عقدت مجلة "الحرية" الفلسطينية ندوة صحفية ادارت فيها حواراً مع نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، تناولت فيه تداعيات اطلاق رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب "رؤيته للسلام"، وكيفية الرد الوطني عليها، وتوقفت أمام الحالة العربية والعلاقة مع الولايات المتحدة.
وفيما يلي النص الكامل للحوار مع حواتمة:
■ ماهي خطتكم لإسقاط "صفقة القرن"؟
■■ كنا أول من تنبه لخطورة هذه "الصفقة"، ورفضنا أن يطلق عليها إسم "صفقة القرن" لأنها كانت تقوم على نسف ما أنتجه القرن العشرون، والواحد والعشرون، من قرارات وقوانين دولية لحل المسألة الفلسطينية، بما يضمن الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني. لذلك طالبنا أن تسمى بإسمها الفعلي بـ صفقة "ترامب – نتنياهو" لأنها كانت مشروعاً مشتركاً بين الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة الجمهوري ترامب، وحكومة تحالف اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل بقيادة نتنياهو. ومشروع ترامب 81 صفحة باللغة الإنكليزية يسميها "رؤية" ترامب مكررة عشرات المرات وفي كل صفحة، لا يأتي إطلاقاً على ذكر "صفقة القرن".
قرأنا "الصفقة" كيف تقوم على نسف القوانين وقرارات الشرعية الدولية، وتهدف إلى تكريس الواقع الاحتلالي والاستعماري الاستيطاني، وما أنتجه هذا الواقع من ظلم بحقوق شعبنا، حلاً دائماً للمسألة الفلسطينية، عبر تصفية حقوقنا المشروعة، وإقامة إسرائيل الكبرى، وفي القلب منها مجموعة من الغيتوات والبانتوستانات المغلقة والمحاصرة بالاستيطان، على أجزاء متناثرة من الضفة الفلسطينية، يطلق عليها زوراً وبهتاناً "الدولة الفلسطينية"، مجردة من كل علامات السيادة، تخضع في كافة مجالات الحياة للسيطرة والهيمنة الكاملة لدولة الاحتلال. حل يقوم على التمييز العنصري، والفاشية، وإذلال الشعب الفلسطيني، وامتهان كرامته الوطنية والشخصية، مقابل إغراءات سخيفة ببضعة ملايين (أو حتى مليارات) من الدولارات، ثمناً للوطن، والأرض، وللحرية وللإستقلال، وللكرامة الوطنية. هذا كله ناضل شعبنا لأجله أكثر من مئة عام، وقدم في سياقه مئات آلاف الشهداء والجرحى، وعانى العذابات والقهر، والاستبداد، والجوع والبرد والعطش والتشرد والدموع، وبالتالي هو ليس على استعداد لأن يدخل هذه الصفقة وأن يكون طرفاً فيها، لأنها صفقة تصفية القضية وحقوق شعبنا الفلسطيني، وصفقة شطب وجوده على الأرض.
وإذا كان بلفور قد قدم وعده للحركة الصهيونية بوطن قومي في فلسطين، باعتبارها "أرضاً بلا شعب"، فإن ترامب – نتنياهو، يعملان على تحويل شعبنا إلى "شعب بلا أرض". من هنا، وباكراً، دعونا لعدم الرهان على "حل مقبول" يأتي من هذه الصفقة، ودعونا باكراً للخروج من سياسة الرهانات الفاشلة: سياسة الرهان على أوسلو بعد أكثر من ربع قرن على المفاوضات الفاشلة قدمت كل شيء للاحتلال ومن فشل إلى فشل، وألحقت بشعبنا الكوارث؛ سياسة الرهان على استئناف المفاوضات الثنائية تحت الرعاية الأميركية المنفردة، التي أعلنت إفلاسها على يد وزير خارجية الإدارة الأميركية السابقة جون كيري في نيسان/أبريل 2016، بعد أن رفض نتنياهو النزول عند متطلبات المفاوضات كما رسمتها الولايات المتحدة نفسها، وهي تجميد جزئي للاستيطان، وليس كلياً؛ سياسة الرهان على دور ما للرباعية الدولية مارس 2003 (الولايات المتحدة، روسيا الاتحادية، الاتحاد الأوروبي، الأمين العام للأمم المتحدة) التي دخلت في الموت السريري بعد أن همشتها الولايات المتحدة وأقصتها وعطلت عليها أي دور في رعاية العملية السياسية؛ وأخيراً، وليس آخراً، سياسة الرهان على أن الحل سيكون على يد ترامب وصفقته.
