اعتبر الباحث في الفلسفة السياسية، ومدير تحرير فصلية "قضايا إسرائيلية"، د. رائف زريق، أن التعريف اليميني الصهيوني للاسامية وطريقة توظيفه في السياسة العالمية يأتي في إطار محاولة محو اسم فلسطين، ونزع الشرعية عن كل طرق النضال في سبيل قضيتها، بما في ذلك النضال السلمي، وضمن محاولة الانتقال من إدارة الصراع إلى حسمه، بل وشطبه، على اعتبار أنه غير موجود، عبر فرض حل غير منصف، ما تسارعت وتيرته بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة.
وأضاف زريق في ندوة نظّمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، في رام الله، تحت عنوان "معاداة السامية، الصهيونية، والمسألة الفلسطينية: قراءة في الخلفية والأبعاد"، إنه يجب التفريق بين تعريف اللاسامية نظرياً وبين استخداماته السياسية، وأن أي مناهضة للعنصرية من حيث المبدأ مفيدة للفلسطينيين لأنهم ضحاياها.
وقال: في المرحلة الحالية يرتبط الحديث عن اللاسامية سياسيا بمهاجمة الفلسطينيين ومشروعهم، بعد أن حولت إسرائيل نتنياهو الموضوع إلى عنصر أساسي على الساحة الدولية، ويعبر أيضا عن احتكار اليمين الإسرائيلي للصهيونية، واحتكار صهيونية اليمين لوراثة اليهودية، وأن صهيونية المستوطنين هي الممثل الشرعي والوحيد لمناهضة السامية، وبهذا يتم الغاء المسافة بين أن تقول لا للاسامية في أوروبا وبين أن تقول لا لسياسة الضم!
وركز زريق على ضرورة تفكيك تعريف اللاسامية الذي بلوره ما يسمى "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة" ويجري تعميمه دوليا، والذي انعكس أثره في خطوات حكومية وتشريعية في عدة دول، منها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة لقرار ترامب ربط دعم الجامعات بروح هذا التعريف، وبمحاربة "حركة المقاطعة".
وأوضح زريق أن التعريف يتعامل مع اللاسامية وكأنها شيء متفرد في التاريخ، والأصل أن تعرّف كظاهرة ضمن ظواهر أخرى، كما أنه لا يراعي جعل مناهضة اللاسامية لتكون منسجمة مع مناهضة العنصرية بمعناها العام، ولا يربطها بمنظومة حقوق الإنسان التي تحقق التوازنات، وتضبط الممارسات بحقوق الآخرين.
وأضاف: إن التعريف لا يشير إلى مصدر الكراهية، وإنها قد تكون نابعة من أسباب وليس من ثقافة عنصرية، بمعنى أن كراهية المستوطنين مرتبطة بكونهم يهوداً وليس بكونهم معتدين.
وأكد زريق: التعريف موجه ضد فلسطين ومناصريها، لكن التأمل في خارطة اللاسامية يبين أن مصدرها ليس اليسار العالمي المتضامن مع الفلسطينيين، إنما اليمين الفاشي في عدة أمكنة، الذي هو صديق اليمن الإسرائيلي، وبهذا لا علاقة بين "خطة الدفاع" ومصدر ما يفترض أنه الهجوم، ما يكشف أن المقصود ليس الدفاع عن اليهود، إنما عن الطبعة الاستيطانية منهم.
وأوضح: عند الحديث عن حق اليهود بتقرير مصيرهم في دولتهم، لا يتم تحديد حدود هذه الدولة، إنما يتم تجاهل حقيقة أن إسرائيل ليست دولة بل حركة آخذة بالتوسع، هذا الحديث عن حق مطلق في نطاق غير محدد، يضع جميع المناصرين للحق الفلسطيني في دائرة الاتهام، ثم إن تقرير المصير له عدة أشكال تمتد من الدولة الإثنية التي تسيطر على الخير العام لصالح أكثرية ما، وصولا إلى الدولة ثنائية القومية، مروراً بدولة جميع مواطنيها.
وختم: عند الحديث عن اللاسامية يجب وضع الظاهرة في إطار علاقات القوى، فوضع اليهود في أوروبا العشرينيات كأقلية، لا يشبه حال اليهود اليوم، وحال اليهود في فلسطين وامتلاك إسرائيل لأكثرية مع أسطول أسلحة فتاكة مقابل الفلسطينيين العزل، إطار مختلف تماما.