علت أصوات انفجارات ولهيب نار واسعة قبيل الساعة الواحدة من ظهر يوم الخميس (5/3) في وسط مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، المخيم المكتظ بسكانه البالغ عددهم نحو 80 ألفاً، وتعالى صراخ المواطنين من هول ما شاهدوه، وكأن زلزال ضرب المنطقة.
فيما هبَّ سكان مخيم النصيرات لإنقاذ ذويهم من النيران التي التهمت أجسادهم ومصادر رزقهم، غير آبهين للموت الذي لا يوجع الموتى بل يوجع الأحياء الذين التهمت النيران أحلامهم وذكرياتهم. ولم تفلح طواقم الدفاع المدني في السيطرة على حريق النصيرات والذي استمر اشتعال النيران لأكثر من ثلاث ساعات، وشاركت سيارات «ضخ الباطون» والمياه العذبة في إخماد الحريق، فيما واصلت سيارات الإسعاف في نقل الضحايا والمصابين لكافة مشافي القطاع في محاولة لإنقاذ المواطنين.
وشاركت عدد من الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب المقاومة الوطنية الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية، في إخماد الحريق وإنقاذ المواطنين وتأمين نقل المصابين للمشافي وتقديم الدعم اللوجستي للجهات المختصة.
وأودى حريق مخبر البنا في مخيم النصيرات القريب من السوق المركزي للمخيم، بحياة 14 مواطناً من بينهم عدد من الأطفال، فيما أصيب نحو (55) مواطناً بينهم عشرة في حالة الخطر الشديد جرى نقلهم للمشافي خارج قطاع غزة، فيما تضررت عشرات المحال التجارية والمركبات بشكل كامل.
ويرجع سبب الحريق لتسريب غاز الطهي من صهريج سعته (3) طن، ما أدى لتشبع المنطقة بالغاز، وتبعه أصوات انفجارات كبيرة لوجود عدة أسطوانات غاز ومنجرة أخشاب ساعدت في توسع رقعة الحريق.
ويضطر أصحاب بعض المحال في قطاع غزة لتخزين الغاز والوقود، واقتناء مولدات كهربائية إضافية بسبب أزمة الوقود والكهرباء جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل للعام الرابع عشر على التوالي.
سواد قاتم
14 شهيداً بينهم أطفال ونساء وشباب، تركوا خلفهم ذكريات عديدة، منها أسرة المواطن إياد حمدان التي تعيش صدمة كبيرة بعد فقدان زوجته وابنته في حريق النصيرات الذي التهم معالم الحياة في المخيم وحوّله إلى سواد قاتم.
ولم يكن يعلم المواطن حمدان أن المكالمة التي أجرتها زوجته معه هي الأخيرة، وكانت تطلب المساعدة، عندما حاولت الأم وابنتها الهروب من مصدر النيران والاحتماء بأحد المحلات التجارية القريبة من مخبز البنا، قبل أن تصلها النيران وتحرق جسديهما.
فيما افتقد مخيم النصيرات الحاج سعيد الخواص (65 عاماً) صاحب صالون الحلاقة الذي توفي في أحد مشافي الضفة الفلسطينية متأثراً بحروقه البالغة التي أصيب بها، بعد أن التهمت النيران صالونه الصغير في فاجعة النصيرات.
عائلة عيد فقدت ابنتين وهما سالي (16 عاماً) وشقيقتها ريتال (3 أعوام) في ذات المحل التجاري الذي حرق قلب عائلة حمدان، وحوّل جسديهما إلى جثث متفحمة. ويقول محمود عيد الذي فقد اثنتين من بناته، والدموع تذرف من عينيه، «الفاجعة كبيرة جداً، وافتتحت بيوت العزاء في معظم شوارع مخيم النصيرات».
وشيع مخيما النصيرات والبريج وسط القطاع شهدائهما بحزن وألم شديدين.
واعتبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ضحايا فاجعة النصيرات شهداء من شهداء الثورة الفلسطينية، وأوعز لرئيس حكومته اشتية بتبني الجرحى وعلاجهم في مشافي الضفة الفلسطينية. وبادر مجموعة من الشبان، بتنظيف شوارع مخيم النصيرات من آثار الحريق الكبير، والذي اندلع بالمخيم.
أضرار حريق النصيرات
وأحصت اللجنة الميدانية أضرار حريق النصيرات، وهي كالتالي، (3) منشآت اقتصادية، (27) محلاً تجارياً، (42) بسطة شارع، و(22) مركبة. وأكد رئيس مكتب الإعلام الحكومي بقطاع غزة سلامة معروف، وجود قرار واضح بمحاسبة المتسببين عن وقوع حادثة النصيرات، موضحاً أن اللجنة الفنية تحقق هندسيًا وجنائيًا واستعانت بشهود عيان وتسجيلات كاميرات المراقبة إضافة للتحليل الفني لمسببات الحريق بناء على مخلفاته بحسب الدفاع المدني.
وعقبت بلدية النصيرات في بيان لها على الحادثة بوجود قصور في إجراءات السلامة المتبعة من قبل إدارة المخبز، وأنها لا تمنح الرخصة إلا بعد استكمال جميع الوثائق والإجراءات المطلوبة من اللجنة الوطنية المهنية المكونة من (الدفاع المدني، ووزارة الصحة، ووزارة العمل، ووزارة الاقتصاد، والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين).
وقالت البلدية إن «اللجنة الوطنية المهنية نفذت جولة تفتيش ميدانية على كل المخابز في النصيرات، والتي من ضمنها المخبز الذي وقع به الحادث، حيث طلبت منه اللجنة تنفيذ إجراءات الأمن والسلامة اللازمة خلال أسبوعين من التاريخ المذكور (25/2)، وقد تعهد صاحب المخبز بكتاب خطي بتنفيذ ما طُلب منه، إلا أن وقوع الحادث الجلل كان خلال المدة الممنوحة له».
حرف الأنظار
ورد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي على القرارات الصارمة من بلدية النصيرات، بالقول إنها «تهدف لحرف الأنظار عن حجم الخلل وغياب المسؤولية لدى ذوي الاختصاص»، فيما طالب آخرون بإقالة رئيس بلدية النصيرات وكافة أعضاء المجلس البلدي لتقصيرهم، وتشكيل لجنة تحقيق شفافة تشارك فيها مكونات مجتمعية.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن لجنة التحقيق التي شُكلت ووضعت يدها على مسببات الحريق، والتي ترجع لوجود قصور لدى إدارة مخبز البنا، أرادت أن تنقذ نفسها من الاتهامات الملوحة ضدها بالتقصير. مطالبين بتشكيل لجنة تحقيق محايدة في الحادثة والكشف عن نتائجها ومحاسبة المسؤولين عنها.
ويقول المراقبون، إنه «أمام هذه الفاجعة، لم يفكر رئيس بلدية النصيرات بالمطلق تقديم اعتذار للمواطنين عما حصل في مخيم النصيرات».
فاجعة النصيرات لم تكن الأولى فقد سبقها مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، وسيلحق بها مصائب كثر بألوان من الألم والوجع، ما لم توضع النقاط على الحروف في تحمل الجميع مسؤولياته في إنقاذ القطاع من حقل الألغام الذي يلتف على خاصرته على نذير الانفجار ليقدم لحمه المر ويسكب دمه في كل حدب وصوب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت