المقالة الخامسة:
(17) التوراة تتهم الرب بالضعيف الفاشل، وتُصوِّره بالساذَج الذي يتغيَّر ولا يُغَيِّر:
حين اشتد بنو إسرائيل في تمردهم على الرب وعلى موسى وهارون، قرر الرب عقابهم بالفناء، ولكن موسى يتدخل لصالح شعبه، فيقنع الرب أنه إذا قتلهم وسمعتِ الشعوب بذلك فسيتقولون عليك يارب الأقاويل، وسيتهمونك بالضعيف الفاشل غير القادر على حماية شعبه وإدخالهم الأرض، وسيقولون: " لأن الرب لم يقدر أن يُدخِل هذا الشعب إلى الأرض التي حَلَف لهم، قَتَلَهم في القفر. فالآن لِتَعْظُم قدرة سيدي كما تكلَّمتَ قائلا: الرب طويل الروح، كثير الإحسان، يغفر الذنب والسيئة، لكنه لا يُبْرِئ، بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع.- (وما زال يلح عليه موسى)- اصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك، وكما غفرتَ لهذا الشعب من مصر إلى ههنا.( الرب يستجيب إرضاء لموسى). فقال الرب: قد صفحتُ حسب قولك ". عدد صح 14: 16-20. ومع هذا الصفح فإنَّ في نفس الرب غضباً وسُخطاً عليهم، واكتفى بأنه أسقط خيار قتلهم. فيقول الرب حانقاً: " إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي التي عملتها في مصر وفي البرية، وجرَّبوني الآن عشر مرات، ولم يسمعوا لقولي، لن يرَوْا الأرض التي حَلَفتُ لآبائهم. وجميع الذين أهانوني لا يرثونها". عددصح14: 22- 23.
(18) الرب يعاقب بني إسرائيل بالموت لمن كان ابن سن العشرين فصاعداً، وبالتيه أربعين سنة:
طلب الرب من بني إسرائيل- بعد أن صفح عنهم - أن ينصرفوا من الغـد بقـيادة موسى ويرتحلوا إلى القفر في طريق بحر سُوف ( قيل بحر سُوف هو البحر الأحمر، وقيل هو القرن الغربي للبحر الأحمر المسمى خليج كاليسما- السويس اليوم)، ولكنهم عصوا الأوامر وتمردوا على أمر الرب، واتهموا موسى وربه بالتآمر على إخراجهم من أرض مصر ليموتوا في البرية. فغضب الرب منهم وسخط عليهم، وكلم الرب موسى وهارون قائلا: " حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ؟. قد سمعتُ تذمر بني إسرائيل الذي يتذمرونه عليَّ. قلْ لهم: حيٌّ أنا يقول الرب، لأفعلنَّ بكم كما تكلمتم في أُذنيَّ. في هذا القفر تسقط جثثكم، جمع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعداً الذين تذمروا عليَّ. لن تدخلوا الأرض التي رفعتُ يدي لأُسكننَّكم فيها، ماعدا كالب بن يُفَنَّة، ويشوع بن نون (هما الوحيدان من بين فرقة التجسس اللذَان لم يَشِيعا المَذمَّة على الأرض، ولم يُخَوِّفا الشعب من بطش الكنعانيين العمالقة به، بل شجَّعاه على دخول الأرض ومحاربة أهلها). أما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة فإني سأُدخلهم، فيعرفون الأرض التي احتقرتموها. فجثثكم أنتم تسقط في هذا القفر، وبنوكم يكونون رعاةً في القفر أربعين سنة، ويحملون فجوركم حتى تَفنى جثثكم في القفر. كعدد الأيام التي تَجَسَّسْتُم فيها الأرض أربعين يوماً، للسنة يوم. تحملون ذنوبكم أربعين سنة فتعرفون ابتعادي. (يعني: كل يوم تَجَسُّس بسنة تِيهاً في الصحراء، فأيام التجسس أربعون يوماً، يقابلها أربعون سنة تيهاً وضياعاً، حتى تعرفوا قيمتي لديكم). أنا الرب قد تكلمتُ. لأفعلنَّ هذا بكل هذه الجماعة الشريرة المُتَّفِقة عليَّ. في هذا القفر يفنون". عدد صح14: 26- 35 .
(19) الرب يعاقب موسى، فيموت ولم يدخل الأرض الموعودة، ومن قبل ماتت مريم:
تتهم التوراة نبيهم موسى بمخالفة الله وعصيان أمره، وذلك له قصة ذكرناها في المقالة السابقة، ولا بأس من إعادتها هنا بشيء من التفصيل: فقد ارتحل موسى بشعبه في رحلة الخروج من مصر إلى أن وصلوا برية صِينَ ( ليست سيناء) وأقام الشعب في قادش، وهو المكان الذي ماتت فيه ودُفِنت مريم (أخت موسى وهارون). ولم يكن في هذا المكان ماء ليشربوا، وكادوا يموتون عطشاً، فخاصموا موسى، وتمنوا لو أنهم ماتوا قبل الخروج، بل إنهم فضَّلُوا الموت على مطاوعته والخروج معه من مصر بلد الاستقرار والطعام والماء العذب، فأخذوا يندبون حظهم العاثر، مجددين أمنياتهم بالموت، مُفضِّلينه على عيشهم في البَريَّة الفقيرة التي تنعدم فيها مظاهر الحياة. ثم أخذ صوتهم يعلو ويصرخ في وجه موسى وهارون ساخطين متذمرين في خصومة حامية، يكيلون لهما صنوف اللوم على إخراجهم من مصر، ويُظهرون بالغ الأسف والندم على اتِّباعهما. " وخاصم الشعب موسى وكلَّمُوه قائلين: ليتنا فَنِينا فناء إخوتنا أمام الرب. لماذا أتيتُما بجماعة الرب إلى هذه البريِّة، لكي نموت فيها نحن ومواشينا؟ ولماذا أصعدتُمانا (أخرجتُمانا) من مصر؛ لتأتِيا بنا إلى هذا المكان الرديء؟ ليس هو مكان زرع وتين وكَرم ورُمان، ولا فيه ماء للشرب ". عدد 20: 3-5 . فأسرع موسى ومعه هارون إلى خيمة الاجتماع، ورفع الأمر إلى الرب يستعينه ويسأله ماذا يفعل؟. " وكلَّم الربُّ موسى قائلا: خذ العصا، واجمع الجماعة أنت وهارون أخوك، وكلِّما الصخرة أمام أعينهم أن تُعطي ماءها، فتخرج لهم ماء من الصخرة وتسقي الجماعة ومواشيهم. فأخذ موسى العصا من أمام الرب كما أمره، وجمع موسى وهارون الجمهور أمام الصخرة، فقال لهم: اسمعوا أيها المَرَدَة، أمِن هذه الصخرة نُخرِج لكم ماء؟. ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين، فخرج ماء غزير. فشربت الجماعة ومواشيها ". عدد 20: 7– 11. وغضب الرب على موسى وهارون، ذلك لأنهما خالفا أمر الله ، فأمْرُ الرب لموسى كان واضحاً وصريحاً، وهو تكليم الصخرة باللسان، وليس ضربها بالعصا كما كان في المرة السابقة وهم في" رفيديم" (قِيل:إنها عيون موسى وقيل هي: رفح، والمكانان في جغرافية اليمن) حيث كان أمْرُ الرب لموسى هناك: أن اضربْ بعصاك الصخرةِ، فأطاع موسى ربه وضرب الصخرة وخرج منها الماء. (انظر خروج صح 17)، فالأمر هذه المرة مختلف، وفيه ما اعتبره الرب عصياناً من موسى له ومخالفة لأمره، ذلك أن الرب هنا يريد أن يعطي بني إسرائيل آية جديدة على قدرته بأن يجري الماء من الصخرة بمخاطبتها باللسان فتطيع، لعلهم يؤمنون به ويخلصون في عبادته. لهذا السبب اتخذ الرب قراره بعدم دخول موسى وهارون الأرض. " فقال الرب لموسى وهارون: من أجل أنكما لم تُؤمنا بي حتى تُقدِّساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تُدخِلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أَعطيتهم إياها. ( أي: لن تكونا مع الداخلين إلى الأرض التي وعدتكم بها) ، هذا ماء مَرِيبَة، حيث خاصم بنو إسرائيل الرب عدد 20: 12-13. ومات هارون في جبل" هُور" (عدد 33 :39 )، وقيل مات في " موسيير" حين ارتحلوا من ىبار يعقان، ودُفِن فيها (تثنية10: 6 . (لاحظ أن الأماكن المذكورة هي في جغرافية اليمن القديم كما أخبر عنها الهمذاني؛ صاحب كتاب صفة جزيرة العرب، وكما فصَّل القول فيها الدكتور فاضل الربيعي قي كتاب إسرائيل المتَخَيَّلة) . ثم مات موسى. ولكن أين مات ؟ وأين قبره؟. انتظروا بيان ذلك في المقالة السادسة .ا هـ*
للكاتب الصحفي/عبدالحليم أبوحجاج
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت