الخوض في معركة الفن المسرحي، وتناول قضية حساسة تمس العمق المجتمعي الفلسطيني، في وقت صعب، يعيش فيه كل فرد من أبناء غزة تحت الضغط من جميع الاتجاهات، هو مغامرة كبيرة لا يستطيع تحمل أعبائها إلا إنسان يسكنه الوجع اليومي ويحمل هموم الإنسان في داخله كجزء من حياته، بعد أن شاهد الكثير من قضايا تعنيف واضطهاد وقتل النساء في الكثير من المجتمعات العربية، يقرر أن يكتب نصا ينزف وجعا ويحمل أفكارا تؤرق أنفسنا ولا نجد متنفس لنا للتعبير عنها، بعد تجارب بعيدة وعديدة في العمل المسرحي يعود المخرج والكاتب الفلسطيني مصطفى النبيه بمونودراما "ارجموا مريم" وهي من تأليفه وإخراجه .
كلمات موجعة تخترق قلوبنا من أنثى يسكنها التعب ، تروي قصتها من خلف قضبانها وانكسارها ؛لنكتشف أن وجعها وقمعها واضطهادها هو جزء من اضطهاد أكبر يقع على عاتق المجتمع فيرمي بنفاياته في سلتها التي لم تعد تحتمل المزيد، تنفجر في وجه الواقع صارخة بقهر تحكي عن معاناتها وألمها لكونها فقط أنثى تدفع ثمن فساد المجتمع و تخضع لسلطة ذكورية، تحيط بها أفكار بالية
مونودراما "ارجموا مريم" نص يصرخ في وجوهنا جميعا حتى نستيقظ من سباتنا ونواجه الحقيقة التي نحاول تجميلها بالمبررات ، وقد أبدعت الفنانة الشابة الطموحة لينا العاوور في تجسيد دور الفتاة التي تحدثنا من عتمتها باحثة عن ضوء يبشرها بالفرح فتصطدم في كل مرة بواقع مرير يجرها للانفجار في وجه كل من يغتصب حقها في حياة أفضل.
وقد كان لسينوغرافيا المسرح للفنان التشكيلي اسماعيل دحلان ايقاعها البصري في ايقاظ خيالنا لنعيش الحالة ونغرق بها باحثين عن هذا الضوء من بين كل أوجاعنا ... فكانت جسدا حيا يعانق تفاصيل المسرحية
إنه تحدي كبير تشترك به العوامل جميعها حيث الموسيقى تنزف، تضحك وتبكي يؤلفها الفنان المرهف المؤلف والملحن جبر الحاج والتي اكتملت مع موسيقاه اللوحة لتعبر الفنانة لينا العاوور بالرقص التعبيري على أنغام تأخذنا لعمق الحكاية التي نضجت مع مصممين الرقصات خالد صيام و اسماعيل دحلان لندخل جميعنا في عالم فتاة كسرتها سطوة الأهل والمجتمع والقصص الكثيرة التي تسمعها وتعيشها عن قتل الفتيات بسبب الميراث أو العادات والتقاليد أو الشرف
أثارت المسرحية الكثير من التساؤلات حول من المسؤول الأول عن تغييب الوعي المجتمعي وعدم تثقيف الأجيال حول دور المرأة في الحياة وتلك النظرة الدونية المريضة التي تحتل الجزء الاكبر من عقولنا، وهنا نتطرق للغول الأكبر الذي يجثم على أنفاسنا وهو الفساد وتحكم قوى الشر والاحتلال الذي جعلنا نعيش في قفص من عتمة لا نجد لنا به متنفس أو مستقبل أو ضوء شارد نلتقطه من أجل بناء مجتمع سليم معافى
مونودراما "ارجموا مريم" للمخرج مصطفى النبيه هي ثورة على الواقع البائس تتطرق للكثير من القضايا المجتمعية التي يجب أن نتأملها ونتوقف عندها ونبحث عن اجابات شافية لها، لنبدأ بعهد جديد من التثقيف للأجيال القادمة بأن للنساء دور عظيم خلقن من أجله حتى تكتمل الصورة ولا تبقى ناقصة مشوهة، ونتخلص من مرض يتفشى كالسم في جسد الوطن العربي.
بقلم: ديانا الشناوي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت