"ياحادي العيس سلّم على القدس وقل لها : لو نسيتك قَطعي رأسي"

بقلم: محمد العبد الله

محمد العبد الله

"هل يعرف بعض الزعماء أن الثورة لايصنعها هُم في غرف العمليات، بل يصنعها الشعب المتحد  الواعي – بالدم في الشارع والساحات"

-" عمّان في أيلول " من قصيدة مقطوعة الرأس عن شعب بسبعة أرواح.

الشاعر توفيق زيّاد

مدخل:

لم تكن الساعات الأولى ليوم الخميس 6 شباط / فبراير الحالي تشبه مثيلاتها في اليوم السابق، ففي الوقت الذي كانت فيه طائرات العدو الصهيوني تقصف بصواريخها من فوق الجولان العربي السوري المحتل ب عدة مواقع في محيط مدينة دمشق، كانت سيارة الفدائي " سند الطرمان " تدهس وتدوس 12 عسكرياً من لواء النخبة "جولاني" في القدس المحتلة في تناغم مع صواريخ الدفاعات الجوية السورية التي أسقطت العدد الأكبر من صواريخ القتل والتدمير الصهيونية قبل أن تصيب أهدافها.

جاءت عملية الفدائي الباكرة لتفتتح موجة جديدة من العمليات الفردية:

- قرب باب الأسباط بالمسجد الأقصى ، فدائي آخر هو " شادي بنا " من مدينة حيفا المحتلة عام 1948 يطلق الرصاص من مسدسه باتجاه عناصر جيش الاحتلال من " حرس الحدود " مما أدى لإطلاق الرصاص عليه بعد مطاردته ليرتقي شهيداً.

- إطلاق النار من سيارة مسرعة على أحد جنود الاحتلال بالقرب من موقع عسكري يقع بين قريتَي خربثا بني حارث، ورأس كركر شمال غرب رام الله مما أدى لإصابة الجندي الذي حضرت طائرة هيلكوبتر عسكرية لنقله للمشفى ، وقد تمكنت المجموعة التي نفذت المهمة من الإنسحاب من المنطقة .

وقد ترافقت هذه العمليات مع مواجهات عنيفة مع قوات جيش العدو في مدينة جنين التي رافقت جرافات عسكرية لهدم منزل الأسير " أحمد قنبع " للمرة الثانية . وفي محاولة لمنع هدم المنزل، واجهت الجماهير المحتشدة بالقرب من منزل الأسير محاولات اقتراب الجيش والآليات، بالحجارة ما دفع بقوات الغزاة المحتلين لإطلاق الرصاص على المحتجين ما أدى لارتقاء الطالب الجامعي الشاب "يزن أبو طبيخ" من سكان وادي برقين في جنين، شهيداً . كما أدت المواجهات مع الفدائيين بالمدينة إلى استشهاد "الرقيب أول" في الشرطة الخاصة بأمن السلطة " طارق لؤي بدوان – من قلقيلية" أثناء تواجده مع زملاء له على مدخل أحد المقرات الأمنية بالمدينة. ولاحتواء تبعات استشهاد رجل أمن السلطة ، نشرت صحيفة " يديوت أحرونوت ، تقريراً جاء فيه(أن مسؤولين أمنيين "إسرائيليين" وفلسطينيين أجروا طوال اليوم محادثات في محاولة للوقوف وراء أسباب استشهاد شرطي فلسطيني برصاص قوات الجيش، وكذلك في محاولة لتهدئة الأوضاع التي بدأت بالتوتر، كما أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" ما زال مستمراً ولم يتوقف).

 دلالات أحداث الضفة في الساعات الأخيرة

فاجأت التطورات المتسارعة في القدس والضفة المحتلتين حكومة العدو وأجهزة صنع القرار السياسية وأدواتها التنفيذية في الأجهزة العسكرية والأمنية. فقد اعتقد التحالف الأمبريالي الصهيوني الرجعي العربي بأن صفقة / سرقة القرن التي تتمدد من خلال السطو : الأيديولوجي بتبريراته الدينية والقانونية المزيفة تارة، والمفبركة غالباً، والمدعومة بترسانة مسلحة بالرصاص والصواريخ و...العملاء، لم يقف بمواجهتها على أرض الصراع التاريخي الأزلي في فلسطين، سوى بضعة عشرات من الشباب الغاضب الذي سُيخلي الساحات والشوارع بعد " ساعات من الصراخ والهتافات ضد الصفقة ، لاأكثر". على الجانب الآخر، ظنت القيادة الرسمية للسلطة، أن الشعب الغاضب سيلتزم بسلمية التحركات التي تُضبط فيها الشعارات، وتُمنع فيها إحراق صور " ترامب " تحت مراقبة ومشاركة رجال أمن السلطة بلباسهم المدني.

لقد أكدت الأحداث في يومي الخميس والجمعة: العمليات الفدائية بالسلاح الناري، والدهس ، كما المواجهات العنيفة الممتدة من "محافظة جنين شمالاً حتى محافظة الخليل جنوباً، ومابينهما في قلقيلية ورام الله والقدس والمخيمات، وطولكرم التي استشهد أحد أبناء محافظتها - من بلدة قفين-  الشاب بدر نضال أحمد نافلة هرشة، يوم الجمعة  " على :

- أن المخزون الثوري لدى الشعب في الضفة والقدس المحتلتين،لاينضب، كما أكدت الهبة الشعبية وانتفاضة الشباب في السنوات الخمس الأخيرة، كأمثلة وليس للحصر" القدس المحتلة تشرين أول/ اكتوبر وتشرين ثاني/ نوفمبر 2015، استشهاد باسل الأعرج 6 آذار/مارس 2017 بعد اشتباك مسلح مع وحدة يمام العسكرية بعد مطاردة امتدت عدة أشهر، معركة البوابات الالكترونية عند بوابات المسجد الأقصى تموز/ يوليو2017، ارتقاء أحمد نصر جرار شهيداً يوم 6 شباط / فبراير 2018 بعد استشهاده إثر مطاردة واشتباك مع وحدة "يمام" العسكرية، عملية الشاب أشرف نعالوة بطل عملية بركان واستشهاده باشتباك مسلح مع قوات جيش الاحتلال في 13 كانون الأول/ديسمبر 2018 بعد مطاردة امتدت لمائة يوم ، عملية عمر أبو ليلى واستشهاده بعد اشتباك مع قوات العدو من وحدة " يمام " يوم 19 / 3 / 2019 ، هبة مُصلى باب الرحمة شباط / فبراير 2019 " .

- أكدت مواكب / جنازات الشهداء في الخليل "محمد سلمان الحداد"،  وجنين " يزن أبو طبيخ وطارق بدوان " على مواقف الآلاف المشاركة بالتشييع: التحام الشعب بفدائييه وشهدائه وعلى رفضه لصفقة / سرقة القرن وتمسكه بالمقاومة المسلحة والشعبية كنهج في مواجهة التصفية. وتؤكد تلك المواكب والمواجهات في الشوارع والساحات والتجمعات الاحتجاجيةعند الجدار الكريه الذي يصادر الأرض ويعزل أبناء الشعب الواحد، على أنها التعبير الحقيقي لقياس الموقف الشعبي من الصفقة / السرقة ، ومن كل النهج الكارثي الذي مهد الطريق لها.

- أن وحدة الشعب وقواه الحقيقية المقاومة للاحتلال، تتحقق في الميدان وعلى أرض الصراع في مواجهة الغزاة المستعمرين، وليس في قاعات الاجتماعات الفصائلية التي فشلت في أكثر من لقاء – ماحصل مؤخراّ في اجتماعات دمشق قبل أسبوعين تقريباً- من إصدار بيان أو إعلان أو تسيير مظاهرة ضد الصفقة/السرقة، بسبب إصرار وفد حركة فتح/حزب السلطة وبعض الفصائل على اشتراطات تعجيزية نابعة من نهجها السياسي  .

خاتمة:

لقد أسقطت العمليات الفدائية البطولية والتحركات الشعبية كل الرهانات على أن الشعب الفلسطيني سيتنازل عن حقه التاريخي في وطنه، وسيساوم على كرامته وسيادته وتاريخه الكفاحي الممتد على أكثر من قرن من الزمن، قَدَّم خلاله مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى ، بقطع منعزلة ومفتتة من الأرض، وببضع ملايين من الدولارات .

 في عدة أسطر نشرها بطل عملية الدهس في القدس"سند الطرمان" على وسائل التواصل الاجتماعي قبل تنفيذه عمليته الفدائية، نقرأ عبارة "وجدت أجوبتي" في استحضار للمثقف المشتبك، الشهيد " باسل الأعرج " ، فكراً وممارسةً.

أعاد "سند" بقراره والطريق الذي اختاره ماكتبه باسل الأعرج في وصيته " وأنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعاً وجدتُ أجوبتي".

إنها الوصية / العهد الذي ينتقل من جيل إلى جيل حتى يتحرر الوطن الفلسطيني من بحره إلى نهره.

بقلم: محمد العبد الله

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت