- " أوسلو قَسم الفلسطينيين وشعبنا سيحاكم هذه القيادة "
- " إننا نحتاج مقاومة شاملة لأننا نواجه ليس احتلالاً شاملاً، بل شمولياً بكل ماتعنيه الكلمة من تفصيل ".
مقابلة مع الفدائي الأسير" وليد دقة " – جريدة الأخبار اللبنانية 11 / 4 / 2019
- " ليس أمامنا سوى أن نقاوم أو ننتظر الإبادة "
من خطبة زعيم المقاومة الهندية «تِكومْسِه» في أول القرن التاسع عشر. كتاب " دولة فلسطينية للهنود الحمر" ص 11 - تأليف الدكتور منير العكش.
مدخل
تأتي الذكرى الثالثة لاستشهاد باسل الأعرج هذا العام، وفلسطين القضية والشعب، تتعرض لمجزرة سياسية إمبريالية / صهيونية / رجعية، ستؤدي في حال استكمال حلقاتها إلى الإجهاز على الحقوق الثابتة للشعب العربي الفلسطيني في وطنه، لهذا فإن استحضار ذكرى هذا الشهيد، تتطلب إعادة تسليط الضوء بتكثيف شديد على ماحصل في ذلك الفجر الدامي ليوم 6 آذار / مارس 2017 . فقد بادر مُطارد فلسطيني لإطلاق النار على عناصر وحدة "يمام" الخاصة، التي طوقت المكان الذي يختفي به في مدينة البيرة بالضفة الفلسطينية المستباحة، بهدف اعتقال أو إعدام "باسل الأعرج". قاوم "المطلوب رقم 1" المتحصن في سقيفة الشقة السكنية التي كان قد استأجرها وأقام فيها قبل عدة أشهر. ساعتان من الزمن، خاض فيها المناضل المطارد مواجهة عنيفة مع الغزاة، بإرادة واعية، وصلبة لم تنكسر، وببندقية أفرغ كل رصاصها ليرتقي بعدها شهيداً.
لم يكن "الباسل" اسماً مجهولاً عند المحتل، ولا لأجهزة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود، ولا لقوى الحراك الشبابي، ولا لكوادر وأعضاء القوى والحركات والهيئات الوطنية. كان ناشطاً سياسياً وجماهيرياً معروفاً لدى الجميع، لكنه كان متفرداً بين رفاقه وزملائه، من خلال ثقافته النظرية التي لم تبق في العقل، بل عمل على نقلها لأرض الواقع، كأداة للتحليل والاستنتاج، وبهذا حقق المزج الكامل مابين المعرفة والممارسة.
استشهد " باسل" بعد ساعتين من الاشتباك العنيف الذي استخدم فيه الغزاة قذيفة "انيرغا" بقصف الشقة بعد أن عجز الرصاص عن إصابة الفدائي المطارد. دمرت القذيفة جزءاً من المنزل ليسقط "الباسل" مضرجاً بدمائه، بعد أن اخترقت جسده 22 طلقة وشظية. سقط الجسد ليمتزج الدم مع الكتب والأوراق والكوفية، لكن اليد القابضة على السلاح والقضية لم ترفع الراية البيضاء، وهذا ماأكده شقيقه حين نعاه " لم تُسَلّم لهم، ومثلك لا يعرف التسليم. اخترت أن تكون مقاوماً وأن تموت شهيداً مقبلاً مشتبكاً لا خانعاً".
الوصية : بوصلة جيل التحدي والمقاومة
في الوصية التي وجدت في الشقة التي استشهد فيها مع مجموعة من الكتابات ، تكثيف للقناعات المبدئية، وللأفكار والثوابت والنهج. في البدء يلقي "تحية العروبة والوطن والتحرير" ثلاث كلمات لَخصت الانتماء القومي والوطني وكيفية المزج والتوحد من خلالها في عملية التحرير. أما صوابية الاختيار فيؤكدها بقناعة تامة وثابتة بما اقتنع به من خلال الوعي والمعرفة والممارسة "أنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعاً وجدت أجوبتي. يا ويلي ما أحمقني، وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد؟". أما عن استشراف المستقبل فقد خاطب بكلمات واضحة ، غير ملتبسة ، أبناء شعبه وأمته " كان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهور طويلة إلا أنَّ ما أقعدني عن هذا هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء فلماذا أجيب أنا عنكم فلتبحثوا أنتم. أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله".
بوصية ترقى إلى برنامج العمل، أكد "الباسل" على دور المثقف ، كمصباح ينير طريق التواقين للحرية، وعلى أهمية الثقافة الثورية كحالة تؤسس لـ"المواطن المشتبك" مع المحتلين، هذا المواطن الذي شاهدناه في الفدائي الأسير" سند الطرمان" بطل عملية دهس جنود العدو في القدس المحتلة يوم 6 شباط / فبراير 2020 . فقد كتب " سند " على صفحته الفيسبوكية قبل توجهه لتنفيذ عملية الدهس "وجدت أجوبتي " في تأكيد، ليس فقط على ماكتبه " الباسل " في وصيته ، بل على النهج / الأسلوب " الاشتباك مع العدو" .
باسل والوصايا غير المكتوبة لمن سبقوه
لم يكن التاريخ عند باسل، سرديات للتأمل، فقط . فقد عمل شهيدنا على نبش التاريخ والبحث في منمناته الصغيرة داخل الكتب والمذكرات، وفي الروايات التي سمعها من أصحابها ، من أجل الاستفادة من كل تلك الأحداث لتأصيل المعرفة بالماضي كخطوة على طريق استلهام دروسه في معرفة الحاضر واستشراف المستقبل، لهذا جاء حرصه على معرفة الأرض، ميدان التجارب التاريخية، جال الوديان والكهوف والجبال،رابطاً الأحداث ببيئتها الجغرافية، بهدف تقديم التجربة للأجيال من حيث علاقتها بالمكان وخصائصه، كعامل أساسي في المقاومة والاختباء والاعتماد على الذات.
لم يقرأ " الباسل " تجارب الثوار في فلسطين بعين الدارس الأكاديمي، بل بعين الباحث عن مضمون الحدث وأبعاده : الفشل والنجاح، وعلاقة كل ذلك بالبيئة المحيطة :السكان والطبيعة . وتدل كتاباته في مجال التجارب الكفاحية للشعب في مواجهة الاحتلال البريطاني ومن ثم الغزو اليهودي الصهيوني، التي جُمع القسم الأكبر منها في الكتاب الذي حمل عنوان "وجدت أجوبتي ... هكذا تكلم الشهيد باسل الأعرج "الصادر في الذكرى السنوية لاستشهاده، على إعجابه الشديد وتأثره بعمليات استثنائية متعددة، وكأمثلة عليها وليس للحصر:عملية ( وادي عيون الحرامية) التي نفذها الفدائي الشاب "ثائر حماد" على حاجز عسكري لجيش الاحتلال شمال مدينة رام الله في 3 آذار / مارس 2002 وأدت لمقتل 11 جندياً ومستوطناً وجرح 9 آخرين بـ 26 رصاصة . عملية( زقاق الموت ) في الخليل ١٥ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٢ نفذها الفدائيون الشباب "دياب محمد المحتسب، ولاء هاشم سرور، أكرم عبد المحسن الهنيني" في "الحي اليهودي" القريب من منطقة أبو سنينة قرب وادي النصارى القريب من مستوطنة "كريات أربع" ، واستمر الاشتباك العنيف لعدة ساعات، وأدت العملية حسب اعتراف العدو الصهيوني لمقتل أربعة عشر جندياً وضابطاً صهيونياً من بينهم قائد قوات الاحتلال في الخليل العميد درور فاينبرغ )
خاتمة
يكتب شهيد قضية التحرر الوطني والقومي "غسان كنفاني" (كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح، وإنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه).
الباسل أحد أولئك الرجال الحقيقيين الذين مزجوا الأفكار مع السلاح، بتأكيد جديد على أن النظرية الثورية هي التي توجه البندقية نحو الهدف الأسمى؛ حرية الوطن وتحرر الإنسان.
باسل سنكرر دائماً ماأكدته "لا تحلموا بعالم سعيد ما دامت "إسرائيل" موجودة "، و" فلسطين هي الأجمل بالنسبة لي... جمالها في أنها هي من منحتني جوابي في البحث عن المعنى، وهي من أجابت عن أسئلتي الوجودية وتمنحني مبرر وجودي وتعالج قلقي الدائم" ( كتاب وجدت أجوبتي ص 247 ).
أيها الباسل : ستبقى لكل من عرفك من رفاق ورفيقات دربك وأفكارك، ولشعبك وأمتك " مِسْكْ فايِحْ" كما كتب عنك ولك الدكتور" سيف دعنا " في مقالته التي حملت عنوان " باسل الأعرج : الفدائي الكامل "
كتب: محمد العبد الله
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت