بالقرار الأمريكي المذكور واعتبرته "تصحيحا لخطأ تاريخي"، فيما ندد به الفلسطينيون بشدة واعتبروه تقويضا لفرص تحقيق السلام ومخالفة لقرارات الشرعية الدولية.
وتوقفت آخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل نهاية مارس عام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية دون تحقيق تقدم.
ملف الأسرى لدى إسرائيل
اعتبر الفلسطينيون عام 2019 الأقسى منذ أعوام على صعيد ملف الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، إذ شهد استشهاد خمسة أسرى داخل السجون، مع استمرار اعتقال أكثر من خمسة آلاف.
وترافق ذلك مع شكاوى الأسرى الفلسطينيين من تضييق مصلحة السجون الإسرائيلية عليهم بما في ذلك تركيب أجهزة تشويش ومنع الزيارات وسياسة عزل الانفرادي والاعتقال الإداري الذي قوبل بإضرابات فردية لعدد من الأسرى.
تدخل حاسم للجنائية الدولية
في 20 ديسمبر أعلنت رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا عزمها فتح تحقيق كامل في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية.
وقدمت بنسودا طلباً للدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية ومقرها لاهاي، تطلب فيه تقديم حكم بشأن الولاية الجغرافية للأراضي الفلسطينية.
وقوبل إعلان المدعية العامة للجنائية الدولية بترحيب فلسطيني واسع مقابل انتقادات وغضب من إسرائيل والإدارة الأمريكية.
وكان الرئيس الفلسطيني وقع في 31 من ديسمبر 2014 وثائق للانضمام إلى 20 معاهدة دولية أبرزها معاهدة روما التي تمهد لانضمام الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية.
ولاحقا أعلن الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بان كي مون لدى تسلمه قرار انضمام الفلسطينيين للمعاهدة الدولية، أن فلسطين أصبحت عضوا في المحكمة الجنائية ابتداء من مطلع أبريل 2015.
وبعد ذلك أعلنت بنسودا فتح تحقيق أولي لتحديد كفاية الأدلة لفتح تحقيق شامل في الجرائم المنسوبة لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية منذ يونيو 2014.