كشف تقرير لصحيفة "الأخبار" اللبنانية عن وجود اتفاق بين هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية والجانب الإسرائيلي على السماح لـ"كوتة" من 5000 عامل من قطاع غزة بالعمل داخل الأراضي المحتلة والضفة الغربية، لكن بطريقة جديدة هي الحصول على تصريح تجاري.
ونقل التقرير عن مصادر بهيئة الشؤون المدنية في رام الله قولها إن " هذا التصريح لا يُمنح إلا بعد "فحص أمني دقيق"، إضافة إلى اشتراط إسرائيلي بأن يبقى الموضوع وتفاصيله "بعيداً عن الإعلام"، في وقت تشير فيه المصادر إلى أن "العدد قابل للزيادة مع بداية العام الجديد".
وكان 120 ألف عامل من قطاع غزة يعملون في الأراضي المحتلة قبل 2007، العام الذي سيطرت فيه حركة "حماس" على القطاع، والذي فرضت إسرائيل على إثره حصاراً شمل منع سكان القطاع من العمل لديها في قطاعات متعددة؛ أهمها البناء، ما زاد نسبة البطالة والفقر بصورة كبيرة، علماً بأن عدد التجار الفعليين الذين كانوا يحصلون على تصاريح للدخول إلى الأراضي المحتلة قبل 2007 كان يتراوح بين 750 و850، وفقاً لوكيل "الشؤون المدنية" في غزة، صالح الزق.
وجاء في التقرير " ما إن أتت الموافقة على سماح إسرائيل باستعمال هذا التصريح لأغراض العمل، حتى توجّه الآلاف للحصول عليه، وهو ما يتطلّب منهم سلسلة إجراءات تبدأ بتقديم طلب لدى وزارة الاقتصاد في غزة لفتح سجل تجاري فردي أو الدخول ضمن شركة (مقابل مبلغ تتسلّمه الشركة)، مروراً بالحصول على فواتير تفيد بعمليات شراء تتجاوز 20 ألف شيكل (نحو 5700 دولار)، وصولاً إلى تقديم طلب لـ"الشؤون المدنية" التي تحيله بدورها إلى الجانب الإسرائيلي لتلقي الموافقة أو الرفض.
ويقول الصحافي الاقتصادي، محمد أبو جياب، إنه بسبب ذلك وقع العمال ضحية الإنفاق على سجلات رسمية حكومية ومؤسساتية غير حكومية، فضلاً عن الابتزاز من أجل الحصول على فواتير تتخطى 5700 دولار (شرط يضعه الجانب الإسرائيلي) مختومة رسمياً من معبر كرم أبو سالم باسم صاحب السجل.
ويضيف أبو جياب إنه "في المفاوضات بين الأمم المتحدة والقطريين والإسرائيليين هناك كوتة جديدة، وسيصل عدد التصاريح إلى 15 ألفاً مع بداية العام الجديد".
وفق المصادر، ثمة وعد إسرائيلي بالسماح لـ 10 آلاف بالعمل قريباً، لكن "الشؤون المدنية" تحدّثت حصراً عن "طلبات مقدّمة وموافقة إسرائيلية مبدئية حيالها... لا يمكن التصريح بذلك نظراً إلى عدم وجود معلومات لدينا أكيدة ومضمونة بشأن الأرقام الجديدة".
وكان الحصار الإسرائيلي قد تسبّب بارتفاع معدّلات البطالة إلى 52%، وتجاوزت معدّلات الفقر 80%، علماً بأن عدد المتعطّلين عن العمل بلغ أكثر من 300 ألف مواطن، وفق إحصاءات رسمية.
ومع سماح الاحتلال لعمال قطاع غزة بدخول الاراضي المحتلة تحت مسمّى تجار، عمدت وزارة الاقتصاد في غزة إلى منح تسهيلات في فتح السجلات التجارية، إذ خفضت الرسوم للسجل الفردي من 1300 شيكل (370 دولاراً) في السابق إلى 500 حالياً (142 دولاراً). والجدير ذكره، هنا، أن التصريح الإسرائيلي يُعطى لأول مرة كاختبار لشهر ثم لستة أشهر، فيما يستطيع العامل/ التاجر المكوث هناك ما دام التصريح ساري المفعول، علماً بأنه يدخل حصراً من حاجز "بيت حانون ــــ إيريز".
المدير العام لـ"الوحدة القانونية" في وزارة الاقتصاد بغزة، يعقوب الغندور، يؤكد، في حديث إلى "الأخبار"، أن ثمة بالفعل توجّهاً حكومياً، ولا سيما من وكيل الوزارة رشدي وادي، لـ"تقديم تسهيلات لصغار التجار على شكل تخفيضات على السجل الفردي الأكثر طلباً"، مضيفاً: "ربما يكون الهدف من فتح السجل بالنسبة إلى صغار التجار هو العمل داخل مناطق 48، لكننا في الوزارة نتعامل مع تجار لا مع العمال".
ويتابع الغندور: "أصدرنا أخيراً 500 سجل تجاري فردي جديد. أما العامل الذي يدخل ضمن شركة فيصبح شريكاً وليس عاملاً، وفي هذه الحالة يُطلب منه ما يُطلب من التاجر الأصلي".
وكانت مسألة المرجعية التي يفترض أن يعود إليها سكان القطاع من أجل "المراجعات والاستفسارات وتقديم الطلبات واستلام التصاريح" قد أثارت خلافاً بين سلطات غزة و"الشؤون المدنية"، التي اضطرت إلى التوجيه بحصر كلّ تلك القضايا بالغرف التجارية.
وفيما يرفض صالح الزق التعليق على هذا الموضوع، يقول مصدر من "الشؤون المدنية" لـ"الأخبار" إن الملف برمّته نُقل إلى القطاع الخاص (الغرفة التجارية) واتحاد الصناعات، كاشفاً أنه بالنظر إلى أن "الموضوع حسّاس، سواء لدى الأطراف في غزة أو إسرائيل، تمّ الاتفاق على عدم التعليق على الأمر في وسائل الإعلام خشية أن يفقد هؤلاء العمال مصدر رزقهم... السكوت لمصلحة هذه الفئة التي توافق إسرائيل على دخولها الأراضي المحتلة من أجل العمل من تحت الطاولة".
كما يكشف أن "الكوتة تم إغلاقها لأنه ليس هناك موافقة أكيدة ولا يمكننا اللعب بأموال الناس"، علماً بأن من يفتح سجلاً تجارياً يُحرم من الاستفادة من مخصصات "الشؤون الاجتماعية" أو ما يسمى الكوبونات الإغاثية، وكذلك من 100 دولار تصرف في إطار المنحة القطرية، كونه يدرج كتاجر.
ويعزو المصدر توجيه وزارة الاقتصاد في غزة بـ"خفض رسوم السجل التجاري الفردي" إلى "أن الكوتة انتهت (أي تم تسجيل خمسة آلاف عامل)"، مشدداً على أنه "حتى الآن لا جديد، وكلّ ما هنالك موافقة مبدئية لا يمكن التعويل عليها". ويتهم الوزارة بأنها "حصلت مبالغ كبيرة جراء أمر غير مؤكد (الكوتة الجديدة)، إذ فتحت باب التسجيل للعمال (صغار التجار) وجمعت 5 ملايين و632 ألف دولار، فيما حصلت الغرفة التجارية على أكثر من مليون". في المقابل، لا ينكر الاقتصادي ماهر الطباع، وهو مسؤول في "الغرفة التجارية"، معرفتها بأن قسماً كبيراً من الذين يخرجون من غزة بتصاريح تجار هم عمال، لكنه يؤكد أن إسرائيل مدّدت التصاريح من ثلاثة أشهر إلى ستة، وخفّضت السن المسموح بها من 30 عاماً إلى 25 بغض النظر عن الحالة الاجتماعية.
أحد العمال، والذي عرّف عن نفسه باسم أنور فقط، يقول: "دفعت 400 دولار لشركة في غزة كي أصبح شريكاً وأحصل على تصريح تجاري... الآن أعمل بيومية 300 شيكل (85 دولاراً) في البناء" داخل الأراضي المحتلة. أما الصيدلي محمد غنيم (اسم مستعار، 42 عاماً)، فما إن سمع بموجة التصاريح حتى قرر هو الآخر العمل هناك. يلفت غنيم إلى أنه "منذ خصومات الموظفين في 2017، بدأت أزمة الديون تتراكم على الصيدلية إلى أن أغلقت. حالياً أعمل في البناء في منطقة أشكول المتاخمة لحدود غزة الشرقية".
ويضيف: "فتحت سجلاً تجارياً لدى وزارة الاقتصاد وقدمت الأوراق المطلوبة. كلفني الأمر 500 دولار، وبعد فحص أمني استمر أربعة أشهر حصلت على تصريح للعمل. أعمل يومياً مقابل 400 شيكل (114 دولاراً) من السابعة صباحاً حتى الرابعة عصراً". في خضمّ ذلك، يستغلّ كبار التجار الوضع الحالي من أجل تقاضي مبالغ كبيرة مقابل بيع فواتير وهمية للعمال.
وفي هذا الإطار، يشير التاجر يوسف حسن (55 عاماً) إلى أن "لديّ شركة مفروشات وعملي متوقف منذ مدة. ضممت ثلاثة عمال في السجل التجاري الخاص بالشركة، وحصلت مقابل ذلك على 1500 شيكل (428 دولاراً) من كلّ عامل، بالإضافة إلى بيعهم فواتير وهمية كي يحصلوا على موافقة إسرائيلية". وإذا ما صدقت الوعود الإسرائيلية بتوسيع "الكوتة" العام المقبل وفقاً للوساطات القائمة، ولا سيما من الأمم المتحدة، يُخشى أن تعود قضية العمل في الأراضي المحتلة لتمثل مادة تنافس بين كبار التجار والهيئات المعنية في حال بقاء الشروط كما هي، إضافة إلى ما قد تولّده من إشكالات أمنية، وخاصة أن هذه العودة تأتي بعد انقطاع لنحو 12 عاماً.