كانت إزالة قاسم سليماني في عملية دقيقة وناجعة للقوات الأمريكية الخاصة خطوة جديرة بالثناء، فقد فوجئت إيران ودهشت من دقة الاستخبارات المفصلة والتنفيذ الكامل. ويحتمل أنها أخيفت. فعلى مدى السنوات الأخيرة بدأنا نعتاد على فجوة معينة، آخذة في الاتساع، بين الخطاب الحازم والمهدد للرئيس ترامب وبين تحققه بالفعل؛ فقد كانت الاتصالات الأمريكية الأولى مع كوريا الشمالية مهددة، وأعطت الانطباع بأن الرئيس كيم يونغ أون في غضون وقت قصير سيطير ويعيده إلى حجوم أكثر تواضعاً من حجوم الدكتاتور التي تبناها لنفسه.
عملياً، منذ بداية الطريق أصبح كيم موضع تقدير وشبه إعجاب لدى الرئيس الأمريكي. وفضلاً عن اللقاءات المتواترة بينهما، بدا أنه لا يوجد أي شيء ملح حقاً لواشنطن، وأن الكوريين الشماليين يواصلون الانشغال بتطوير قدرة نووية تشكل تهديداً كامنا حقيقياً على الاستقرار في هذا الجزء من العالم.
قد يكون ضبط النفس الأمريكي أكثر ذكاء بكثير من خطابية الرئيس، فكوريا الشمالية تعدّ جهة استفزازية، وثمة مبرر كامل لمعالجة سلوكها بحزم ومثابرة. ولكن رغم تصريحات كيم فإن التجارب على الصواريخ المختلفة كل بضعة أشهر والمعلومات الاستخبارية التي تشير إلى تواصل المحاولات لتطوير قدرة نووية حقيقية لا تشكل تهديداً يقض مضاجع كوريا الجنوبية، وبالتأكيد ليس مضاجع الولايات المتحدة. أقول ذلك دون أن أتجاهل حتى ولا للحظة قصيرة حقيقة أن كوريا الشمالية ساعدت سوريا على بناء مفاعل نووي، قرب بيتنا. دمرنا المفاعل بلا تردد، وكشفنا دور بوينغ يانغ في بنائه، ولقنا قيادتها العدوانية درساً غير لطيف.
ومع ذلك، أعتقد أن ترامب يتصرف بحكمة حين لا يضيق الفجوة بين تهديداته كوريا الشمالية والسلوك الذي سينتهي باحتكاك عنيف. من عدد كبير من اتصالاتي بشخصيات في كوريا الجنوبية، ظهر أنهم أيضاً يعتقدون بوجود مساحة واسعة بين الوقفة النووية وتحقق التهديد، الذي سيتسبب بهزة أرضية في الشرق الأقصى. برأي زعماء في كوريا الجنوبية، بمن في ذلك الرئيس الحالي وغير قليل من قادة الاقتصاد المزدهر هناك، يحتمل أن مسيرة حساسة ومنهاجية من التعاون الاقتصادي مع كوريا الشمالية تكون هي الأساس لتغيير منظومة العلاقات. ربما. وربما كان هذا أملاً عابثاً. يصعب علي أن أحكم على ذلك بشكل قاطع، ولكن تجربة الحياة تفيد بأن الشك ليس خطيئة، وضبط النفس ليس ضعفاً بالضرورة.
إن تصفية سليماني –بخلاف الوضع في شرق آسيا– كانت في وقتها، وآثارها من المتوقع أن تكون إيجابية. يبدو لي أن ترامب فاجأ نفسه. واضح تماماً أن الخطوة أعدت قبل أيام من تنفيذها، ومن شبه المؤكد قبل الهجوم العنيف ضد مبنى السفارة الأمريكية في بغداد. لقد كان الرد الأمريكي السريع والفتاك تذكيراً لكل الجهات في المنطقة بأن قوتها لا تزال في متنها. من يعتقد أنه يمكن أن يستغل ضبط النفس الأمريكي وقرار الرئيس سحب الوجود العسكري في الشرق الأوسط، واستنتج من ذلك أن أمريكا فقدت قدرتها على العمل بشكل عنيف أيضاً وبلا كثير من الأقوال – كان متسرعاً ومتهوراً وغير مسؤول. سليماني، الذي نجح في الإثقال على قيادتنا وإدخال قوات عسكرية إيرانية إلى سوريا تشكل تهديداً على إسرائيل، فقد المقاييس الصحيحة. وقد عوقب، وإيران عوقبت، وأما نحن فكسبنا. أحد الاعداء الأكثر ذكاء وعنفاً وخطراً علينا اختفى من الساحة، فليس لسليماني بديل في أوساط القيادة الحالية في إيران، وبالتأكيد ليس في المستقبل القريب.
والآن آمل ألا تنجر إسرائيل، مثل سليماني، وتفقد المقاييس الصحيحة. فصراعنا ضد إيران يجب أن يستمر. الوجود الإيراني في سوريا لا يطاق، ومن الواجب صده والتسبب بتقليصه ثم إلغاؤه. ولكني لا أوصي باتخاذ خطوات متهورة ومغرورة قد تعطي إيران التي أهينت بتصفية سليماني، أن ترد بشكل يؤدي إلى احتكاك عنيف مع إسرائيل.
الآن على نحو خاص، ثمة مجال للحذر من عملية إسرائيلية غير محسوبة. فنتنياهو – كما ثبت عدة مرات في الأشهر الأخيرة– على حافة الهوة التي هو فيها، وقد يستخدم الوجود الإيراني في سوريا، الذي سمح به بقصوراته وبغرور مجرم كي يؤدي إلى انفجار عنيف بينها وبيننا. لدى إسرائيل مبرر للعمل على دحر الإيرانيين من سوريا، ولكن ليس قبل بضعة أسابيع من الانتخابات. رئيس حكومة تصريف أعمال يتصرف كمجرم فارّ، دون أن يكون له إسناد من أغلبية برلمانية، ولا يمكنه بأي شكل أن يجر إسرائيل إلى مواجهة عنيفة، حتى لو لم يكن في نهاية العملية مفر منها.
لإسرائيل عدد لا بأس به من طرق العمل كي تُنفر الإيرانيين من مواصلة وجودهم في سوريا. ولدينا قوات خاصة ومتطورة، ووسائل ناجعة وتجربة جمة تتيح لنا العمل بشكل يؤدي بالتدريج إلى إضعاف التهديد الإيراني من سوريا.
شيء واحد نوصي بعدم عمله: لا مجال ولا داعي للتبجح والمبالغة في التصريحات وتهديد إيران علناً في الساحة العامة والمداولات الدولية. لا يوجد أي سبب لجر إيران إلى جلبة عنيفة. قلت هذا في الماضي، أعود وأقوله: في نهاية المطاف يجب العمل بعقل وجسارة وقوة.. العمل وليس التهديد.. الضرب وليس الحديث.
بقلم: ايهود أولمرت
رئيس الوزراء السابق
معاريف 17/1/2020