منذ تفشي فيروس كورونا الجديد في الصين في نهاية يناير الماضي، سارعت بلدان منطقة الشرق الأوسط لاسيما العربية منها إلى التعبير بقوة عن تضامنها مع الصين وقدمت الدعم لها وثمنت دورها في التصدي لحالة طوارئ تشهدها الصحة العامة.
فالعلاقات بين الصين وبلدان المنطقة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وأخذت تتطور مع مرور الزمان لتتوسع آفاقها من التبادل التجاري إلى التواصل الحضاري والثقافي، وواصلت تقدمها وازدهارها مرتكزة على الصداقة الوطيدة والدعم والمساندة المتبادلين وتقاسم السراء والضراء.
وإن مساندة المنطقة للصين في مكافحة تفشي فيروس كورونا الجديد تقف شاهدا على هذه الصداقة العظيمة بينهما وتأتي تصديقا للمثل القائل "الصديق الحق هو الصديق وقت الضيق". كما إن مسعى الجانبين إلى التعاون معا للتغلب على هذا التحدي غير التقليدي يعد برهانا على أهمية رابطة المصير المشترك للبشرية جمعاء.
-- تضامن قوي وثقة في النصر
فوسط جهود جميع أبناء الشعب الصيني، تحت قيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، لمكافحة الفيروس عبر اتخاذ أكثر الإجراءات دقة وصرامة وشمولا، أجرى الرئيس شي منذ بداية شهر فبراير مكالمات هاتفية مع عدد من قادة منطقة الشرق الأوسط، أعرب فيها قادة المنطقة عن تضامنهم مع الصين وتقديرهم لجهودها في المعركة ضد الفيروس.
فقد أجرى الرئيس شي مكالمة هاتفية مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أعرب فيها الملك سلمان عن دعم بلاده القوي للصين في معركتها ضد الفيروس. وقال إن بلاده تثمن بشدة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية لمكافحة الفيروس، معبرا عن إيمانه بأن الصين ستنتصر في معركتها ضد الفيروس بكل تأكيد. وشدد على أن بلاده لن تدخر جهدا في تقديم الدعم والمساعدة للصين في معركتها هذه.
ونيابة عن الإمارات حكومة وشعبا، أعرب ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن خالص تعاطفه مع الشعب الصيني في محنته الحالية، وعن تقديره البالغ لما اتخذته الصين من إجراءات قوية في مكافحة المرض، مؤكدا أن الإمارات تعتزم دعم الصين بقوة في حربها على المرض، وتقف على أهبة الاستعداد لتوفير المزيد من المساعدات.
كما صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن مصر حكومة وشعبا تدعم الصين بقوة في معركتها ضد فيروس كورونا الجديد، مؤكدا ثقته في قدرة الصين على الفوز في هذه المعركة. وأظهر الرئيس المصري، في رسالة بعث بها إلى نظيره الصيني في مطلع فبراير، حرص بلاده على مساعدة الصين بكل الوسائل الممكنة.
وفي بادرة تضامن قوية، توجهت وزيرة الصحة والسكان المصرية هالة زايد هذا الأسبوع إلى الصين، وذكرت "نحن مهتمون جدا لمد يد العون للشعب الصيني"، لأن مساعدة الصين في التغلب على فيروس كورونا الجديد هي حماية لكل الإنسانية والدول في العالم.
ومن ناحية أخرى، تحدث الرئيس شي هاتفيا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث أعرب أمير قطر خلال الاتصال، عن دعمه القوي للصين حكومة وشعبا في مكافحتها للفيروس، مشيدا بالإجراءات القوية التي اتخذتها الصين ومعربا عن ثقته التامة بأن الصين لديها القدرة واليقين للفوز في المعركة ضد الفيروس في أقرب وقت ممكن، متمنيا للصين النجاح في هذا الصدد.
-- مواقف مؤثرة وانطباعات عميقة
كما أمدت دول الشرق الأوسط الصين بالمساعدة المادية، ووظفت معالمها الشهيرة عالميا لدعم الصين معنويا، وهي مبادرات إنسانية دافئة لمست قلوب الصينيين وتركت في نفوسهم انطباعات عميقة تجاه الصداقة الحقيقية التي أثبتت قوتها وصمودها خلال أوقات الشدة.
ففي حملة تضامن مع الصين انطلقت في الإمارات مساء يوم 2 فبراير، أُضيئت بألوان علم الصين كل من مباني "الكابيتال جيت" وسوق أبوظبي العالمي وفندق قصر الإمارات وجسر الشيخ زايد في أبوظبي، وبرج خليفة وبرج العرب في دبي، واستاد الشيخ هزاع بن زايد الرياضي في مدينة العين.
كما أضاءت مصر في مساء الأول من مارس ثلاثة من أشهر معالمها الأثرية - قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، ومجمع معابد الكرنك بمحافظة الأقصر، ومعبد فيلة في أسوان - بألوان علم الصين. واعتبر محافظ الأقصر مصطفي ألهم هذا القرار "نوعا من التعاطف مع شعب الصين العظيم.. ورسالة قوية بأن مصر والمصريين لن ينسوا مواقف الصين الداعمة لهم".
وفي إطار حملة أطلقتها إيران للتضامن مع الصين، أضاءت برج آزادي (برج الحرية)، أحد المعالم البارزة في طهران، بألوان علم الصين وعبارة "كوني صامدة يا ووهان" و"ووهان، نحن معكم".
وسلط وو سي كه المبعوث الصيني الخاص الأسبق إلى الشرق الأوسط الضوء على الدعم المادي، قائلا إن أطنان اللوازم والأجهزة الطبية التي تدفقت على الصين من مصر والسعودية والإمارات وقطر وإيران وغيرها من بلدان المنطقة والتفاعل والتنسيق والعمل السريع بين الجهات الحكومية والمدنية لدي تلك البلدان لإيصال المساعدات إلى الصين "شكلت سمة رئيسية في دعم الشرق الأوسط للصين في مكافحة الفيروس".
-- إجراءات وتجارب صينية ملهمة
لقد سُجلت حالات إصابة بالفيروس في العديد من بقاع العالم ومن بينها الشرق الأوسط. وشدد مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في الأسبوع الماضي على ضرورة أن يبذل العالم المزيد من الجهود لاحتواء تفشي الفيروس وأن عليه الاستعداد لـ"وباء عالمي محتمل".
وفي هذا السياق، أبرز مسؤولون سعي الصين إلى مد يد العون لبلدان الشرق الأوسط ونقل خبراتها المتعلقة بكيفية التعاطي مع هذه الأزمة، مشيرين إلى أهمية الاستفادة من نهج الصين المتمثل في الشفافية والمسؤولية والعمل الوثيق مع منظمة الصحة العالمية والبلدان الأخرى في هذا الصدد.
فقد أوضح السفير الصيني بالقاهرة لياو لي تشيانغ أن الحكومة الصينية تهتم جدا بزيارة وزيرة الصحة والسكان المصرية هالة زايد للصين، وتعتبرها زيارة لتبادل الخبرات حول الإجراءات المتخذة لمكافحة كورونا.
ومن ناحية أخرى، أكد السفير الصيني لدى لبنان وانغ كه جيان أن الصين مستعدة لتقديم المساعدة للبنان لمكافحة فيروس كورونا الجديد، منوها إلى أن هناك تعاونا بناء بين لبنان والصين لاحتواء الفيروس من خلال المشاورات اليومية بين السفارة الصينية في بيروت ووزارة الصحة اللبنانية. وأضاف "أننا نقدم أيضا تجربة الصين في مجال الوقاية والعلاج".
وما يبرز الاهتمام بالتجربة الصينية في مكافحة الفيروس هو أن السفارة الإيرانية لدى الصين ذكرت على موقع ((ويبو)) الصيني للتواصل الاجتماعي أن إيران ستتخذ سلسلة من الإجراءات لتعزيز الوقاية من الأوبئة ومكافحتها، بما فيها ترجمة وصفة الوقاية الطبية الصينية إلى الفارسية وإصدارها للجمهور، وتنظيم آلاف الفرق لإجراء عمليات فحص للحالة الصحية للأسر في عموم البلاد، وغيرها من الإجراءات الاحترازية الهامة.
ومن العراق، قال الدكتور عباس فرهود مدير شعبة التفتيش الصحي في قسم الإعلام بوزارة الصحة العراقية إن بلاده تستفيد كثيرا من التجربة الصينية في مجابهة فيروس كورونا الجديد وفي كيفية معالجة المرض على مستوى الدولة، مبينا أن الصين كانت شفافة في التعامل مع الفيروس ونقلت تجربتها إلى الدول الأخرى للاستفادة منها.
ورأى أن النتائج الأولية التي تحققت في مكافحة الفيروس في الصين تجعل تجارب الصين جديرة بالدراسة، مضيفا أن أعداد المتعافين من الفيروس أصبحت أكثر بكثير من المصابين به في الصين "بفضل اتخاذ الحكومة الصينية إجراءات كبيرة وصارمة على مستوى المجتمع والدولة من أجل إنقاذ شعبها والعالم من هذا المرض".
-- عالم واحد ومستقبل مشترك
كما نعلم أن فيروس كورونا الجديد ينتشر بسرعة. مع تأثر 79 دولة في العالم بشكل مباشر حتى اليوم (الخميس)، لم تعد هذه مشكلة إقليمية بل مشكلة عالمية تتطلب استجابة عالمية.
ودعا الرئيس الصيني شي جين بينغ البلدان إلى تبادل بيانات البحث والعمل المشترك على وضع إستراتيجيات استجابة للمساهمة في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. وقال إن أمن الصحة العامة يمثل تحديا مشتركا تواجهه البشرية، مشيرا إلى أنه يتعين على جميع البلدان التكاتف في التعامل معه.
فلا شك أن فيروس كورونا الجديد يمثل تحديا يواجه جميع البشر في عصر العولمة حيث ترتبط أقدار جميع الدول ببعضها الآخر بشكل وثيق، ويبرهن مجددا على ضرورة إدراك أهمية مجتمع المستقبل المشترك للبشرية جمعاء. فمصير كل دولة وأمة يرتبط بمصير الدول والأمم الأخرى. وكما قال الرئيس شي من قبل "نحن جميعا بالفعل رفقاء درب في قارب واحد".
وفي هذا الإطار، ذكر تشانغ تشو تشو، الخبير بمعهد الشؤون العامة والعلاقات الدولية في جامعة فودان الصينية، في مقال نُشر على شبكة ((بنغ باي)) الإخبارية الصينية، أن تفشي الفيروس لم يعد مسألة تخص مدينة أو دولة واحدة، بل صار يشكل تهديدا مشتركا يواجه العالم بأسره. وإنه فقط من خلال نبذ عقلية المعادلة الصفرية وتعزيز الدعم والمساعدة المتبادلين وتعميق التعاون المشترك في إطار روح بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، يمكن للبلدان أن تجرى تعاونا دوليا نشطا في الوقاية من الفيروس ومكافحته وصولا إلى تحقيق النصر في المعركة الجارية ضد هذه الكارثة الصحية العامة.
وأمام مشاعر الصداقة التي أبدتها دول الشرق الأوسط تجاه الصين خلال فترة تفشي الفيروس، أكد المبعوث الصيني السابق وو سي كه قائلا "لن ننسى هذه المشاعر ما حيينا"، مضيفا أن "الصين والشرق الأوسط نعم الأصدقاء والشركاء والأخوة. وبفضل الدعم المتبادل بينهما وتقاسمهما للسراء والضراء، ستصبح العلاقات بين الجانبين - بعد النصر على الفيروس - أكثر قوة وسيزداد تعزيز روح رابطة المصير المشترك للبشرية جمعاء".