زحف بشري إلى الأغوار لزراعتها

 

تتوسط 5 جرارات زراعية ذات ألوان مختلفة، حشدا من المواطنين المتجهين نحو منطقة "أم القبا" بالأغوار الشمالية؛ بهدف حراثتها وزراعتها.

كان هذا ضمن فعالية "حماية الأغوار"، التي أطلقتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بالتعاون مع محافظة طوباس، وفصائل العمل الوطني في المحافظة، والتي شارك فيها آلاف المواطنين من محافظات الضفة.

وتأتي هذه الفعالية، في وقت يزيد فيه الاحتلال من أساليبه الترهيبية ضد السكان وأراضيهم.

وأمكن مشاهدة المد البشري من الفلسطينيين، ويتوسطهم جنود الاحتلال، من أعالي التلال وهم يعبرون الطريق.

في الواقع يتبع الاحتلال في هذا الشريط الحدودي، أسلوب الاستيلاء على الجرارات الزراعية بشكل كثيف؛ بهدف تضييق الخناق على الفلسطينيين، ومصالحهم الزراعية هناك، في منطقة اشتهرت تاريخيا بالزراعة المروية.

ففي الثالث من الشهر الحالي على سبيل المثال وليس الحصر، استولت قوات الاحتلال على 5 جرارات زراعية مرة واحدة في منطقة "أم القبا" بالأغوار الشمالية؛ بحجة أنها تواجدت في مناطق عسكرية مغلقة حسب ادعاء الاحتلال وقتها.

 وهذا ما اعتبره المواطنون ضربة قوية لموسهم الزراعي في تلك المنطقة الزراعية.

يقول مركز المعلومات الإسرائيلي في الأراضي المحتلة "بتسيلم": "إن معظم أراضي منطقة الأغوار وشمال البحر الميت تستغلّها إسرائيل لاحتياجاتها، إذ تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من المساحة: هم يُمنعون من المكوث فيها ومن البناء ومن وضع بُنى تحتيّة ومن رعي الأغنام ومن فلاحة الأراضي الزراعية".

فعليا، بشكل متكرر لا يبرح الاحتلال المنطقة مدة طويلة ليعاود الانتشار فيها، لأنها واحدة من المناطق التي يستخدمها بشكل دوري في التدريبات العسكرية، وقد أمكن صباحا مشاهدة مئات الجنود، وخيامهم المنتشرة في السهل الترابي.

الرد الرسمي والشعبي على حد سواء لم يتأخر، بتنظيم هذه الفعالية التي سار فيها المشاركون على الأقدام من حاجز تياسير المُخلى، حتى "أم القبا"، وهي المسافة التي قدرت بالنظر بــثلاثة كيلو مترات.

لكن طريق المشاركين والجرارات لم تكن سهلة أبدا.

فعند حاجز تياسير منع جنود الاحتلال المشاركين من التقدم، وبدأت مناوشات ومشادات كلامية بينهم، أطلقت خلالها قوات الاحتلال وابلا من قنابل الغاز المسيل للدموع، وأخرى صوتية.

يقول مواطن، بدا كمزارع من المنطقة، وهو يتوسط حشدا كبيرا من المواطنين خلال جدال كلامي بينهم وبين جنود الاحتلال، "إنهم ذاهبون لحراثة أراضيهم".

خلال ذلك، سُمعت أصوات قنابل الصوت تدوي بشكل متتال، كما أمكن مشاهدة المشاركين وهم يهرولون هربا من الغاز المسيل للدموع.

فالطريق الممتدة من الحاجز المخلى وصولا إلى "أم القبا" كانت "معبدة بقنابل الصوت". قال أحد المشاركين في الفعالية.

بشكل دقيق لم توجد أرقام ثابتة عن عدد الإصابات، لكن أمكن مشاهدة عدد من المسعفين وهم يتعاملون مع الإصابات، ميدانيا.

ليس هذا كل شيء. فبين مكان وآخر سُمعت أصوات قنابل للصوت كان ضجيجها مضاعفا في بعض الأحيان؛ لأن الطريق كانت بين جبلين، وظل الحال على ما هو عليه حتى وصل المشاركون إلى الأرض المنوي حراثتها، ليبدأ فصل جديد من فصول القمع التي اتبعها الاحتلال.

بينما كانت أصوات قنابل الصوت تدوي، اقتحم صوت جرار زراعي كان قد وصل للتو المكان، وشرع بحراثة إحدى الأراضي الزراعية.

وشوهد تجمهر بشري يحيط الجرار من كافة الجوانب، وهم يرددون شعارات وطنية منددة بصفقة القرن، ونية إسرائيل ضم الأغوار.

متنقلا في الأرض بشكل دؤوب، قال حسام بشارات، وهو واحد من المزارعين الذين تمكنوا من زراعة أراضيهم اليوم: "هذه المرة الأولى التي نزرع فيها هذه الأرض منذ أكثر من 15 عاما".

وأضاف: "هذا إنجاز كبير".

ثم أسهب الرجل بالحديث لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" عن محاولات العائلة فيما مضى، فلاحة الأرض، لكن الاحتلال كان يفشلها.

وقال: "كانت ممنوعة من الزراعة (...)، فقط استخدمها الاحتلال لدباباته وآلياته العسكرية".

وأشار بيده بشكل دائري وهي على استقامتها، وقال: هذه حدود أرضنا.. إنها 75 دونما لم نزرعها.

وقد ملأ كفه بحفنة تراب وأخذ بالشرح عن خصوبة الأرض.

المستوى الرسمي اعتبر هذه الفعالية تأتي لتثبيت الحق الفلسطيني في الأغوار، التي تنوي إسرائيل ضمها.

وقال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير وليد عساف، خلال حديثه لعدد من الصحفيين، "لا مكان لنا غير أرضنا، ونبعث بهذه الرسالة بأن إرادة الشعب بوحدته هي المنتصرة".

يؤكد بشارات الكلام ذاته، وهو شاب في أواخر العشرينيات من عمره، وكان يزيل الحجارة من الأرض بعد حراثتها للمرة الأولى.

وبالرغم من أن الموسم الزراعي البعلي قد مضى عليه ما يقارب الشهر، فإن بشارات ذاته يرى أن الهدف من زراعة الأرض هو تثبيتها.

وقال: "لن نخسر على أية حال، يكفي أننا استطعنا زراعتها في وقت تتحدث فيه إسرائيل عن ضمها للأغوار الفلسطينية"..

 

 

المصدر: الأغوار (أم القبا) - الحارث الحصني -