الحكومة الفلسطينية والتحديات المُركَبة للكورونا

بقلم: إبراهيم أبراش

ابراهيم ابراش

ما أن تم اكتشاف إصابات بفيروس الكورونا في مدينة بيت لحم في بداية مارس حتى أعلنت الحكومة الفلسطينية في الخامس من نفس الشهر عن إعلان حالة الطوارئ في مجمل مناطق السلطة مع اتخاذ إجراءات وقائية مثل :إغلاق المطاعم والمقاهي ،تعليق الدراسة في المدارس والجامعات ،إعفاء الموظفين من الالتزام بالالتحاق بمكان عملهم في المؤسسات العامة ،الحد من الحركة عبر المنافذ الحدودية وما بين المدن ،وقف النشاط السياحي ،إغلاق الأسواق الشعبية ،تخصيص أماكن لحجز المصابين أو المشتبه بإصابتهم بالكورونا ،ومع انتشار الوباء في إسرائيل وخوفا من تفشي الوباء بين العمال الفلسطينيين هناك طلبت السلطة من العمال العودة لبيوتهم وعاد بالفعل عشرات الآلاف من العمال وفي الأيام القادمة سيعود الآلاف .

لو وضعنا هذه الإجراءات في سياق ما أقدمت عليه الدول الكبرى والمتقدمة من إجراءات لمواجهة نفس الحالة يمكننا القول بأن تصرف الحكومة الفلسطينية يعبر عن وعي صحي وحرص على سلامة المواطنين ويعبر عن 'حساس كبير بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية ، ولكن ،هذه الإجراءات سيترتب عليها تداعيات أو التزامات مادية كبيرة كتوقف عجلة الإنتاج وتراجع حاد في القوة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة التي في الأصل مرتفعة ،وهو الأمر الذي يحتاج لخطوات عملية ذات طبيعة مالية واقتصادية لمواجهة الخطر وحماية المواطنين من الفقر والعوز والآفات الاجتماعية والنفسية التي ستترتب عن التزام الناس بيوتهم دون عمل .

إن كانت اقتصاديات دول العالم بما فيها الدول الكبرى اختلت بسبب الكورونا وتمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية ،فكيف سيتمكن الاقتصاد الفلسطيني الضعيف أساساً بسبب الاحتلال وحصاره من مواجهة الأمر والموائمة ما بين واجب الحفاظ على صحة المواطنين من جانب والحيلولة دون انهيار الاقتصاد وربما الإطاحة بالسلطة برمتها من جانب آخر ؟وخصوصاً أن السلطة تعتمد اعتماداً كبيراً على أموال المقاصة التي تتحكم بها إسرائيل وحجزت عليها في الفترة الأخيرة (وهي أموال تمثل إيرادات الضرائب والجمارك على السلع الواردة من الخارج وتمثل نسبة 65 في المئة من إجمالي الإيرادات وتبلغ شهرياً وفق بيانات ميزانية فلسطين 2019 نحو 195 مليون دولار)،الإضافة إلى تراجع الدعم الخارجي والذي سيتأثر كثيراً بسبب الازمات المالية التي تعاني منها كل الدول المانحة للسلطة الفلسطينية ؟ .

في دول العالم التي اتخذت إجراءات شبيهة بتلك التي اتخذتها السلطة الفلسطينية تم تعويض كل من تضرر نتيجة القرارات الحكومية بعدم الذهاب للعمل وتم دفع مبلغ مالي يكافئ تقريباً ما كان يتقاضاه بالإضافة إلى الرعاية الصحية وضخ مليارات الدولارات لحماية الاقتصاد الوطني ،ودول أخرى وإن كانت غير قادرة على تعويض المتضررين مالياً إلا أنها أسست صناديق وطنية خاصة للتبرع لدعم المتضررين من الفئات الفقيرة كما جرى في المغرب ،حيث أعلن الديوان الملكي المغربي عن تأسيس صندوق بقيمة مليار دولار تقريباً ستخصص لتغطية النفقات الطبية ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة من انتشار وباء كورونا المستجد . هذه الإجراءات وإن كانت تخفف بعض الشيء عن المواطنين إلا أنها لن تحول دون تضعضع الوضع الاقتصادي لهذه الدول بل يحذر خبراء دوليون من شبه انهيار للاقتصاد الدولي إن لم يكن للنظام العالمي برمته .

إن مجرد مقارنة بسيطة بين الوضع الاقتصادي والمالي للدول وما خصصته لمواجهة فيروس كورونا والوضع الفلسطيني سنلمس التحدي الكبير أمام السلطة الفلسطينية إن تفاقم الوضع وتفشى الفيروس وخرج عن السيطرة كما حذر الرئيس أبو مازن في خطابه الأخير .

فمثلاً خصصت سبع دول عربية 81.5 مليار دولار خلال شهر مارس/ آذار بهدف دعم الاقتصاد وحماية المستهلكين والشركات من تداعيات تفشي انتشار فيروس كورونا المستجد ،أما على المستوى الدولي فبريطانيا مثلاً تعهدت بحزمة حوافز اقتصادية بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني لتجهيز الاقتصاد البريطاني لمواجهة تأثيرات انتشار فيروس كورونا ،أما إيطاليا فخصصت 25 مليار ،والنرويج أنشأت صندوقين بقيمة تسعة مليارات يورو لمساعدة شركات البلاد في تجاوز الأزمة التي تسبب بها الوباء ، والنمسا تعهدت بتخصيص 4 مليارات يورو (4.4 مليارات دولار) كمساعدات حكومية، والسويد: طرح قروض بقيمة 500 مليار كرون (51 مليار دولار) للبنوك بغرض  الحيلولة دون تعرض الشركات القوية لضربات بسبب تفشي الفيروس ،وسويسرا رصدت 10 مليارات فرنك (10.5 مليارات دولار) لتخفيف الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا الخ ،وهذه الأرقام كانت في شهر مارس وهي قابلة للزيادة وقد زادت بالفعل في بعض الدول مع تفاقم الحالة ،واقتصاديات هذه الدول تسمح لها بضخ هذه الأموال والمساعدات .

كان الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء محمد اشتيه واضحين في التحذير من مخاطر الفيروس وتبعاته الصحية والاقتصادية وضرورة أن يتحمل الجميع المسؤولية لأن الوضع المالي للسلطة لا يسمح لها بتَحَمُّل كل النفقات ،وكان رئيس الوزراء واضحاً عندما قال بأن السلطة وإن كانت قادرة على صرف رواتب هذا الشهر فلا ضمانة بأنها قادرة على ذلك في الأشهر الموالية .

إذا كانت الحكومة غير قادرة على صرف الرواتب العادية فكيف ستعوض الناس الذين تعطلت أعمالهم وتوقف مصدر رزقهم بسبب الإجراءات الحكومية المترتبة عن إعلان حالة الطوارئ للشهر الثاني على التوالي ؟ فمن سيدفع للعمال العائدين من إسرائيل ولعمال المطاعم والمقاهي والسياحة والذين يسترزقون في الأسواق الشعبية وسائقو وأصحاب سيارات الأجرة والنقل العام ،وكل عمال القطاع الخاص ،والغالبية العظمى من هؤلاء عمال مياومون بلا نظام تأمين اجتماعي ؟ .

لم تقصر الحكومة الفلسطينية في القيام بواجبها حسب ما يتوفر لها من إمكانيات ، ولكن على وكالة الغوث (الأونروا) القيام بما عليها من التزامات بمقتضى النظام المؤسِس لها ،فهي مسؤولة عن حياة اللاجئين الفلسطينيين وخصوصاً في مجالي الصحة والتعليم وهناك حوالي 41% من سكان الضفة وغزة من اللاجئين (نسبة 65% من ساكنة غزة ونسبة 26% من ساكنة الضفة ) وهؤلاء بالإضافة إلى لاجئي سوريا ولبنان والشتات من مسؤولية وكالة الغوث . أيضاً على دول العالم الضغط على إسرائيل لفك حصارها عن غزة وإطلاق سراح أموال المقاصة التي تقرصنها إسرائيل ، كما يجب على أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال الفلسطينيين الذين اغتنوا في زمن رخاء السلطة أن يقوموا بواجبهم الوطني ليس لحماية السلطة بل لحماية  الاقتصاد الوطني والشعب من وباء الكورونا .

وأخيرا فإن التحديات أمام الحكومة الفلسطينية لا تقتصر على التداعيات التي تعاني منها  الدول الاخرى بل هناك تحديات نابعة من خصوصية الحالة الفلسطينية  المعقدة والمركبة .فبالإضافة إلى التحدي المالي والاقتصادي المُشار إليه أعلاه ،هناك التحدي الأمني الذي قد ينتج في حالة عدم قدرة الحكومة على تأمين متطلبات الحياة الكريمة وتعويض المتضررين وخصوصا الذين يعملون في إسرائيل والمستوطنات ،وسيكون التحدي كبيرا في حالة عجز السلطة عن دفع الرواتب في الأشهر القادمة .

أيضا ستواجه الحكومة تحديات سياسية حيث من المعلوم في علم السياسة ومن واقع الحياة أن الخضوع والولاء للسلطة خصوصا في الدول النامية والفقيرة يرتبط بدرجة كبيرة ويتحرك صعودا وهبوطا بمدى قدرة السلطة على تقديم الغواية المالية من رواتب ومساعدات وليس على أساس الولاء الوطني أو الأيديولوجي ،أيضا يبرز التحدي السياسي بالنسبة لتجاوب السلطة القائمة في غزة مع تعليمات الرئيس وحكومة اشتيه ،وللأسف وبدلا من أن يحرك ويستنهض الوباء الإحساس بالمسؤولية عند الطبقة السياسية ويدفعها لتجاوز خلافاتها من أجل المصلحة الوطنية كما جرى في إسرائيل وفي كل دول العالم ،بدلا من ذلك يتعمق الانقسام وتستمر المناكفات السياسية ،حتى وإن كانت من طرف الصغار من الطرفين ،ومحاولة توظيف انتشار الوباء لتحقيق مصالح حزبية تعزز حالة الانقسام .

 إبراهيم أبراش

[email protected]

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت