لم يفجر الرئيس عباس, أي من انواع "المفاجآت السياسية", لا في اطارالواقعية الثورية والسياسية, ولافي اطار"العضلات" الخطابية والسفسطائية الاعلامية، في خطابه" التاريخي" في مجلس الامن يوم 11 فبراير 2020، لقد قدم خطابا "باهتا" شكلا ومضمونا، لم يرتقي الى مستوى الرد الفلسطيني المطلوب, على التطورات السياسية التي تعصف بالقضية الوطنية الفلسطينية وتسعى الى تهميشها والغائها,بل سادته "الخفة الكلامية" والتسول السياسي, من كيان الاحتلال وامريكا, واستجداء اروقة الشرعية الدولية وعطفها الانساني, وتقديم شهادة حسن سلوك لأمريكا و"إسرائيل" بالتزامه الصارم بكل اتفاقات الذل والعار واستحقاقاتها على الأرض, ونبذه لكل خيارات المقاومة الفلسطينية بإدانته" للعنف", وكأن المقاومة الوطنية الفلسطينية بكل ادواتها وخياراتها ضد المحتل الغاصب أصبحت" عنفا وارهابا", باستثناء خياره الاستراتيجي والوحيد بالرهان على المفاوضات الثنائية العقيمة والمقيدة بسقف أوسلو, والهدف "خلق" كيان فلسطيني مهمته حماية الاحتلال, من خلال تواصل التنسيق الأمني المشترك معه.
أضاع عباس، الفرصة السياسية والتاريخية وقارب "النجاة" لتلاطم اوهامه السياسية هو ونظامه السياسي، عندما أعلن للملأ وفي خطابه عن "إفلاسه السياسي " هو وشريحته ،في الوقت الذي كان عليه ان يتقدم بصفته "قائدا" لشعب مدافعا عنه مقاتلا في سبيل قضيته الوطنية، وليس مستعطفا ومستجديا "فتات طعام" الاخرين في وليمة ذبح الفلسطينيين، و الحقيقة تقول ومنذ سنوات طويلة، ليس هناك" شريكا" للفلسطينيين في "بناء" السلام، بل بات واضحا ان التهويد والاستيطان وسياسة الضم الزاحف أصبح القضية المركزية لكل القوى المرشحة لتشكيل الحكومات "الإسرائيلية".
فعلى أي "مفاوضات" وعلى أي "سلام" وعلى أي "شريك" يتحدث عباس؟! في الوقت الذي أعلن فيه ترامب ونتنياهو عن صفقتهم المشبوهة والمنحازة كليا للاحتلال الاسرائيلي..!!
"إسرائيل" هي التي ترفض السلام، وهدفها من عملية التفاوض هو كسب الوقت ليس إلا، بهدف تكريس واقع الاحتلال وجعله امرا واقعا، ضاربة بعرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن, واعتماد خيار السلام والمفاوضات هو الذي يجعل المؤسسة الصهيونية تتعنت وتتمادى أكثر وأكثر.
لم يعد هناك من خيارات أمام عباس، سوى الاستعداد لمواجهة ما أنتجته رهاناته على "السراب السياسي واوهامه" وكل ما خدم مشروع الاحتلال من تجليات أوسلو وتداعياته، وافلاس رؤيته السياسية القائمة على المفاوضات العقيمة والشراكة مع أجهزة الاحتلال، ولم يبقى له الا "التقاعد" السياسي بدون خاتمة محمودة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني.
لقد تبخرت روح المواجهة والتصدي لـ "صفقة القرن" ولكل المخططات التصفوية للقضية الفلسطينية في "نهج" عباس وأركان سلطته، لا سياسيا ولا خطابيا، وبقدرة قادر تحول خطاب المواجهة -ولو إعلاميا -الى خطاب المهادنة والاسترضاء لترامب ونتنياهو، بعد لقاءاته الخاصة ومن خلف الكواليس ببعض وزراء الخارجية العرب على هامش اجتماع الجامعة العربية، مثلما اختفت الأخبارعن الاتصالات الفلسطينية الداخلية الجادة, لاستثمار فرصة إعلان "الصفقة" كلحظة مؤسسة لاستعادة الوحدة الفلسطينية وانهاء الانقسام الفلسطيني، من دون وضع عراقيل "مصطنعة" على طريق وحدة البيت الفلسطيني من الداخل.
وتظهر عدم الجدية في التعامل مع الوحدة الداخلية والقفز عن العقبات المصطنعة امام انهاء الانقسام الفلسطيني، انه وبعد اللقاء القيادي الرمزي في رام الله، وما أقره من إرسال وفد إلى قطاع غزة تمهيدًا لزيارة عباس، عدنا إلى المماطلة والتسويف، ما يدل على ان " ريما عادت لعادتها القديمة"، وما يجري هو إعادة إنتاج الطريقة السابقة التي أدخلت حوارات واتفاقات الوحدة في دوامة لم تخرج منها.
من جانب اخر، لم ترتق ردود الفعل الفلسطينية الشعبية والجماهيرية إلى مستوى الخطر الذي تمثله "الصفقة"، لأن الشعب لا يلبي نداء القيادة ويتحرك عبر "روموت كونترول"، ولأنه يرى عدم الجدية في موقف القيادة ولا القوى الفصائلية الفلسطينية، فلا رؤية ولا استراتيجية وطنية جديدة في الأفق الفلسطيني، تلغي الأوهام والرهانات على طريق الاستراتيجيات الأحادية، وخصوصًا طريق المفاوضات الثنائية والتنازلات المجانية.
يبدو أن قيادة السلطة الفلسطينية مصرة على نهجها "العدمي" وهدى أوسلو، بعدم التصعيد مع الاحتلال وعدم إسقاط التنسيق الأمني معه، وتغذية الانقسام الداخلي وفق اجندات خارجية، ومواصلة الرهان على خطاب تثبيت الحقوق الفلسطينية "إعلامياً" فقط، دون خطوات ملموسة في الميدان، وعودة الرهان على الذي "لا رهان عليه", المفاوضات الثنائية العقيمة ومهادنة ترامب ونتنياهو، وعلى ان تمارس السلطة وظيفتها المحددة لها في هدم الحقائق الفلسطينية خدمة لمشروع الاحتلال وسياساته.
ان تعنت القيادة الرسمية للسلطة الفلسطينية بعدم مراجعة سياساتها وبرامجها ورهاناتها وفقا لمتطلبات المرحلة، انها حكمت على نفسها بنفسها، بان تستمر حاضرة غائبة في مشهد "البلادة السياسية"، والارتهان لسياسات الاخر، وتحوّلها إلى مجرد وكيل أمني لكيان الاحتلال، يعفيه من تبعات وتكاليف عملية الاحتلال نفسها.
ان استمرار السلطة الفلسطينية بنفس المفاهيم والأدوات المجردة من أي ورقة ضغط حقيقية، ومراجعة نقدية شاملة لمسيرتها، هو الإعلان الصريح عن فقدانها لشرعيتها السياسية – الغائبة أصلا بغياب الانتخابات التشريعية -لقيادة الشعب الفلسطيني, وهي الغير مؤتمنة على حقوقه ومقاومته وتضحياته، وهو الإعلان الصريح للعمل على إيجاد البدائل الوطنية القادرة على قيادة الشعب الفلسطيني في معركة التصدي لصفقة "القرن", وبلورة الاستراتيجية الوطنية المقاومة للاحتلال وسياساته, من خلال تكريس وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة قواه الوطنية والسياسية الحية والفاعلة,لاحداث التغيير النوعي والجذري في الحالة الفلسطينية من خلال انتفاضة فلسطينية ثالثة, في وجه الاحتلال وقطعان مستوطنيه, وكل استحقاقات أوسلو وتجلياته الأمنية المشتركة.
المطلوب فلسطينيا:
- الدعوة الفورية الى لقاء قيادي فلسطيني، يضم الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريروامناءالمجالس التشريعية، وممثلين عن كل القطاعات الجماهيرية والمدنية, للاتفاق حول سبل الخروج من ازمة الحالة الفلسطينية وإنتاج أدوات الصمود والمقاومة مع صفقة ترامب – نتنياهو، من خلال رؤية شاملة واستراتيجية وطنية جديدة وشراكة حقيقية، قادرة على تلبية متطلبات المرحلة الراهنة من مسيرة المشروع الوطني الفلسطيني.
- يقوم المجلس الوطني الفلسطيني بحل السلطة الفلسطينية وحكومتها المؤقتة، والإعلان على ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين تحت الاحتلال، استناداً لقرار 67/19 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي ترتقي فيه فلسطين من كيان غير عضو الى دولة غير عضو تحت الاحتلال, ويمكن الاعتماد على ما جاء في ديباجة القرار رقم A/RES/67/19 الذي نص على "أن الجمعية العمومية، إذ تضع في اعتبارها ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أنيطت بها، وفقاً لقرار المجلس الوطني الفلسطيني، سلطات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين (A/43/928 )....
- إعادة هيكلة كل مؤسسات السلطة الفلسطينية، وبما يتضمن تغيير شكلها وطبيعتها ووظائفها والتزاماتها وموازنتها، والحاقها في مؤسسات منظمة التحرير، بحيث تكون أداة لخدمة الشعب الفلسطيني وبرنامجه الوطني، ومرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية، بعد إحيائها وإعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الفلسطيني، لكونها الكيان الوطني والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني, وصاحبة القرار السياسي والوطني قولًا وفعلًا.
- تشكيل جبهة وطنية عربية إسلامية دولية، تعمل على إسقاط صفقة ترامب، وتدعو الى عقد المؤتمر الدولي للسلام بالشرق الأوسط، استنادا الى القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
- توفير كل اشكال الدعم والصمود للفلسطينيين فوق ارضهم، لمواجهة سياسات الاحتلال التهويدية والاستيطانية.
-
د. باسم عثمان
الكاتب والباحث السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت