نظرات في توقيعات روز اليوسف شعبان

بقلم: شاكر فريد حسن

شاكر فريد حسن

أتحفتنا الصديقة الشاعرة الطرعانية الأستاذة روز اليوسف شعبان، بمجموعة من التوقيعات الجميلة، نشرت على صفحتها في الفيسبوك، وفي عدد من مواقع الشبكة العنكبوتية. وهي كوميض البرق تتناغم مع الابيغرام/ النقش الشعري، أو ما يسمى بالهايكو بالمفهوم العصري الجديد، وذلك كتشكيل حداثي يتناسب ومقتضيات العصر ولغته، تحمل فرادة وخصوصية بنكهة جليلية، وما يسمها تركيز العبارة، وتكثيف الفكرة بألفاظ بلاغية موجزة، بلغة أنيقة تعتمد صفاء الصورة.

والتوقيعات هو لون من الكتابة وفن من فنون النثر، يقال أنه اموي النشأة لكنه ازدهر في العصر العباسي، وفي المعاصرة الحديثة اشتهر به الدكتور طه حسين، ثم الشاعر الفلسطيني الكبير عاشق عنب الخليل، وابن قرية بني نعيم، الدكتور عز الدين المناصرة، الذي كان قد نشر في منتصف الستينات باقة من توقيعاته الشعرية، التي ألقاها في القاهرة، حظيت وما زالت تحظى باهتمام النقاد والدارسين والمثقفين العرب.

والتوقيعة هي نص قصير جدًا يتميز بالرشاقة والسرعة والتوتر والتركيز والايجاز والكثافة وعصبها الايحاء والدلالات، وذات قفلة قاطعة مدهشة ومتقنة تتلاءم مع الحالة.

وتوقيعات روز اليوسف شعبان شديدة الكثافة، فيها ايقاعية عذبة، تزخر بالاستعارات والكنايات وغيرها من المحسنات البديعية، وتقوم على التشكيل الجمالي والتجلي الشعري، وسلاسة اللغة الموظفة وانسيابية الروح. وللدلالة على ذلك لنقرأ منها :

مقبلٌ أنت أيها المساءُ في ألقٍ

تختال بين زهر اللوز والغارِ

يناجيكَ البدرُ مكلّلًا بضيائهِ

ترنو إليك تيجانُ اللوز بآذارِ

تنشدُكَ عينايَ في همسٍ يخضبّها

أرجوانٌ فاح في الأجواء والدار

هلّا جلبتَ من الأحباب عطرَهُمُ

يغدقُنا شوقا ويهفو الينا بأخبار؟؟

2 – في القلب نافذةٌ:

في القلب نافذةٌ لم تقرعْها

أصابعُ الرياح

لم تتسلّلْ إليها الياسمينةُ

في الصباح

ولا داعبتها في سويعات المساء

أكُفُّ الأقاح

في القلب نافدةٌ تنتظر عودةَ

السندباد

ورحلةً تجوبها في الشام ومصرَ

وبغداد

ترتوي بدنان الحكايا

تسكبها بحنكةٍ الاميرةُ

شهرزاد

3- سأرحل:

قال: سأرحل قبل عودة الطوفان

قبل أن يُغْرِقَ المدّْ رمالَ الشطآن

قلت: لن يبقى لك أرضٌ ولا أوطان

غريبًا ستغدو في كلِّ البلدان

فكنْ سدًّا سديدًا

في وجه الطوفان!

وانقذ الطيرَ والبشرَ

ورمالَ الشطآن!!

4- الحلم

لم يأتني في الحلم ليلةَ أمس

ولا قبلَ أمسِ

أو أمسِ أمس

لم يروِ لي جُلَّ الحكايا

ماذا فعل الغيبُ بطغاة

الأمس؟

أين ذهبتْ كنوزُهم

وولّت عروشُ العاج

وجدائلُ الحريرِ

وقلائدُ الماس؟؟

5- لا تغتلْ صمتي!

لا تغْتَلْ صمتي في مَيْعَةِ المُجون

لا تشيّعْهُ خلف قوافلِ المَنُون

لا تدفنْهُ في مقبرة أحلامِك

ولا تبْنِ لهُ نصبًا بين فلول أمجادِك

لا تغْتلْ صمتيَ أيها المأفون

فصمتي صداهُ تجاوزَ السكون

وهزم ضجيجًا كان جلُّهُ جنونًا

في جنون!!

روز اليوسف شعبان صوت شعري صافٍ رقيق كالحرير، مميز بالبوح وصياغة العبارة، له وهجه الخاص، وبين نص وآخر نلمس تطورًا فنيًا ونوعيًا لديها، وتزداد كتابتها جمالًا وبهاءً وألقًا. وما يميزها تنوع قصائدها النصي، والخيال الشاسع، ومقدرتها الواضحة على المزج بين جمالية الكلمات وعذوبة الحرف ووضوح المعنى ورقة التعبير، وشفافية السبك والنسيج الشعري، فضلًا عن رشاقة اللغة والانسيابية والرمزية المتخيلة، بمنظور إنساني وجداني خالص، وإحساس وطني حنيني/ نوستالجي لكل جميل وأصيل وقيمي في حياتنا الفلسطينية الغابرة.

وتتخذ هذه التوقيعات أساليب مختلفة في استنطاق أسئلة المرايا، وتتعدد صورها، وتخلق تواصلية دلالية بين هذه المرايا تتجلى في حركية النص بين الماضي، والاستذكار تارة، والتراث تارة أخرى، وتعيد انتاج اللغة في شعرية دالة، يكون الحلم هو البنية الأساسية فيها.

وتشي ابيغرامات روز بثقافة موروثة وبنى معرفية غاية في التنوع والتقاطع والاكتناز المعرفي والثقافي الموروث، وتأتي لتؤكد أن التوقيعات صناعة خاصة لها طابعها وأصولها وقواعدها، وليس مجرد ألفاظ نحوية أو صوتية ايقاعية.

إنني إذ أشد على يدي الصديقة الشاعرة الأستاذة روز اليوسف شعبان، متمنيًا لها مستقبلًا شعريًا باهرًا وزاهرًا واعدًا بالعطاء، مع أطيب التحيات، وبانتظار المزيد مما هو هادف وجميل، دون اطناب وأحاجي وفذلكات كلامية.

بقلم : شاكر فريد حسن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت