اقشعرت الابدان، وبكت العيون، وحزنت القلوب، لمنظر جرافة جيش الاحتلال، وهي تقوم بسحب جثمان الشهيد الفلسطيني من غزة، محمد الناعم بشكل صعب وهو يتدلى ومصلوب، صباح يوم الاحد 23\2\2020.
الجرافة باتت كابوسا مؤرقا للفلسطينيين وأداة جريمة ضد الانسانية، بدل ان تكون أداة اعمار وبناء، فمآسيها تتكرر كل يوم في الضفة الغربية والقدس المحتلة وغزة.
فجرافة تهدم المنازل فوق رؤوس المقدسيين وتشردهم في العراء، وجرافة تقتلع أشجار الزيتون وتدمر الأراضي الزراعية في الضفة، وجرافة توسع طرق المستوطنات، وجرافة تضع الحواجز لمنع تنقل الفلسطينيين وتقتل احلامهم، وجرافة أخرى يمكن لها حتى أن تدوس وتقتل البشر، وكل من يقف في طريقها كما حدث في مخيم جنين خلال انتفاضة الاقصى، ومع المواطنة الامريكية المسالمة "راشيل كوري"، وأخيرا مع الشهيد الناعم.
الجرافة تلك الآلة التي من المفترض أن تعمر وتبني وتساعد الإنسان في الاستخلاف في الأرض؛ صارت آلة اجرام على الشعب الفلسطيني، حيث لا يكاد يمر يوم من دون أن تهدم المنازل وتجرف الأراضي وتخرب ما عمره الإنسان الفلسطيني طوال مئات السنين، شاقة طريقها بالتدمير والتخريب.
ما أن يرى أي فلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلة شاحنة عملاقة تحمل جرافة ضخمة حتى يقول : الله يستر. فالجرافة صارت في وعي الفلسطيني مصدر للتدمير وتحطيم آمال الفلسطينيين.
بناء وتربية الانسان الشاب يحتاج لسهر وتعب وسنين طويلة حتى ينمو ويكبر ويزهر، وبناء منزل قد يكلف الإنسان الفلسطيني شقاء عمره ويبنيه طوال مدة قد تصل إلى عشرة أو عشرين عاما، وتجيء جرافة في دقائق تنهي حياة الشاب في جريمة بشعة، ولتهدم منزل هو عبارة عن شقاء العمر وبدون سابق إنذار، وهو ما يتكرر في القدس المحتلة والضفة الغربية وغزة.
لو عكسنا الصورة، وتم تعليق جثة مستوطن او جندي كما علقت الجرافة جثة الشهيد الناعم، لقامت قيامة العالم المنافق ولم تقعد وقد تشن حرب لاجله.
حادثة الجرافة مع الشهيد الناعم كشفت حقيقة مزاعم حقوق الانسان لدى الغرب، فكل شيء بات مقلوب لدى أدعياء الحرية والديمقراطية في دولة الاحتلال، والغرب عموما؛ فالله على الإنسان بنعمة التفكر والتطور، واستخدام الأدوات لذلك؛ إلا أن ما أنتجه العلم أحيانا ينقلب ضد الإنسان إن أساء استخدامه؛ تماما كما فعلت أمريكا في ضرب القنابل النووية على اليابان؛ وكما يفعل الاحتلال في فلسطين المحتلة.
تبقى قصة الجرافة تطول ...وتطول ولا تتوقف، فالجرافة في الضفة الغربية والقدس المحتلة ستبقى تجرف وتدمر وتقتل؛ ما دام لا يوجد رد عليها كما يحصل في غزة؛ إلا بالتنديد والشجب والاستنكار، وكفى الله المؤمنين القتال.
ألم ووجع، فمن على جبال الضفة تشاهد جرافات الاحتلال وهي تجرف وتقتلع الأشجار المعمرة؛ ولا يملك الفلسطيني سوى الحسرة والألم والمزيد من القهر، ودموع الفراق على حضارة وتاريخ وطبيعة جميلة؛ حلت مكانها مستوطنات ومعسكرات تحوي بداخلها شياطين على شكل بشر، لا يتورعون عن كل فعل قبيح ومجرم لتحقيق ساديتهم، وتفوقهم الكاذب على بني البشر، بان الاغيار مثل الحيوانات سخروا لخدمتهم.
د. خالد معالي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت