كثيرة هي الشعارات العريضة والجذابة التي رفعتها وترفعها بعض قوانا وكياناتنا وأحزابنا الوطنية وحتى حكوماتنا السابقة والحالية وباستمرار، وتتكرر تلك الشعارات التي تحمل نفس المضامين بأشكال وصيغ ومناسبات مختلفة، وطبيعي ان المواطنين على اختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم واهتماماتهم يتابعون تصريحات قادة ومسئولين وساسة هذه القوى والكيانات، لأنهم أي المواطنين معنيين بما يقوله ويصرح به مثلما ان هؤلاء القادة ملزمين على الاصغاء لمطالب المواطنين وبذل اقصى الجهود لتحقيقها، سواء من خلال السلطة التشريعية (البرلمان) او من خلال السلطة التنفيذية (الحكومة).
وهذا شيء طبيعي ومتوقع لان مشاكل وازمات واحتياجات بناء الشعب كثيرة وكبيرة، وان مهمة معالجة وحل تلك المشاكل والازمات وتلبية الاحتياجات يقع على من حصلوا على ثقة شعبنا في آخر انتخابات وعبر صناديق الاقتراع واصبحوا يشغلون مواقع في السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولا شك انه خلال الأعوام العشرة المنصرمة سمع وتلقى المواطنون سيلا من الوعود البراقة بتحسين الخدمات ودفع عجل البناء والاعمار الى الامام ومكافحة الفساد، وتعزيز فرص وإمكانيات الرفاه الاجتماعي لكل الفئات والشرائح، ولان الاعم الاغلب من تلك الوعود لم يتعدى الكلام النظري، رغم تكراره مرات ومرات لذلك فأن الثقة بين المواطن العادي والمسئول الحزبي والحكومي اهتزت واختل كثيرا، ليتسبب ذلك في اتساع الهوة بينهما، وما عمق عدم الثقة والتباعد هو البون الشاسع بين المستوى الحياتي العالي الذي يعيش فيه المسئول، وزيرا كان او وكيلا أو نائبا في البرلمان او سفيرا أو محافظا او مديرا عاما او مستشارا او حتى قائدا في حزبه، والمستوى الحياتي المتدني والبائس الذي يأن تحت وطأته عدد كبير جدا من الناس. وهذا الخلل الكبير الذي لم يعد من لا يشعر به ويستشعره من الجماهير الفلسطينية لم تظهر نوايا صادقة وتوجهات جادة لمعالجته وتلافيه، رغم المطالب والدعوات الصريحة والواضحة لبعض الشخصيات الوطنية والاعتبارية بضرورة واهمية ووجوب تقليل الفوارق بين عموم الناس وكبار المسئولين، ورغم ان هناك قوى وشخصيات وطنية مخلصة كانت وما زالت تتبنى مواقف ايجابية بهذا الخصوص.
لم يلحظ شعبنا صراحة اي تطور او اختلاف على أداء هذه الوزارات الى القليل مما لا يحقق طموح الشعب ولا يمكن تصور ان يكون هنالك تطور او تقدم في الاداء وذلك بسبب بقاء نفس العقليات الجامدة والمتحجرة في سدة الحكم والتي تقود الوطن اليوم من خلال قوانين وشخصيات تعاني امراض عوز القناعة التي لا يشبعها ما استأثرت به من رواتب عالية وايفادات ومنافع وحمايات وسلطة فهم مدعومون من احد القوى أو الكيانات او الأحزاب التي استأثرت بكل شيء دون رقيب ولا محاسب. فالوعود التي أطلقها المسئولين كثيرة ولم ترى النور إلى يومنا هذا، ولا اعلم هل إن السبب في عدم قدرتهم على الإيفاء بوعودهم هو لأنهم ليسوا أصحاب قرار أو إن التجاذبات السياسية والأوضاع الكارثية التي يمر بها الوطن بين الحين والأخر هي السبب، فلم يلمس المواطن تطبيقا حقيقيا لأغلب الوعود التي قدمت، وفي مقدمة هذه الوعود التي لم يستطع أي مسئول حكومي الإيفاء بها هي مشكلة المعابر والمياه والكهرباء والمواد البترولية ورفع الحصار، وهذه المشاكل التي طالما أثقلت وشغلت شعبنا وما زالت حتى وقتنا هذا.
قد يقال ان اطلاق الشعارات ورفع اللافتات قضية سهلة يستطيع الجميع ممارستها وإتقانها باعتبار ان الاعتبار سهل المئونة كما يقولون، كما ان حركة اللسان والقدرة على النطق قد تمنحنا المزيد من العبارات والتصورات وتنسج الخيال والافكار التي لا تخطر على بال. ومن المفارقات ان الوطن قد ابتلي بخطباء بارعين ومتحدثين حاذقين وسياسيين لبقين ومنظرين متحذلقين بينما افتقد في ذات الوقت العاملين المخلصين الذين يترجمون الاقوال الى افعال والشعارات الى شعور والتصورات الى واقعيات على الارض. هذه واحدة من اسباب الاحباط والنكوص لدى المواطن الذي كانت اسماعه تتمتع بارق وارقى العبارات بينما غابت عن عينيه ابسط التطبيقات وتنفيذ الوعود على ارض الواقع، وهذا ما جعلنا نحذر من الافراط بالوعود والمبالغة بالشعارات وجعل المواطن يعيش في احلام وردية وتصورات خيالية ظناً منه بأنه سيعيش بعد كل انتخابات في وضع افضل حالاَ من سويسرا والسويد ودبي وابو ظبي، الامر الذي ينعكس على مرتكزات وعيه تصادم الاقوال مع الافعال والتنظير مع التغيير والشعارات مع الشعور.
إن المشاكل والأزمات في الوطن الفلسطيني وان بدت معقدة وشائكة إلى حد كبير، إلا إن حلولها متيسرة وممكنة إذا ما توفرت الإرادات القوية والنوايا الصادقة والتوجهات المخلصة لدى المعنيين بشؤون وطننا وأصحاب القرار فيه، سندخل جميعا قوى وفصائل وطنية وإسلامية وكتل برلمانية وأحزاب وشخصيات سياسية من كافة الأطياف والشرائح والاتجاهات، بروح القيادة والإرادة السياسية الجادة في إنهاء الخلاف والدافع الوطني الذي يؤسس لحكومة الشراكة والتفاهم والحكم الرشيد القادر على النهوض بكافة الملفات أمام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه وطننا وشعبنا في مرحلته الجديدة وعامه الجديد، بلا شروط أو أحاديث استباقية، تتنبأ للحوار دون أدنى سبب الفشل أو العراقيل، نتمنى ويتمنى معنا كل شرفاء وأحرار وطننا فلسطين أن تكون صورة العام الجديد مشرقة ووضاءة ممثلة بإتمام ملف المصالحة وإنهاء الانقسام فورا وتمتين جبهتنا الوطنية الداخلية وتشكيل حكومة وحده وطنية.
إن هذا الوطن الجريح الذي فيه آلاف الأرامل والأيتام والمعدمين والمسحوقين والجرحى والفقراء والمعاقين وأهالي الشهداء، ويهددهم الانقسام والاحتلال والفساد، بالويل والثبور والقتل والدمار، بحاجة ماسة اليوم إلى الرجال الأحرار الكبار القادرين على لئم جراحه الكثيرة. آخر الكلام: نتمنى أن يكون عام ٢٠٢٠ عام الأمن والسلام والوئام والازدهار والتنمية والنماء لشعبنا ووطننا بمستقبل مشرق ومزهر.
بقلم/ رامي الغف*
*اعلامي وباحث سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت