لا يقتصر الرفض الفلسطيني لخطة السلام الأمريكية المعروفة باسم "صفقة القرن" على الشق السياسي منها، بل انهم يرون في الشق الاقتصادي للصفقة وصفة لتدميرهم اقتصاديا.
ويعتبر مسؤولون واقتصاديون فلسطينيون أن ما تضمنته الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل نحو شهر لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يستهدف في جوهره تكريس تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل وليس ضمان ازدهاره.
واعتبرت ورقة بحثية عرضها المعهد الفلسطيني للأبحاث والسياسات الاقتصادية (ماس) خلال مؤتمر صحفي انعقد في رام الله يوم الثلاثاء، أن الخطة الأمريكية تمثل "وصفة لتدمير الاقتصاد الفلسطيني عبر تقطيع وشرذمة الجغرافيا الفلسطينية".
واستعرضت الورقة البحثية التي حملت عنوان "الرؤية الأمريكية-الإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية، الأبعاد الاقتصادية والآثار المحتملة للتطبيق"، مخاطر ما تضمنته الخطة الأمريكية بشأن محاصرة الفلسطينيين في معازل، وعدم إتاحة أي مجال للتوسع العمراني أو الزراعي.
وأكدت الورقة البحثية أن الخطة الأمريكية تكرس سيطرة إسرائيلية مطلقة على حركة البضائع والأشخاص، وضم القدس والأغوار والمستوطنات، وسرقة المياه الجوفية الفلسطينية، فضلا عن السيطرة على المجال الجوي الفلسطيني والمجال السيبراني الفلسطيني والتحكم بقطاع الاتصالات.
ويقول مدير معهد (ماس) للأبحاث السياسات الاقتصادية رجا الخالدي إن جوهر الخطة الأمريكية "يقوم على تدمير الاقتصاد الفلسطيني وتضرر كل جوانب الناتج المحلي لأنه لا يمكن إدارة اقتصاد تحت واقع الاحتلال".
ويعتبر الخالدي في تصريحات لوكالة أنباء "شينخوا"، أن صفقة القرن تقود عمليا إلى المزيد من الهشاشة والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي عبر تكريس القيود التي تفرضها إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني.
ويضيف أن "النتيجة الحتمية لتطبيق هذه الخطة هي تدمير الاقتصاد الفلسطيني وخنق الحيز المتاح للعمل والاستثمار، وليس تحقيق الازدهار".
وفندت الورقة البحثية الأهداف التي قالت الخطة الأمريكية إن الشق الاقتصادي سيحققها، ومن بينها مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وخفض البطالة إلى مستوى قريب من 10%، وخفض الفقر بنسبة 50%، وخلق مليون فرصة عمل على مدار 10 سنوات.
ويقول معدو الدراسة إن حديث الخطة عن مضاعفة الناتج المحلي الاجمالي خلال عشر سنوات حديث فارغ، اذ تشير البيانات خلال العقود الثلاثة الاخيرة إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يتضاعف كل عشر سنوات في ظل الوضع القائم، ولم تأت الخطة بجديد بحديثها عن مضاعفته خلال لسنوات العشر المقبلة، ومع ذلك، فان البطالة والفقر بارتفاع مستمر.
وذكر معدو الورقة أن "الاهداف ذات الطبيعة الاقتصادية التي تطرحها الخطة الأمريكية تستهدف تكريس إسرائيل كمركز اقتصادي إقليمي مهيمن على اقتصادات الدول العربية المحيطة".
كما يعتبرون أن الشق الاستثماري في الخطة لا يمثل إطارا عاما ومحددا للعلاقات الاقتصادية الفلسطينية –الإسرائيلية على غرار بروتوكول باريس، ولا يعدو كونه خطة استثمارية أمريكية-إسرائيلية.
وخلال المؤتمر المحلي لعرض الورقة البحثية، قال وزير الاقتصاد الفلسطيني السابق ماهر المصري إن صفقة القرن "تحاول إيهامنا بدولة غير موجودة ولن تكون موجودة في يوم من الايام".
وأضاف المصري أن الخطة الأمريكية "لم تكتف بتكريس القيود القائمة التي يفرضها الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني، وانما تضيف قيودا جديدة لما هو قائم، وهي لفائدة الاقتصاد الإسرائيلي وليس الفلسطيني، اذ تحول الفلسطينيون إلى متعاقدين للاحتلال".
ويصف اقتصاديون فلسطينيون "جزرة" الازدهار الاقتصادي التي تلوح بها صفقة القرن بأنها غير حقيقية وأنه لا يمكن خفض نسبة الفقر لدى الفلسطينيين طالما أن ناتج الفرد من الناتج المحلي الفلسطيني سينمو بمعدل أقل مما هو عليه الآن.
ويقول رجل الأعمال الفلسطيني سمير حليلة إن الخطة الأمريكية تضمنت نشر نحو 105 حواجز عسكرية إضافية في الأراضي الفلسطينية بما يكرس منع أي تواصل جغرافي للاقتصاد الفلسطيني.
ويعتبر حليلة في تصريحات لـ "شينخوا"، أن الخطة الأمريكية "لا يمكن أن تخلق إلا أمرا واحدا، وهو تكريس رهن الشعب الفلسطيني للمساعدات الإنسانية إلى الأبد وعدم تمكينه من بناء اقتصاد حر وقادر على النمو".
ويضيف أنه من المتوقع أن يقتصر سقف تنفيذ صفقة القرن من قبل إسرائيل على ضم الاغوار والمستوطنات، "فيما يبقى الحديث عن تنمية وميناء وممر آمن بين الضفة الغربية وغزة مجرد كلام فارغ ولن ينفذ منه شيء".
ويشدد على أن أي ازدهار حقيقي للاقتصاد الفلسطيني سيبقي مرتبطا بتوسيع وتطوير المصادر الطبيعية الفلسطينية، وتوسيع القدرة الانتاجية عبر زيادة فتح المجال للسوقين المحلية والخارجية أمام المنتجات الفلسطينية إضافة إلى برامج عملية لتطوير قوة العمل الفلسطينية مهنيا وتقنيا.
يشار إلى أن الشق الاقتصادي لخطة السلام لأمريكية تضمنت الدعوة إلى إنشاء صندوق استثماري بقيمة 50 مليار دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات دول الجوار العربية.
وتقول إسرائيل إنها تعتزم ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية خصوصا في المناطق (ج) ومنطقة الأغوار التي تشكل 30% من الضفة الغربية، وهي منطقة مهمة لما تملكه من فرص اقتصادية في الزراعة والسياحة والطاقة.
ويشتكى الفلسطينيون من أن اقتصادهم يتكبد خسائر سنوية بنحو 3.5 مليارات دولار سنويا بسبب سيطرة إسرائيل على منطقة الأغوار ومنع أي مشاريع فلسطينية فيها.