المقالة السادسة:
(20) أين مات موسى؟ وأين قبره؟. ولماذا البحث عن قبره في فلسطين وليس في موطن آخر؟ :
اختلفت روايات التوراة في مكان موته، بل ذكرت موضعين، الأول: في جبل عباريم، حسب سفر العدد صح 27: 12. الموضع الثاني هو جبل نبو شرق النهر، قبالة أريحا، حسب سفر التثنية 34: 1. بينما نجد موضعا ثالثاً يجمع المكانين في مكان واحد حسب سفر التثنية صح 32: 49-52، وهذا التخبط في رأينا مرَدُّه إلى أن كتابة التوراة أُوكِلت إلى لجنة من مجموعة كُتَّاب يُدوِّنون الشريعة، لا يجمعهم رأي واحد ولا يستندون على رواية واحدة، وكان على رأسهم " عزرا الكاهن" كاتب الشريعة، (انظر عزرا صح 7: 6). وقد كان زمن كتابتها بعد موت موسى بثماني مئة سنة. والتوراة تخبرنا أن الرب يُنبئ موسى بموته وهو واقف على جبل نبو: " وكلم الرب موسى في نفس ذلك اليوم قائلا: " اصعد إلى جبل عباريم هذا، جبل نَبُو الذي في أرض موآب الذي قُبالة أريحا، وانظر أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل مُلكاً، ومُت في الجبل الذي تصعد إليه، وانضم إلى قومك، كما مات هارون أخوك في جبل هُور وضُمَّ إلى قومه. لأنكما خنتماني في وسط بني إسرائيل عند ماء مَرِيبة قادش في برية صِين، إذ لم تُقدِّساني في وسط بني إسرائيل. فإنك تنظر الأرض من قُبالتها، ولكنك لا تدخل إلى هناك إلى الأرض التي أنا أُعطيها لبني إسرائيل". تثنية 32: 48– 52 . " وقال له الرب: هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب قائلا : لنسلك أُعطيها. قد أريتُك إياها بعينيك، ولكنك إلى هنا لا تعبُر. فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب. ودفنه في الجواء في أرض مؤاب مقابل بيت فَغُور. ولم يعرف إنسان قبرَه إلى هذا اليوم " . تثنية 34: 4 – 6. (تنويه مهم*: انظر إلى الجملة الأخيرة: " ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم " هذه الجملة وردت في سِفر التثنية ، وهو السِفر الرابع من مجموع الأسفار الخمسة التي تتكون منها التوراة التي يعترف بها اليهود العبرانيون والسامريون، وهي جملة لا يقولها الله الذي لا تخفى عليه خافية، كما لا يقولها موسى بعد أن مات ودُفن تحت الثرى. وإنما هي جملة من بين كثير من الجُمل التي وردت في التوراة، والتي جاءت على لسان أنبيائهم وكُتبتْ بخط يد أحد الكَتَبَة الذين شرعوا في كتابة التوراة بعد موت موسى بثمانمائة سنة (كُتبت التوراة بعد عودتهم من السبي البابلي حوالي 500 ق.م)، لتكون هذه الجملة؛ هي وغيرها من الأدلة التي تنفي عن التوراة التي بين أيدينا قدسيتها).
ولنا كلمة أخيرة بشأن المكان الذي مات فيه موسى:
كان الإسرائيليون حريصين جداً على أن يعثروا على قبر موسى في أي مكان ذكرته أسفارهم التوراتية، ليضيفوا إلى أكاذيبهم وادعاءاتهم دليلا قوياً على حقهم في فلسطين، فاجتهدوا منذ أن تكوَّن كيانهم، واستعانوا بكبار كهنتهم المتخصصين في الشريعة وفي شرح وتفسير التوراة ، وجلبوا لذلك طاقماً من علماء التاريخ والجغرافيا والآثار اليهود وغير اليهود رغم تفرُّقهم في بلاد متباعدة، ولكن الهدف ناداهم وجعلهم يجتمعون في فلسطين لعلهم يعثرون على قبر موسى، وهكذا ظلوا طيلة سبعين سنة ينقِّبون ويَقلِبون الأرض عاليها سافلها، فلم يعثروا على مرادهم. وكان من بينهم " موسى دايان" (وزير الحرب) بعد هزيمة 1967 حين أصبح وزيراً للزراعة، وكان معروفاً عنه ولعه في البحث عن الآثار واقتناء نفائسها، فترأس فريقاً عالمياً من الكهنة وشُراح الشريعة وعلماء الآثار، وجابوا البلاد طولاً وعَرضاً ولم يتركوا متراً من أرض الضفة الغربية لفلسطين دون نبشه وتمشيطه، وقد اجتهدوا في تعميق حفرياتهم في السهول والوديان وعلى قمم الجبال وسفوحها في فلسطين كلها، حتى وصل تنقيبهم إلى أرض سيناء المصرية؛ ولكنهم لم يعثروا على ضالتهم. وهكذا تمضي السنون وتنقضي دون أن يهتدوا إلى قبر موسى ولا قبر أخيه هارون أو قبر أختهما مريم. فما السبب؟. الجواب بسيط جداً: ذلك أن الأماكن التي ذكرتها التوراة وما جرى فيها من أحداث وحوادث إنما كانت في بلاد أُخرى غير فلسطين. فجبل مؤاب وجبل عباريم وجبل نبو وبيت فغور وآبار بني يعقان والموسيير وأريحا وأورشليم وحبرون وبيت لحم وشكيم وقادش وبريَّة صِين( صِين وليست سيناء المصرية)، وغيرها من مدن وجبال ووديان لم تكن في فلسطين العربية، وإنما هي في بلاد اليمن: سبأ وحِمير وحضرموت والجوف وتعز، وفي منطقة عسير- جنوبي غرب الجزيرة العربية (بلاد الحجاز) على الساحل الشرقي للبحر الأحمر. فلينقب الإسرائيليون ما استطاعوا فإنهم لن يعثروا على تاريخهم المزعوم في فلسطين العربية، وليكذبوا ما استطاعوا من أكاذيب، فإنهم لن يعثروا على قبر موسى الذي قالت عنه توراتهم (سِفر التثنية) " ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم" . أي يوم ُ؟. إنه يوم كتابة التوراة بعد عودة اليهود من السبي البابلي، وكان قد مضى على موت موسى آنذاك ثماني مئة سنة. فهل جاء اليهود اليوم يبحثون وينقبون عن شيء لم يعثر عليه أجدادهم رغم حرصهم عليه؟. وهل فطِن اليهود اليوم وتذكَّروا أنه كان لهم نبيٌّ اسمه موسى يريدون قبره؟. فكم تمنوْا أن يظفروا به فيأتوا بدليل صدق يدعم زعمهم وكذبهم على أنفسهم وعلى غيرهم بادعائهم أنَّ لهم حقاً في أرض فلسطين العربية بموجب الوعد الإلهي المكذوب بأنه أعطاهم إياها ربهم القومي. فهل هذا الرب هو بلفور الأول حتى ينتزع أرضاً من أصحابها ويعطيها لمن لا يستحقونها؟! وهل هو رب حقيقي هذا الذي نزل يحارب معهم بسيفه، ويهزم أصحاب الأرض ويطردهم من أمامهم؟. ما هذا الرب الجائر الذي ينحاز لقوم دون قوم ؟. وما هذا الرب الظالم الذي ينتزع أرضاً من أصحابها ويعطيها لغرباء طارئين عليها؟. وما هذا الرب الذي يطرب لعذابات وأنين قوم من أجل أن يُرضي قوماً آخرين اتخذهم لنفسه بمكانة الأهل والأبناء؟. أيها السادة: أنا لم أقُل هذا الكلام عن رب يستحق العبادة، بل عن ربهم القومي(يهوه رب الجنود) الذي جاءت سيرته في توراتهم فمسخوه وحقَّروه وقبَّحوه. فحاشا لله الخالق العظيم – رب السماوات والأرض- أن يكون على الصورة التي جاءت بها تلفيقاتهم التوراتية لإلههم القومي الخاص بهم وجدهم، هو يحتكرهم لنفسه، وهم يحتكرونه لأطماعهم التوسعية على حساب شعب آمن.
(21) الرب ينحاز إلى بني إسرائيل:
تصوِّر لنا التوراة أن الرب قد انحاز إلى جانب بني إسرائيل، فأتم وعوده التي قطعها لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ثم إلى موسى وهارون. " وأعطى الرب لبني إسرائيل جميع الأرض التي حلف أنه يعطيها لآبائهم، فتملَّكُوها وأقاموا فيها، وأراحهم الرب من كل جانب بحسب جميع ما أقسم عليه لآبائهم، ولم يصمد أمامهم أحد من جميع أعدائهم، بل سلَّم الرب إلى أيديهم جميع اعدائهم، وما سقط من وعد واحد من جميع الوعود التي قالها الرب لبني إسرائيل، بل كلها تَمَّت" . " يش 21: 43-45.
(22) الرب يحارب عنكم ويهزم أعداءكم ويطردهم من أمامكم، ويوزِّع عليكم أرضهم .
حين أراح الرب بني إسرائيل من جميع أعـدائهم، شاخ يشوع خـليفـة موسى في قــيادة بني إسرائـيل،
وجمع شيوخ بني إسرائيل ورؤساءهم وقضاتهم وقادتهم، وقال لهم:" وأنتم رأيتم جميع ما فعل الرب إلهكم بكل تلك الأمم من أجلكم، لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم". يشوع 23: 3. ثم يقول: " والرب إلهكم هو الذي يهزمهم ويطردهم من أمامكم، وتملِكون أرضهم كما قال لكم الرب إلهكم. (....) والرب إلهكم طرد من أمامكم أمماً عظيمة قوية، ولم يصمد أمامكم أحد إلى هذا اليوم!!!. الواحد منكم يهزم ألفاً لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم كما وعدكم". يشوع 23: 5-9. ثم يجمع يشوع أسباط بني إسرائيل في شكيم ( قرب نابلس، حسب قول التوراة) ويوصيهم ويُنذرهم بما قاله الرب لبني إسرائيل: " أخرجتُ آباءكم من مصر في اتجاه البحر، فلحق بهم المصريون بالمركبات والخيل. ولما اقترب آباؤكم من البحر الأحمر-( نُذكِّر: أن تسمية البحر الأحمر بهذا الاسم حديثة ولم تكن معروفة أيام موسى ويشوع، وقد ذُكر هذا البحر في التوراة أيضا باسم بحر سوف ، وله أسماء أُخرى: بحر القلزم ، وبحر الغاب)- صرخوا إلى الرب فجعل بينهم وبين المصريين ظُلْمة، ثم ردَّ عليهم البحر فغطَّاهم، فعيونكم رأت ما فعلتُ في مصر، وأقمتم في البريَّة أياماً كثيرة. ثم جئتُ بكم إلى أرض الأموريين الساكنين شرق الأردن فحاربوكم. فسلَّمتُهم إلى أيديكم، ووزعتُ عليكم أرضهم، ومحوتُهم من قُدَّامكم .(.....) ثم عبرتُم الأردن وجئتُم إلى أريحا، فحاربكم أهلُها، والأموريون والفِرزيُّون والكنعانيون والحِثيُّون والجِرجاشيُّون والحِوِّيُّون واليبوسيُّون، فأسلمتُهم إلى أيديكم. وأرسلتُ إلى قُدَّامكم الذعر فطردتُ مَلِكَيْ الأموريين من أمامكم؛ لا بسيفكم ولا بقوسكم. وأعطيتُكم أرضاً ما تعبتُم بها، ومُدُناً ما بنيتُموها، فأقمتُم فيها، وكُروماً وزيتوناً ما غرستموها، وأنتم اليوم تأكلونها". يشوع 24: 6-12. ويموت يشوع ويُدفن في أرضه. فسِفر يشوع يُسمِّي الأرض التي مات فيها يشوع : تِمنة سارح ، بينما يسميها سِفر القضاة صح2: 9 تِمنة حارس. فأيهما الاسم الصحيح؟. الجواب عند أهل اليمن، لأن كل هذه الأماكن ضمن جغرافية اليمن، حيث هناك يهوذا والسامرة وليس في فلسطين. اهـ* (وإلى لقاء في المقالة السابعة).
للكاتب الصحفي/عبدالحليم أبوحجاج
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت