عندما اكتشفت أولى احتياطات الغاز الطبيعي شرقي البحر المتوسط، قبالة إسرائيل وقبرص ومصر قبل بضع سنوات، أثارت مزيجاً من المشاعر المتناقضة لدى الخبراء والمحللين؛ فهل سيكون الغاز المكتشف سبباً للازدهار والرخاء لدى دول وشعوب المنطقة؟ أم سيكون سببا إضافيا للتنازع والخلافات والمزيد من الأزمات؟.
الغاز الطبيعي سيظل، وفقاً لخبراء، مصدراً للطاقة على مدى 20 أو 30 سنة مقبلة، لكنه لم يعد «مادة اقتصادية خام» فحسب، بل غدا «مادة» قابلة للتوظيف والاستغلال السياسي، مثله مثل النفط، وبالتالي سيكون محكوماً بذات المنطق والآليات التي تحكّمت في ما مضى بمصادر الطاقة والثروات عامة.
وعلى سبيل المثال، تسعى إسرائيل إلى استثمار الغاز المكتشف ليس فقط اقتصادياً، من خلال ضمان تدفق إيرادات ضخمة لخزينتها، بل وسياسيّاً أيضاً، حيث يرى خبراء إسرائيليون أن «الغاز يشكل فرصة للتعاون الإقليمي مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل»، فضلاً عن أنه سيمكّنها كذلك من توثيق الروابط مع الجانب الأوروبي أكثر.
يجدر بالذكر أنّ إسرائيل تحوّلت من مستوردة إلى منتجة ومصدّرة للغاز بفضل الاكتشافات الضخمة شرق المتوسط التي بدأت منذ العام 2009، وشرعت أخيراً بتصدير الغاز الطبيعي للأردن، منذ بدء إنتاجها في حقل ليفياثان (أكبر حقل بحري للغاز الطبيعي، ويحتوي على 535 مليار متر مكعب من الغاز)، مع بداية العام الجاري، وسط معارضة أردنية شديدة لهذا الأمر، سواءً على الصعيد الشعبي أم في البرلمان.
ومن المقرر كذلك أن يتدفق الغاز الإسرائيلي إلى مصر قريباً. كما تعتزم إسرائيل نقل غازها إلى أوروبا عبر خط أنابيب هائل، أطلق عليه «إيست ميد»، وذلك اعتباراً من عام 2025، وفقاً للاتفاق الثلاثي (اليوناني الإسرائيلي القبرصي) الذي وصف بـ«التاريخي»، ووقع في أثينا (2/1)، بحضور رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس.
وسيمتد خط «إيست ميد» من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية، مروراً بجزيرة «كريت» اليونانية إلى البر اليوناني الرئيسي، وصولاً لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا. وقد شكّل هذا الاتفاق نقلة نوعية في مساعي تل أبيب لفرض نفسها لاعباً رئيسياً في مجال الطاقة، ليس على الصعيد الإقليمي فقط، بل والدولي أيضاً. في حين أنه شكّل ضربة لبعض القوى الإقليمية، وفي مقدمتها تركيا، التي كانت تطمح لفرض نفسها مركزا إقليميا للطاقة.
ويحظى مشروع «إيست ميد» بتأييد كبير من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ من شأنه أن يوفّر نحو 10 % من الاحتياجات الأوروبية للغاز الطبيعي، وبالتالي تخفيف اعتماد القارة العجوز على الغاز الروسي.
مصر المُحرجة!
وفي المقابل، قد يقوض هذا الاتفاق خطط مصر لأن تصبح محطة لنقل الغاز في المنطقة، لأنه يمكن أن يعني تنصّل إسرائيل من اتفاق تسليم الغاز إلى مصر، لتصديره إلى الأسواق العالمية. وقد خيم الصمت على الحكومة المصرية ولم يصدر عنها أي تصريح في هذا الشأن، بالنظر إلى حجم الإحراج الذي تعرضت له، وخاصة بعد أن روّجت لنفسها القيام بدور كبير في تجارة الغاز العالمية، وعلى ذلك، انضمت إلى «منتدى غاز البحر المتوسط»، الذي يضم إسرائيل وممثلين عن السلطة الفلسطينية والأردن وإيطاليا واليونان وقبرص.
وكانت شركة «دولفينوس» المصرية الخاصة وقعت اتفاقا في منتصف عام 2018 لاستيراد الغاز الطبيعي الإسرائيلي من أجل إعادة تصديره. ووصف الرئيس عبدالفتاح السيسي الصفقة حينها بأنها «هدف أحرزته مصر»، في إطار سعيها للتحول إلى «مركز إقليمي لتداول الطاقة في منطقة شرق المتوسط»!.
تركيا الغاضبة
وجاء الصوت الأكثر غضبا من الاتفاق الإسرائيلي القبرصي اليوناني من تركيا، التي رفضت بقوة تشييد خط أنابيب «إيست ميد»، وقالت إنها «لن تسمح بمشروعات من هذا النوع في شرق المتوسط دون مشاركتها أو موافقتها»، معتبرة الاتفاق محاولة لإخراجها، مع القبارصة الأتراك، من المعادلة الإقليمية للطاقة، علماً أنها تقوم حتى الآن باستيراد كلّ احتياجاتها من النفط والغاز تقريبا.
وقد حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرض حقائق على الأرض بالفعل، حيث تبحث سفن تركية منذ أشهر عن غاز طبيعي حول قبرص، من دون الحصول على موافقتها، علماً أنّ قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي، الذي فرض عقوبات على تركيا لهذا السبب بالفعل، في تموز/ يوليو الماضي.
اتفاق أردوغان والسراج
في غضون ذلك، وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقية أمنية مع «حكومة الوفاق» الليبية، برئاسة فايز السراج في طرابلس (27/11)، تضمّنت في شق منها ترسيما للحدود البحرية بين البلدين. وقد لقيت هذه الاتفاقية معارضة دولية وإقليمية واسعة، سواءً في جانبها السياسي الأمني، أم في جانبها الاقتصادي، إذ أنّ أنقرة وسّعت، تبعاً للاتفاقية، من مساحة مياهها الإقليمية بنحو الثلث، ما يجعلها تطالب بحصة وازنة من احتياطيات الطاقة المكتشفة في شرق المتوسط.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع أن خطوة أردوغان هذه كان من أهدافها الرئيسية قطع الطريق على مشروع خط الأنابيب الإسرائيلي «إيست ميد»، الذي أصبح يمرّ عبر مناطق اقتصادية متنازع عليها، (وبالتالي تأخير المشروع أو تعطيله). كما تسبّبت هذه الخطوة في حالة استنفار في أثينا أيضاً، حيث ترى اليونان أن هذه الاتفاقية المثيرة لجدل هائل، تنتهك القانون البحري الدولي، وتمنح تركيا حق اقتطاع أجزاء كبيرة من المنطقة الاقتصادية اليونانية، بما في ذلك المياه الاقتصادية لجزيرة كريت اليونانية، التي سيمر منها الأنبوب الإسرائيلي.
وقال أردوغان عقب توقيع الاتفاق مع الجانب الليبي «إن إسرائيل ومصر واليونان وقبرص لم يعد بإمكانها بعد الآن مدّ خط لضخ الغاز دون موافقة تركيا، وكذلك إجراء أعمال التنقيب في المناطق التي حددها الاتفاق البحري بين أنقرة وطرابلس». وكشفت مصادر إسرائيلية أن تركيا أرسلت، بالتزامن مع ذلك، رسالة لحكومة نتنياهو أعربت فيها عن «استعدادها للتعاون مع تل أبيب في نقل إمدادات الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا عبر الأراضي التركية».
ودخلت تل أبيب وأنقرة قبل سنوات في مفاوضات من أجل مدّ خط أنبوب غاز عبر الأراضي التركية، بيد أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق في ظل تحفظات من قوى عدة بينها الاتحاد الأوروبي، الذي لطالما اتسمت علاقته مع تركيا في عهد حكم حزب العدالة والتنمية بالتوتر. وفي ضوء فشل المحادثات اتجهت إسرائيل صوب اليونان وقبرص في العام 2015، لبناء تحالف للطاقة انضمت له مصر، وكان من ثماره إنشاء «منتدى غاز شرق المتوسط».
الصورة: 1ـ توقيع الاتفاق الثلاثي في أثينا
خارطة مرور الأنبوب الإسرائيلي
الأردن.. حكومة الرزاز في مواجهة غضب الشارع والنواب من الغاز الإسرائيلي / خبر منفصل /
شهدت جلسة لمجلس النواب الأردني (5/1)، سجالاً بين النواب انتهى بانسحاب عدد منهم، على خلفية رفض رئاسة المجلس تحويل الجلسة إلى «رقابية»، يتم فيها طرح الثقة في الحكومة.
وبث التلفزيون الرسمي للمملكة فعاليات الجلسة، التي علت خلالها أصوات عدد من النواب، من أجل تحويل الجلسة إلى رقابية بناء على مذكرة سابقة، قيل إنها أرسلت لرئيس مجلس النواب عاطف الطراونة.
وانسحب نواب بعد إعلان الطراونة، أن مذكرة طرح الثقة بالحكومة لم تصل إليه. واصفاً موقف النواب المطالبين بالتحويل الفوري للجلسة إلى رقابية، بأنها «رسائل شعبوية»، وبأنه سيتم تحديد جلسة رقابية لاحقة، مشدداً على «موقفه الرافض لاتفاقية الغاز».
وبدأت إسرائيل (1/1)، ضخ الغاز الطبيعي للأردن بموجب اتفاق قيمته عشرة مليارات دولار لمدة 15 عاماً مع شركة «نوبل إنيرجي» لتوريد الغاز من حقل ليفياثان البحري.
ولا تلقى اتفاقية الغاز بين الأردن وإسرائيل منذ توقيعها قبل نحو ثلاثة أعوام قبولاً في الأوساط الشعبية والبرلمانية. وتظاهر مئات الأردنيين (3/1) وسط العاصمة عمّان للاحتجاج على بدء تنفيذ الاتفاقية.
وكان مجلس النواب الأردني طالب في آذار/ مارس الماضي الحكومة بإلغاء الاتفاقية. وحينها، قال رئيس المجلس عاطف الطراونة إن «اتفاقية الغاز مع العدو المحتل مرفوضة برلمانيا وشعبيا ويتوجب إلغاؤها».
وتنصّ اتفاقية الغاز، الموقعة في أيلول/ سبتمبر 2016، على تزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز، اعتبارا من 2020. وحسبما أعلنته شركة الكهرباء الوطنية الأردنية، فإن الاتفاقية ستوفر 300 مليون دولار سنوياً من خلال شرائها الغاز الإسرائيلي، قياسا بشرائه من الأسواق العالمية!.
فؤاد محجوب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت