حذر مركز الميزان لحقوق الأنسان من كارثة حقيقية في قطاع غزة بعد انتشار فيروس "كوفيد 19" حول العالم، مطالبا المجتمع الدولي بالتحرك فورا لإنهاء حصار غزة.
جاء ذلك في بيان صدر عن المركز بمناسبة مرور عشرون عاماً مرت على حصار غزة الذي أعلنته سلطات الاحتلال في 9/10/2000، ونحو ثلاث عشرة عاماً على إعلان غزة كياناً معادياً وتشديد الحصار وإحكامه ليطال حركة الأفراد والبضائع في تموز(يوليو) 2007، الأمر الذي مسَّ مساساً جوهرياً بحقوق الإنسان وانتهك قواعد القانون الدولي، وأفضى إلى تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية، تحول معه قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة.
وأضاف البيان "في ظل انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، حيث تصارع البشرية لإنقاذ الحيوات حول العالم، تواصل سلطات الاحتلال محاصرة قطاع غزة، وتتحلل من واجباتها القانونية كقوة قائمة بالاحتلال في دعم الخدمات الصحية والمستشفيات في قطاع غزة، وتزويده بالمواد والتجهيزات الضرورية للتعامل مع جائحة الكورونا، وتترك سكانه في معزلهم يواجهون الموت في ظل نقص الإمكانيات المادية والبشرية في مواجهة الجائحة، بعد وصول المرض إلى قطاع غزة وإصابة (10) أشخاص( إرتفع إلى 12 شخص) وحجر الآلاف".
وتشير المعلومات المتوفرة للمركز أن قطاع غزة يعاني أزمة حقيقية في حال تفشي الفيروس فيه، وتقف قلة الإمكانات المتاحة في مواجهته ضعيفة قياساً بدولة الاحتلال ومختلف دول العالم، حيث بلغ عدد أسرة العناية المركزة فيه (110)) سريراً للبالغين، منها (78) في مستشفيات وزارة الصحة، و(7) أسرّة توجد لدى الخدمات الطبية العسكرية، فيما تمتلك المؤسسات الطبية الأهلية (12) سريراً، فيما يوجد لدى المؤسسات الطبية الخاصة (13) سريراً. ووزعت أسرّة العناية على محافظات القطاع فاحتلت محافظة غزة المرتبة الأولى بـ61 سريراً، وخان يونس ثانية بـ23 سريراً، ومحافظة شمال غزة ثالثة بـ16 سريراً، و10 أسرّة في المحافظة الوسطى، في حين تخلو محافظة رفح من أسرّة العناية المركزة. الجدير ذكره أنّ ما نسبته 72% من أسرة العناية المركزة في مستشفيات وزارة الصحة مشغولة، ما يعني وجود (22) سرير فعلياً جاهزة لاستقبال حالات الإصابة بفيروس كورونا في حال انتشاره.
وفي سياق متصل؛ يعبّر عدد أجهزة التنفس الصناعي اللازمة لعلاج مصابي فيروس "كوفيد 19" عن حجم المأساة، حيث يبلغ عدد أجهزة التنفس الصناعي العاملة في وحدات العناية المركزة في قطاع غزة (96)) جهازاً، منها (63) جهازاً في مستشفيات وزارة الصحة فقط، و(9) أجهزة في المستشفيات التابعة للمؤسسات الأهلية، و(7) أجهزة في مستشفى كمال عدوان التابع للخدمات العسكرية الطبية، فيما يوجد (17) جهازاً في المستشفيات الخاصة منها 10 أجهزة غير مفعلة. وبلغ عدد أجهزة التنفس الصناعي في محافظة غزة 49 جهازاً، وفي خان يونس 21 جهازً، و17 جهازاً في محافظة شمال غزة، ويوجد 9 أجهزة في المحافظة الوسطى، في حين تخلو محافظة رفح من أجهزة التنفس الصناعي.
ويعاني قطاع غزة من نقص حاد في معدات التحليل، ما يحول دون قدرة وزارة الصحة على تحليل كل الحالات المشتبهة والانتظار لحين ظهور أعراض المرض. كما ويعاني القطاع الصحي من نقص في ملابس وأدوات الوقاية المخصصة للطواقم الطبية في صراعهم مع فايروس كورونا.
ذلك يعني أن نسبة عدد الأجهزة بالنسبة لعدد السكان في القطاع هي جهاز تنفس صناعي واحد لكل 33.333 نسمة، بينما تصل تلك النسبة في دولة الاحتلال، والتي تشير الصحف الإسرائيلية إلي أنها تمتلك 3000 جهاز تنفس في القطاعين المدني والعسكري، هو جهاز تنفس صناعي واحد لكل 3306 نسمة. وتكشف هذه الأرقام حجم الكارثة التي تنتظر القطاع فيما لو تفشى الوباء بداخلها، وهو خطر حقيقي قائم، في ظل توفر هذا العدد المتواضع من الأجهزة، الذي يتم إشغال أكثر من 80٪ منها للحالات الطارئة لمرضى القلب وغيره في الأوقات العادية.
الجدير أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي سمحت بإدخال كميات محدودة جداً من عدة التحليل حيث تشير وزارة الصحة إلى أن الكميات المتوفرة تسمح بإجراء حوالي (1500) تحليل فقط، جرى استخدام جزء كبير منها. وفيما لا تتمكن وزارة الصحة في غزة من إجراء تحليل لبضع عينات يومياً، تجري سلطات الاحتلال 10.000 تحليل يومياً لمواطنيها وتسعى لزيادة العدد إلى 30.000.
ويجدر التذكير أن الأوضاع في الضفة الغربية ليست أفضل بكثير من أوضاع القطاع وهو ينذر بكارثة حقيقية بانتشار الإصابة بالفايروس لعدم توفر أي مخزون لتحليل شامل لتلك الحالات المشتبه فيها. فيما تواصل قوات الاحتلال فرض حصاراً مشدداً على قطاع غزة، ولم توقف هجماتها الحربية التي كان آخرها فجر الجمعة 28/3/2020. وأفضت الهجمات العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق إلى تدمير البنية التحتية، وأسهمت في تدهور مستوى الرعاية الصحية، وأفضت إلى نقص دائم في الأدوية والمستلزمات الطبية والمستهلكات الطبية، لدرجة أوقفت معها وزارة الصحة العميات الجراحية مرات عدة.
هذا ويهدد انتشار الوباء في المنطقة حياة من يعانون أمراض خطيرة من سكان قطاع غزة والذين يتلقون العلاج خارج قطاع غزة حيث ألغت المستشفيات مواعيد جلساتهم العلاجية، كما أن القيود الإسرائيلية التي تفرضها على حرية الحركة لهم ولمرافقيهم تهدد حقهم في تلقي العلاج وتنطوي على خطورة حقيقية على حياتهم في ظل عدم قدرة قطاع الصحة في غزة على التعامل مع حالاتهم بسبب تدهور البنية التحية وتوفر العلاجات المناسبة بفعل ما تفرضه دولة الاحتلال من حصار.
وتأتي جائحة كورونا في وقت يشهد فيه الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة انهياراً متسارعاً وغير مسبوق، وتفشي لظاهرة البطالة التي سجلت ما نسبته (52%) في صفوف القوى العاملة. واللافت أن البطالة في صفوف الشباب في سن (18-29) عاماً ارتفعت خلال عام 2018 من 53% إلى 69%[5].كما تفشى الفقر بين السكان وسجل ما نسبته (53.0%)[6].كما أظهرت المعطيات المتوفرة أن ما نسبته (68.5%) من الأسر في قطاع غزة تعاني من انعدام الأمن الغذائي[7]، وتواجه صعوبات في توفير كمية ونوعية الطعام بسبب محدودية الموارد المالية. هذا وأشارت وكالة الغوث الدولية إلى أن نحو 80٪ من السكان يعتمدون على المساعدات الغذائية. ولا شك في أنه من شأن التدابير المتخذة للحد من انتشار الفيروس أن تقوض أسباب الحياة في حدودها الدنيا لأكثر من نصف السكان في قطاع غزة، الأمر الذي يتطلب على نحو عاجل دعم الأسر الفقيرة ومن يفقدون دخلهم، ولاسيما وأن متوسط الدخل يشهد انخفاضاً متسارعاً في قطاع غزة، ولم يعد العمل يخرج صاحبه من دائرة الفقر.
ويكفي هنا الإشارة إلى أعداد الضحايا من الفلسطينيين الذين قتلوا أو أصيبوا خلال مشاركتهم في مسيرات العودة السلمية للوقوف على حجم الضغط المتواصل الذي يرزح تحت عبئه قطاع الصحة. وفي هذا السياق يشير مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن قوات الاحتلال قتلت (217) شهيداً، من بينهم (48) طفلاً، وسيدتين، و(9) من ذوي الإعاقة، و(4) مسعفين، وصحافيين اثنين. كما أوقعت تلك القوات (19237) إصابة، من بينهم (4974) طفل، و(867) سيدة، ومن بين المصابين (9517) أصيبوا بالرصاص الحي، من بينهم (2127) طفلاً، و( 191) سيدة.
فيما بلغ عدد مرات استهداف الطواقم الطبية (283) مرة، أسفرت عن إصابة (225) مسعف، تكرر إصابة (44) منهم أكثر من مرة، فيما بلغ عدد مرات استهداف الطواقم الصحفية (249) مرة، أسفرت عن إصابة (173) صحافي، تكرر إصابة (43) منهم أكثر من مرة.
ويعاني سكان غزة من انقطاع التيار الكهربائي والتلوث البيئي، وانعدام المياه الصالحة للشرب، والنقص الحاد في المساكن، في ظل استمرار عمليات هدم وتدمير المساكن وإعاقة إعادة بنائها حيث سمحت سلطات الاحتلال منذ أسابيع فقط بمرور مواد البناء بعد أن خففت نسبيا من القيود الصارمة التي فرضتها على دخولها، في ظل انهيار الاقتصاد في قطاع غزة. وهذه عوامل تولّد الأمراض، فيما تتطلب مواجهة جائحة كورونا خفض التلوث وتعقيم الأماكن والمنشآت وتعزيز النظافة الشخصية باستخدام مياه غير ملوثة لغسل اليدين والاستحمام.
و
ما يثير القلق أن سلطات الاحتلال تواصل سياستها العنصرية ضد الفلسطينيين ولا تضع الأبعاد الإنسانية في اعتبارها، ولاسيما وأننا أمام جائحة توحد مشاعر البشرية جمعاء وتدفع إلى تعزيز التعاون والتنسيق الدوليين للقدرة على مواجهتها والحد من الخسائر في أرواح البشر وتقليص الأضرار إلى أكبر قدر ممكن. لقد تجاهلت سلطات الاحتلال المناشدات الدولية للإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وأفرجت عن السجناء الجنائيين الإسرائيليين، فيما تبقي على اعتقال النساء والأطفال والمعتقلين المرضى الذين مر على بعضهم نحو ثلاثة عقود وهم في السجن. ناهيكم عن مئات المعتقلين الإداريين الذين تزج بهم سلطات الاحتلال في السجون دون تهمة وتجدد اعتقالهم بعرضهم أمام محاكم صورية. ولعل الصورة الأشد قسوة كانت تلك المشاهد التي بثتها وسائل الإعلام المرئية لعمال فلسطينيين يعملون داخل الخط الأخضر ألقت بهم قوات الاحتلال عند حواجزها العسكرية بعد الاشتباه بإصابتهم بفيروس كورونا (كوفيد 19) الأمر الذي يظهر بشكل جلي العقلية العنصرية التي تتحكم في سلوك سلطات الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
مركز الميزان حذر مجددا من كارثة حقيقية ينطوي عليها تفشي الجائحة فيما لو خرجت عن السيطرة في قطاع غزة، وهو خطر حقيقي وقائم وهو ما يعني أن حياة عشرات الآلاف من سكان القطاع تصبح تحت تهديد غير مسبوق في ظل ضعف الإمكانيات.
وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان إنه "إذ يضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته فإنه ويحذر من كارثة حقيقية سوف تطال القطاع ويطالبه بالتحرك فورا لغوث قطاع غزة ومساعدته على نحو عاجل بأجهزة التنفس الصناعي وعدة التحليل والأدوية الضرورية للحد من الخسائر في الأرواح جراء هذه الجائحة التي ضربت العالم ولم تستثنِ قطاع غزة."
كما يجدد دعواته المتكررة بتفعيل توصيات لجان التحقيق الأممية في تفعيل المسائلة والمحاسبة عن انتهاكات القانون الدولي، والعمل دون إبطاء على إنهاء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأضاف مركز الميزان إنه " إذ يدرك الظروف الصعبة التي يمر بها العالم، فإنه يتوجه لكل الفاعلين والمتجمع المدني الدولي والحركات الاجتماعية والأحرار في العالم بأن يساندوا سكان قطاع غزة، الذين يعيشون تحت حصار خانق يحرمهم من أبسط مقومات حياتهم الطبيعية". مشيرا إلى أن ما اختبره العالم من قيود على حرية الحركة والتنقل ومن نقص في توفير الغذاء والدواء وفي البطالة التي بدأت تنتشر حول العالم كواحدة من تداعيات الجائحة كاستثناء في حالة الطوارئ القائمة، فإنها القاعدة والحالة المزمنة التي يعيشها سكان قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي والهجمات العسكرية واسعة النطاق التي تشنها قوات الاحتلال.