الآن ماذا يقدم لنا ترامب؟!
يقدم لنا حلاً، هو في الحقيقة، ليس حلاً سلمياً، بل هو إعلان حرب، تشنها إدارة الولايات المتحدة على شعبنا وحقوقه إلى جانب الإحتلال الإسرائيلي. "حل" يقوم على شطب القدس، وشطب حق العودة، وتشريع الإستيطان وضم الأرض، وتهويدها، والقبول، مقابل ذلك، بحكم إداري ذاتي على أجزاء من الضفة الفلسطينية، في خارطة لسلسلة من البقع الجغرافية المتناثرة. تفصل بينها المستوطنات، والطرق الإلتفافية والمواقع والحواجز العسكرية والأنفاق والجسور، انتزعت منها الأراضي الخصبة والغنية بالمياه. بلا سيادة فلسطينية، فالسيادة على الأرض والأمن والمعابر للاحتلال الإسرائيلي. حدودها يرسمها الإحتلال كيفما شاء تحت خطة "رؤية ترامب- نتنياهو". تخضع بشكل تام لسلطة إحتلال فاشي بغيض عنصري بامتياز. قطعان من السكان يعملون في خدمة الإقتصاد الإسرائيلي، وتحت الهيمنة الإسرائيلية، تشطب ثقافتهم وتاريخهم الوطني، وتزرع بدلاً من هذا كل قيم الإستسلام، والإنبطاح، والخداع، والخنوع والتبعية، واليأس القاتل، وفقدان الأمل بأي مستقبل وطني. أي بأقل كثيراً من الحالة التي يعيشها أهلنا في الـ 48، والذين يتمتعون، على الأقل، بالجنسية الإسرائيلية، وبحق المواطنة، وإن كانت مواطنة مشوهة خاضعة للتمييز العنصري (قانون القومية وحق تقرير المصير لليهود فقط). ما هو معروض علينا أدنى من هذا بكثير، قطعان من البشر، في حظائر سكانية، تدعى مدناً أو بلدات، يطوقها جيش الإحتلال، ويفرض عليها إجراءاته الكيفية، والكيدية، مقابل "سلام" يلغي الوجود الفلسطيني، ويفك عزلة إسرائيل، عربياً، ودولياً، ويدمجها في المنطقة، ويعزز مكانتها، بل ويفتح الباب لتسيّدها على المنطقة، مستفيدة من الدعم والإنحياز اللامحدود اللذين تقدمهما لها الإدارات الأميركية (السلاح، المال، السياسة).
ما هو ردنا وما هي خطتنا ؟
ردنا هو، ببساطة، التمسك بالبرنامج المرحلي (البرنامج الوطني) برنامج العودة، وتقرير المصير والدولة المستقلة.
أما عن خطتنا، لتحويل برنامجنا إلى مهام كفاحية نضالية، في الصف الوطني، بين الجماهير، وفي المؤسسات الوطنية، في المناطق المحتلة عام 67، وفي مناطق الـ 48، وفي مناطق الشتات واللجوء، فإننا سبق وأن قدمناه في أكثر من محطة للحركة الوطنية الفلسطينية ولحركة التحرر العربية، ولأصدقائنا في المجتمع الدولي، وناضلنا وما زلنا نناضل من أجل تحقيقه. فنحن لم نعش لحظة واحدة في فراغ سياسي، بل كنا على الدوام في قلب المعركة على أكثر من محور، تشكل هذه المحاور في مجموعها التصدي لصفقة ترامب - نتنياهو (التي باتت الآن "رؤية" ترامب - نتنياهو) كما تم عرضها على الرأي العام في المؤتمر الذي عقده الثنائي، في الجناح الشرقي للبيت الأبيض، في 28/1/2020.
- على الصعيد الوطني الداخلي
1) نعمل ونناضل من أجل تصحيح العلاقات بين فصائل م. ت. ف. وتصويبها، على أسس إئتلافية، تقوم على مبادئ الشراكة الوطنية، بديلاً عن سياسة التفرد والإستفراد، والإقصاء والتهميش، وبما يعيد لقيم الإئتلاف الوطني، والشراكة الوطنية إعتبارها؛ وبما يعزز مفهوم الوحدة الوطنية.
2) إعادة الإعتبار للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الإئتلافية، وإعادة تسليحها وتفعيل الدوائر التي تعزز صلتها بالحركة الجماهيرية، وميادين العمل السياسي والدبلوماسي، كالدائرة السياسية، ودائرة شؤون اللاجئين والثقافية والتربية والتعليم والإعلامية، والمنظمات الشعبية.
3) إعادة تشكيل المجلس الإداري للصندوق القومي في م. ت. ف. باعتباره الصندوق القومي لشعبنا، وظيفته أن يوفر الموازنات لمؤسسات م. ت. ف. وفصائلها، واتحاداتها، بموجب قرارات يرسمها المجلس الوطني، ملزمة للجنة التنفيذية، بما يعزز من صمود شعبنا واتحاداته، ونقاباته، وجمعياته، وأحزابه وقواه السياسية.
4) الإنتقال إلى إنهاء الإنقسام، واستعادة الوحدة الداخلية على أسس ديمقراطية، عبر إنتخابات شاملة، رئاسة السلطة، وللمجلسين التشريعي (في السلطة) والوطني (في م.ت.ف) على أسس ديمقراطية، بنظام التمثيل النسبي، وبعتبة حسم لا تتجاوز 1 بالمئة، كما تمّ التوافق عليه وطنياً وتم تجسيده بقانون إنتخابي ملزم، يعيد المجلس الوطني انتخاب لجنته التنفيذية، الجديدة ولجانه البرلمانية، ما يمكن من توحيد شعبنا، في المؤسسة، وفي البرنامج، وفي الحقوق، وما يعزز الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا، الإطار الجامع لكل فصائل العمل الوطني، ومؤسسات المجتمع المدني، وتياراته السياسية على اختلاف اتجاهاتها، تحت سقف البرنامج المرحلي، برنامج الإجماع الوطني، العودة وتقرير المصير والإستقلال.
إن الوحدة الوطنية القائمة على أسس راسخة، ديمقراطية، مؤسساتية، برنامجية، وفق قيم ومفاهيم ومبادئ الإئتلاف والشراكة الوطنية في هذه المرحلة، مرحلة التحرر الوطني، بديلاً للإستئثار، والتفرد والتهميش والإقصاء، هو الممر الإجباري لضمان الفوز في معركة إسقاط "رؤية ترامب" وتحصين البيت الفلسطيني، وتحصين الحركة الوطنية، والحركة الشعبية، وتوفير الضمانات لإغلاق وسد الثغرات والنوافذ، تتسلل منها محاولات العبث بالوضع الداخلي الفلسطيني، وخلق الإنقسامات في صفوفه، وتحويل قضيته الوطنية إلى مجرد وسيلة في حروب وصراعات إقليمية، يتم زج شعبنا فيها على حساب قضيته وحقوقه الوطنية، كأولوية قصوى، لا تعلو فوقها أية أولوية أخرى.
أما على الصعيد السياسي فإن برنامجنا يستند إلى الخطوات التي تخرجنا من أوسلو واتفاقياته، وتحررنا من قيوده والتزاماته، لصالح العمل والنضال بمهام البرنامج الوطني، كما أعيد التأكيد عليه في قرارات المجلس المركزي في م.ت.ف في 5/3/2015، وأعيد التأكيد على هذه القرارات وتطويرها في قرارات المجلس المركزي في 15/1/2018 والمجلس الوطني في 30/4/2018 وتكون تفصيلها كالتالي:
1) الإعلان رسمياً عن وقف العمل بإتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الإقتصادي، وإبلاغ ذلك في مذكرات رسمية، لدولة الإحتلال والمنظمات الدولية والإقليمية كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومحكمة الجنايات الدولية والمحكمة العليا في لاهاي، والمجلس العالمي لحقوق الإنسان وغيرها.
2) سحب الإعتراف بدولة الإحتلال (إسرائيل) إلى أن تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، ويتوقف الإستيطان وقفاً تاماً، عملاً بقرار مجلس الأمن في نهاية ديسمبر2016، وبإجماع أعضائه، رقم 2334.
3) وقف التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال وقفاً تاماً، في كافة الميادين، وكافة الأشكال. وتكليف الأجهزة الأمنية بحماية شعبنا ضد الأعمال العدوانية لقوات الإحتلال وقطعان المستوطنين.
4) الشروع في تطبيق مدروس لخطة الإنفكاك الإقتصادي عن دولة الإحتلال، كما رسمتها لجان الدراسة المكلفة من قبل اللجنة التنفيذية، والتي كان قد شارك في إحداها رئيس الحكومة الحالي محمد اشتيه، وهو صاحب الإقتراح بوقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي في سياق مقاطعة إسرائيل إقتصادياً.
5) وقف التنسيق الأمني مع وكالة المخابرات الأميركية، بذريعة مجابهة الإرهاب، في الوقت الذي تصم فيه الولايات المتحدة م. ت. ف. بأنها منظمة إرهابية، وأغلقت لها مكتب مفوضيتها في واشنطن. نحن حركة تحرر وطني، تقدمية ثورية في مضمونها، من المعيب أن تتعاون مع وكالة مخابرات، مهمتها الأبرز التخطيط للتخريب على الشعوب وعلى القوى التقدمية والديمقراطية والليبرالية الوطنية، والقوى الصديقة لنا في العالم.
6) مد الولاية القانونية للمحاكم الفلسطينية على كامل الأرض المحتلة على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، ومقاضاة كل من ينتهك القوانين الفلسطينية من عناصر في قوات الإحتلال وقطعان المستوطنين ومطاردتهم عبر الإنتربول، وعبر محكمة الجنايات الدولية.
7) استرداد سجل السكان والأراضي من الإدارة المدنية لسلطات الإحتلال، لتأكيد سيادة السلطة الفلسطينية وسيادة م. ت. ف. والشعب الفلسطيني، على نفسه وعلى أرضه.
8) نقل جرائم الإحتلال والإستيطان والحصار لغزة، والإعتقالات الجماعية، والقتل في الشوارع بدم بارد، وإنتهاك قرارات الشرعية الدولية، إلى محكمة الجنايات الدولية، ومتابعة إجراءاتها إلى أن يمثل مجرمو الحرب الإسرائيليون أمام المحكمة، وينالوا جزاءهم العادل عما ارتكبوه بحق شعبنا من جرائم تخالف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
9) طلب العضوية العاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، بالبناء على القرار 19/67 (نوفمبر2012) للجمعية العامة، الذي منحها العضوية المراقبة واعترف بها دولة تحت الإحتلال، وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
10) طلب الحماية الدولية لشعبنا ضد الإحتلال وضد الإستيطان.
11) التقدم إلى الأمم المتحدة بطلب عقد مؤتمر دولي لحل المسألة الوطنية الفلسطينية، بموجب قرارات الشرعية ذات الصلة، وفي فترة زمنية محددة، وبقرارات ونتائج ملزمة، ما يكفل لشعبنا التحرر من الإحتلال والإستيطان، والفوز بالدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران/ يونيو، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب القرار 194 الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
12) وعلى قاعدة هذا كله، وفي مقدمة هذا كله، استنهاض المقاومة الشعبية بكل الأشكال، ضد الإحتلال والإستيطان، نحو إنتفاضة شاملة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يقود إلى عصيان وطني شامل، إلى أن يحمل الإحتلال والإستيطان عصاه ويرحل عن كل شبر من أرضنا المحتلة منذ 5 حزيران/ يونيو 1967.
أما على الصعيد الوطني الشامل فإننا:
- ندعو إلى مؤتمر وطني شامل، يجمع ممثلين عن شعبنا في مناطق الـ 48، والمناطق المحتلة عام 67، وفي الشتات والمهجر، لتوحيد برنامج النضال الوطني الفلسطيني، بما يضمن وحدة شعبنا، ووحدة حقوقه الوطنية وفق الخصوصية السياسية والقانونية والحزبية وغيرها، تحت راية م.ت.ف، ممثلنا الشرعي والوحيد، في مواجهة العدو الواحد، إحتلال واستعمار إسرائيل.
أما بشأن مصير السلطة الفلسطينية؟
- فإننا، وحسماً للجدل، تؤكد رفضنا حل السلطة الفلسطينية. نحن مع القرار الوطني في 28/1/2020، في الإجتماع القيادي الفلسطيني، بتعديل وظائفها من سلطة مقيدة بإتفاقيات أوسلو، إلى سلطة تلتزم تطبيق البرنامج الوطني، في الميدان، في الجانب الإقتصادي والأمني والخدماتي، وغيره، بما يوفر لشعبنا عناصر القوة والصمود والثبات في حرب الإستقلال التي يخوضها، تحت راية البرنامج المرحلي (البرنامج الوطني) لمنظمة التحرير الفلسطينية الإئتلافية، على قاعدة ديمقراطية انتخابية وحدوية.
■■■
■ كيف تقرؤون الموقف العربي؟
■■ "رؤية ترامب" تسير على مسارين. الأول الإقليمي، الثاني فلسطيني – إسرائيلي. عرضنا خطتنا وبرنامجنا الكفاحي في مجابهة الرؤية (الخطة) في المسار الوطني الفلسطيني.
أما على المسار الإقليمي فإن هدف الخطة فهو إقامة حلف إقليمي عربي – إسرائيلي، أميركي للهيمنة الإمبريالية على المنطقة، بذريعة مكافحة الإرهاب، وتطويق البرنامج النووي والإمتداد السياسي لإيران، مصدر الإرهاب وحاضنه الرئيس، وفقاً لمعادلات ترامب.
لا تخفي أن المسار الإقليمي تقدم على المسار الوطني الفلسطيني، في إنفتاح بعض الأنظمة العربية على إسرائيل، كالبحرين، وقطر، وعَمّان، وأخيراً اللقاء بين رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان، ورئيس حكومة الإحتلال نتنياهو.
نحن ندعو الدول والأنظمة العربية إلى الإلتزام ( كحد أدنى) بما قررته القم العربية في بيروت (2002) وفي عَمّان، والرياض وتونس، التي جددت إلتزامها بمبادرة السلام العربية، التي رهنت العلاقة مع إسرائيل بالإنسحاب الشامل من كل شبر من الأرض العربية المحتلة في حرب حزيران العدوانية عام 1967 (الضفة وفي القلب منها القدس، والجولان السوري المحتل، ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا في لبنان)، كما تدعو إلى الإلتزام بقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع أية دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتنقل سفارتها إليها، ومواصلة دعم القضية الفلسطينية في الميدان (مالياً واقتصادياً في ظل الحصار الإسرائيلي) وفي المحافل الدولية، في نضال شعبنا من أجل حقه كاملاً في تقرير المصير والاستقلال والعودة.
■■■
■ ماهي التحديات التي يفرضها الواقع الجديد للصراع مع العدو الإسرائيلي؟
■■ الواقع الجديد للصراع مع العدو الاسرائيلي لاسابق له. فنحن الآن أمام حالة يتطابق فيه الموقف الأميركي مع الموقف الإسرائيلي. بل إن سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، ديفيد فريدمان، يتقدم على حكومة الاحتلال في تطرفه ضد مصالح شعبنا وحقوقه. وبتنا، في الوقت نفسه، أمام موقف إسرائيلي يلتقي فيه اليمين، مع اليمين المتطرف، مع يمين الوسط، وحتى مع الوسط، في مشروع ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، وتطبيق ما جاء في رؤية ترامب. وبالتالي بات هامش المناورة أمام الحالة الوطنية الفلسطينية محدوداً، كما بات هامش الرهانات أمامها هو الآخر محدوداً. ما يحتم علينا، كفلسطينيين، أن نستعيد، كضرورة حتمية، لا مهرب منها، وحدتنا الداخلية بإنهاء الإنقسام وبناء الشراكة والوحدة الوطنية، وأن نستعيد القاعدة التي تؤكد أن العامل الفلسطيني هو الحاسم في المعركة، وأن المعركة في الميدان، هي السبيل إلى الفوز بالحقوق، ما يحتم علينا وضع كل الرهانات الأخرى جانباً.
بقدر ما نتوحد، وبقدر ما نتمسك بالموقف الصلب الثابت، وبقدر ما نصمد، بقدر ما ننجح في استنهاض الدعم القومي العربي والدولي لقضيتنا. في الحركة الشعبية العربية، وفي العديد من العواصم العربية، خاصة الدول المغاربية حيث علامات النهضة الوطنية والقومية لا تحتاج إلى تأكيد، وكذلك ننجح في استقطاب التأييد الدولي الصديق في روسيا والصين وغيرها. وما يجري الآن في الاتحاد الأوروبي من تطورات ونقاشات، يؤكد أن الاتجاه العام لدول الاتحاد هو الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، التي تكفل لنا حقنا في الخلاص من الاحتلال والاستيطان. وننظر إلى تصريحات ممثل السياسة الخارجية للاتحاد، خوسيه بوريل، في التزام "الاتحاد" الشرعية الدولية ورفضه "رؤية ترامب" نظرة إيجابية، كما ننظر إلى تحذيرات "الاتحاد" لإسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطين في حال باشرت بضم المستوطنات، نظرة إيجابية أيضاً، والموقف الايجابي لـ (107) أعضاء كونغرس أميركي ديمقراطي، ضد خطة "رؤية ترامب" ومع حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وهذا بالطبع تراكم في الموقف نتيجة لصمود شعبنا وثباته ونضالاته وتضحياته الغالية.
■■■
■ ما هي آفاق العلاقات مع الولايات المتحدة؟
■■ نحن لا ننظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها كتلة موحدة صماء. بل ننظر إليها كياناً سياسياً متحركاً، يجمع بين الإدارة العليا، والأحزاب والتيارات والقوى والفعاليات المجتمعية. وبقدر ما ننجح في قراءة اللوحة وقراءة الخارطة، بقدر ما ننجح في رسم سياسة صائبة عبر أكثر من محور.
بشأن الإدارة الأميركية، فيجب أن نسقط أي رهان على إمكانية أن تعدل في موقفها، إلا إذا اصطدمت، فلسطينياً بموقف صلب ثابت خارج أي رهان على إمكانية التقاطع مع "رؤية ترامب".
أما في الكونغرس فنحن نراقب الصراع الدائر في صفوفه بين جمهوريين وديمقراطيين، في الجامعات والتيارات الفكرية السياسية ونرى أن على الدبلوماسية الفلسطينية، والعربية، أن تجيد التعامل مع هذا الصراع.
على صعيد الشارع في الولايات المتحدة، هناك جالياتنا الفلسطينية والعربية في العديد من الولايات والمدن الأميركية، والقوى الصديقة، التي تشكل في مجموعها رأس الحربة في النضال الوطني داخل الولايات المتحدة، لكشف حقائق السياسة الأميركية، وكشف زيف إدعاءات اللوبي الصهيوني.
أي إننا، مع الولايات المتحدة، في معركة مركبة معقدة، لا تخاض بلغة واحدة، وبأدوات واحدة، بل تحتاج إلى أكثر من لغة، وإلى تعدد الأدوات، وهذا رهن بحيوية الدبلوماسية الفلسطينية والعربية والدولية، ورهن بحيوية الجاليات الفلسطينية وبحيوية فصائل العمل الوطني في كيفية تفاعلها مع هذه الجاليات. هنا، ندعو إلى إعادة النظر في أوضاع دائرة شؤون المغتربين التي انتزعت من اللجنة التنفيذية في م. ت. ف. وأحيلت إلى جهات أخرى، ما عزلها عن أن تكون جزءاً من السياسة الإستراتيجية الفلسطينية، وحوّلها إلى أداة حزبية من لون واحد، في خدمة سياسة الهيمنة والتفرد، على حساب وحدة الجاليات الفلسطينية وإرادتها المستقلة في بناء أوضاعها بأسلوب ديمقراطي يخدم مصالحها المحلية، ويخدم المصلحة الوطنية العليا لحقوق شعب فلسطين بتقرير المصير والحرية والإستقلال، وحقوق الشعوب العربية في التقدم والديمقراطية والدولة المدنية ودولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية■