في اليوم الثالث من وفاتي بفيروس الكرونا

بقلم: طلال الشريف

د. طلال الشريف

هم يعلنون حالة الطوارئ، وأنا في وضع صحي حرج بعد إسبوع من محاولات تشخيص حالتي هل هي كرونا  أم هي نزلة برد عادية أثرت بشكل كبير على الرئتين وخلال فترة حجر للإشتباه بالمرض الكوروني قالوا في قسم الأشعة أن الرئتين في حالة تليف متسارع ولم يتبق إلا شريط بحجم سنتيمترين أعلى الرئة اليسرى لا يكاد يكفي للتنفس حتى بجهاز التنفس الصناعي وأن دقائق أو ساعات ضئيلة ينتظرها الأهل لتسلم الجثمان لدفني، وإنتظار عائلة أخرى طال انتظار مريضها عشر ساعات لعدم توفر جهاز تنفس صناعي حيث أن غرفتي العناية بأجهزتها الإثني عشر باتت لا تكفي بسبب العدد المتضاعف جدا فجأة من المصابين بالمرض.
 تستعجل عائلة المريض المنتظر دوره لسريري وجهاز التنفس الذي سيخلى بعد قليل بوفاتي وسيجري تعقيم سريري أو غرفة العناية المركزة وتنظيف جهاز التنفس الصناعي الذي يحتاج على الأقل ساعتين إلى ثلاثة ساعات وهو تعقيم جزئي وليس كاملا، ولكنها حالة الطوارئ الكبرى لإنتشار الفيروس التي لا تسمح بإغلاق الغرفة وتعقيم الأجهزة والإدوات لمدة 24 ساعة ، فالناس يتهافتون بحالاتهم الصحية  الخطرة كالجراد إنه الوباء ينتشروبسرعة البرق  ولا يمكن ضبط إجراءات التعقيم .
في الساعة الثالثة فجرا غادر آخر أبنائي الواقف خارج زجاج الغرفة الذي يطل على سريري ليأخذ قسطا من الراحة بعد يوم شاق واقفين خارج الزجاج وفي الخامسة صباحا أعلن الطبيب المناوب وفاتي وتم نقل جثتي على عجل لثلاجة الموتى بالمشرحة حيث المريض الآخر يتحصل على فرصة لإمكانية الحياة.
 في الساعة السادسة صباحا دخلت إجراءات الطوارئ المعلنة في المساء أي قبل وفاتي بساعات حيز التنفيذ وبصرامة تم التطبيق في منع أي زائر للوصول للمستشفى.
في الساعة التاسعة صباحا حاول إبني وأقاربي المقيمين في المدينة إستلام الجثة لدفنها لكن حدث ما لا يخطر على البال، أين أوراقي وجواز سفري فأنا زائر ولست مقيما  ولا يعرفون أين خبأتها في البيت، حاول إبني جاهد العثور عليها لكن دون جدوى. مر اليوم الأول وأنا في ثلاجة الموتى ينتظرون السماح بأخذ الجثة وتجاوز موضوع جواز السفر.
ولكن القانون سيد الموقف ولا يدرون  من هذا الرجل المتوفي فالميت عند الحكومة وكل سلطة هو أوراق مادام ليس حيا وتخشى السلطات من تحمل مسؤولية دفن شخص ميت ليس معروفا من هو على الوثائق. في صباح اليوم الثاني حاول إبني وأقاربي توسيط المعارف والمسؤولين لإنهاء المشكلة القانونية لدفني ولكن أيضا باءت محاولاتهم بالفشل، وتتابعت أعداد الموتى ولكن أهلهم ينهون الإجراءات ويمضون بهم للدفن.
 في اليوم الثالث كان الناس قد إشتروا كل ما في المولات والدكاكين من مواد تموينية ومنظفات ومطهرات وساد الصمت المدينة. في المساء أحسست بدخول هواء من أنفي ولا أرى في لحظة تحركت جفوني ولكن ظلام دامس في المكان وفجأة أرى شعاعا خافتا  وأسمع حركة وأحد ما يحاول سحب درج الثلاجة التي أقيم فيها، وبالكاد أرى  وجه يشبه وجه إبني ثم يعود الظلام بعد صوت الدرج يندفع للداخل.
البرد قارص والرائحة نتنة في هذا المنام  تتحرك أطرافي يزحمني بول هيا إلى الحمام كالعادة في هذا الوقت بعد إحتساء قهوات المساء، أذهب للحمام وأتبول وإتذكر أن زوجتي ليست في مكانها قربي لعلها ذهبت للمطبخ كعادتها صباحا، لم أجدها في المطبخ، يا للهول صمت رهيب لا أصوات ولا حركة لإحد في الشارع وأنا ألقي نظرة للخارج من الشرفة، أهبط سريعا درجات ثلاث هي من توصلني خارج المنزل، أنظر على اليمين وعلى اليسار لا أحد ولا عربات ولا طير ولا  أي مخلوق  في الشارع سوى حركة بعض أوراق شجرة على يمين الشارع الطويل، أين زوجتي وأولادي وأين الناس لا شيء يتحرك، أركض هنا وهناك إلى أين لا أدري كل الأشياء ساكنة، في آخر الطريق وعلى بعد النظر أرى حيوانا كبيرا شاهق الظهر وطوله مئات الأمتار يسير بسرعة، أركض سريعا نحوه فلا أحد في المدينة والحياة دون حركة موحشة جدا والصمت مرعب قاتل وأواصل الركوض بسرعة أكبر وعندما أصبحت بموازاة ذاك الحيوان الضخم الطويل المليء بالناس الهاربين من صمت المدينة أخذت أستجمع قواي وأحاول القفز عند الناس على ظهر الحيوان ولكني قد أسقط تحته فأتراجع، وأعود أركض أسرع فلماذا سأبقى وحدي هنا بلا ناس، الفرار فيه نجاة ويبدو أن الحيإة قد إنتهت على الأرض، وأسرع أسرع أسرع الركوض أكثر علني أقفز لظهر الحيوان،  وبلحظة بكل قوة أغمض عيناي وأقفز طائرا في الهواء إلى ظهر الحيوان الضخم، فإذا بي أرتطم بالأرض صارخا من الألم لتصحو زوجتي مذعورة على صوت الإرتطام وصراخي.  
أفتح عيناي وأطلب منها المساعدة وهي تضحك من سقوطي عن السرير موبخة بإبتسامة، قلت لك أنك شربت خمس مرات قهوة وعلبة سجاير كاملة ونحن نتابع فيلما هنديا طويلا في الصالون ولكنك لم ترد أحسن هيك تقعد تخربط وتحلم وتقع عن السرير ، قوم ياراجل قوم شوف الكرونا ملت البلد شوفلنا حل بلكي جبتلنا تنتين أير دكتور هذي اللي بيعلقوها في رقابهم ، يمكن تمنع عنا العدوى، وأنا مازلت ممددا على الأرض تذكرت حلمي، وقلت لها إسكتي يا ولية أنا صارلي تلات تيام ميت من الكرونا ومش عارفين يدفنوني مش لاقيين جواز السفر.
 ولا بينفع أير دكتور ولا غيره يمكن اللي بيموت بالكرونا بيصحى بعد تلات أيام قولي للناس ما تدفنوش الميت بالكرونا وإستنوا عليه راح يصحي بعد تلات أيام زي ما حصلي في الحلم. يا ويللي عاللي دفنوهم بسرعة وقالوا إنهم ماتوا، أكيد خنقوهم تحت الرمل، إذا لليوم مش عارفين شو هالفيروس وكيف يحموا الناس منو، كيف يدفنوا الناس اللي ماتوا، مش يمكن مش ميتين، وبيصحوا في اليوم الثالث تبعين الكرون.


 د. طلال الشريف

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت