العنبر (أبو محمد عباس)، نموذج للإنسان الفلسطيني المكافح، الإنسان الذي قذفت به النكبة وهو في مُقتبل العمر، مع الآلوف المؤلفة من أبناء شعبه العربي الفلسطيني الى دياسبورا المنافي والشتات، فبنا مسار حياته لبنة لبنة، مبتدئاً وكما يقول المثل الشعبي : من نقطة الصفر.
أبو محمد عباس، المشهور بلقبه (أبو محمد عنبر) وهو لقب رافقه حتى رحيله رحمه الله، مُسجّل في قيود الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا على أنه من قرية (الشجرة) قضاء طبرية، ولكنه في حقيقة الأمر ابن بلدة (كفر كنّا) التي رأى نور الحياة على أرضها قبل النكبة، وهي القرية الواقعة في جليل فلسطين قرب مدينة الناصرة، ناصرة يسوع، الفدائي الفلسطيني المسيحي الأول.
عاش حياته، كأتراب شعبه، في البحث اليومي، عن الكساء والغذاء والخبز الحلال لأسرته التي بدأت تتشكل. كما عاش في قلب الهم الوطني، والحلم المشروع بالعودة الى ارض الوطن، الى فلسطين، الوطن الذي لاوطن لنا سواه. فالتحق بصفوف جيش التحرير الفلسطيني (قوات حطين) منذ تأسيسه في أيلول/سبتمبر 1964، وبقي في صفوفه حتى أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وعند تسريحه التفت للعمل الخاص مُنطلقاً من صناعة نوعٍ من أنواع الحلويات (العنبر) وبيعها، في اليرموك، ولعدة سنوات، وبعدها تطور في مجال عمله منتقلاً الى التعهدات والإنشاءات التي انتشرت في مناطق دمشق عموماً، وجنبات اليرموك خصوصاً. فانهالت عليه (الرزقة) الحلال، والتي كان فيها نصيب لعددٍ لابأس به من مساكين والفقراء وأصحاب العوز في اليرموك.
كان مكان عماه، مكتبه العقاري ومكتب التعهدات، في ساحة الريجة تماماً، مكان يتجمع فيه الكثيرين من رجالات اليرموك، منهم على سبيل الذكر : العم نايف صمادي (أبو الوليد)، المرحوم العم جمال الحصري، الأستاذ ابراهيم النقيب، محمود حياتلة (أبو مأمون)، وأشقاء أبو محمد العنبر : أبو الأمجد عباس، وابو رشيد عباس، وأبو محمد الحداد .... وأخرين...
أبو محمد عباس، أو مايُعرف بــ (العنبر)، اسمه معروف ومعلوم لغالبية سكان ومواطني مخيم اليرموك من أبناء فلسطين، فيكفي أن تقول (العنبر) ليتم الإستدلال عليه من قبلِ أي سائلٍ. فهو علم من اعلام اليرموك، والمعروف لايُعرّف، بغض النظر عن أي رأي خاص.
وهنا أود أن اشير الى التالي : في زمن التطاير بالفكر اليساري، ومواجهة ماكنّا نعتقد به قبل عدة عقود (الطفولة اليسارية)، كان تقديرنا لكل تلك الحالات، كحالة أبو محمد العنبر، بأنها ظواهر برجوازية مرفوضة (حتى لو بنت نفسها بنفسها)، بل وفي احدى المرات كتبنا على أغلاق محل (العنبر)ـ الواقع في ساحة الريجة، العبارة التالية : العنبر لايُمثلنا... تلك كانت شطحات "المراهقة السياسية" التي تجاوزناها بسرعة.
بقلم علي بدوان
(الصورة الأولى : ابو محمد ايام بيع العنبر)
(الصورة الثانية : بعد سنوات، وصعوده الإقتصادي)
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت