في ملحمة العبور إلى فلسطين، قضى وسام سعدية شهيداً مساء الخامس من حزيران/يونيو 2011، كانت بالنسبة له ملحمة العبور المقدس إلى فلسطين، عندما عبرها للمرة الأولى في الخامس عشر من أيار ومن الموقع ذاته، محاولاً الوصول إلى طبريا موطنه الأصلي في فلسطين. وفي النصوص التي تركها بخط يده، نقرأ نصوص نثرية وشعرية، ومحاولات تخفي في داخلها طاقة كامنه هائلة لحالة واعدة، كان لها أن تكون حالة فلسطينية متميزة.
الشهيد وسام خالد سعدية، من مواليد مخيم اليرموك 1995، والده من طبريا، ووالدته من يافا. درس المرحلة الابتدائية في مدرسة النقب التابعة لوكالة الأونروا، والمرحلة الإعدادية في مدرسة الكرمل التابعة للأونروا أيضاً.
أما المرحلة الثانوية، فكان قد بدأها في ثانوية الشهيد فايز منصور التابعة لتربية دمشق، والواقعة في منطقة الحلبوني وسط دمشق. واستشهد وهو في الصف العاشر (الأول الثانوي) أثناء الإعداد لفترة الامتحانات الفصلية الثانية للعام الدراسي 2010/2011.
كان وسيم خالد سعدية، شاباً وسيماً أسماً ومضموناً. كان فتى فلسطيني رائع، يحمل قسمات وطن استثنائي، لشعب استثنائي، ينتمي للشعب الفلسطيني الواحد الموحد في الداخل والشتات، ولفلسطينيي سورية، الذين باتوا (أعرف من التعريف) في الوطنية والالتزام، وفي الإقدام والشهادة من اجل وطنهم التاريخي رغم السنوات الطويلة من عمر النكبة والولادة خارج فلسطين في ديار المنافي والشتات.
تحوّل الفتى وسام، إلى حالة شبابية فلسطينية صاعدة، فكان ألمعيا في جيله الصاعد، ذكياً، طيب السيرة والسريرة، يحمل موهبة شاعر، وموسيقي، محبوب، خفيف الدم، صاحب إحساس مرهف، خلوق في معشره، يحمل حماساً منقطع النظير لفلسطين. كنب في نثرياته يقول :
أنا من فلسطين ...قصيدتي وترنيمي ... عهدي وتصميمي ... بعدي عنها يبكيني
وحبها يرويني ... جرحها يدميني ... وسقمها يعنيني ... وقصتي مع فلسطين ...
قصة العاشق المتيم بدأت منذ عشرات السنين ... أرجوك سجل عندك ولاتخف ...
سجلها شامخة كالجبال ... وخطها من دم شراييني ... ســـأقولها وبأعلى صو
... ســـجل أنـــا من فــلســـطين
كانت نكسة ونكبة أبويه، انه وحيدهم إلى جانب شقيقتين وقد استشهد بيد عدو فاشي لم يرتدع حتى الآن، فبكاه بحسرة كل أبناء مخيم اليرموك، لكن لوعة البكاء زادتهم إصرارا على السير قدماً في الطريق المقدس نحو فلسطين طال الزمن أم قصر.
الشهيد الوسيم وسام خالد سعدية، كتب ديوانه الشعري الأول وهو على مقاعد مدرسة النقب التابعة للأونروا، وهو في الصف التاسع، وفي مقدمة ديوانه الشعري المخطوط بقلمة وبيده يقول في نثرية تحت عنوان (يالذيذ يارايق) :
انشا الله تعرف تقرأ خطي المفشكل
هادا طبيعي حتى بالبيت أهلي بغراضي بتتشركل
حتى أوراقي أهوى منظرها على الأرض عندما أرميها وبتتكعبل
كتبي هنا، وهنا حقيبتي، وحتى ملابسي تعرفني هنا وهنا
وأنا وامي دائماً في مشكل
هذا أنا طالب الثانوية .. وسام خالد سعدية
فهل من حل لعقلي المبعثر
في نثرياته ومحاولاته يكتب إلى وطنه فلسطين، والى مدينته طبريا، التي استشهد حالماً بها دون أن يكتمل حلمه برؤيتها كما أراد عندما عبر بلدة مجدل شمس، مردداً صوت جده من والده ينادي (وينك ياسمك طبريا).
ذهب إلى الجولان، ليعبر نحو فلسطين، والى بحيرة طبريا، التي عشق سيرتها الشفوية من أسرة والده ومن جديه من والده ومن والدته. فسعى هذا الكنعاني من قلب الشتات ليكسر زمن القيء، سعى ليرسم بابتسامته الحزينة وجه فلسطين الجديد وليبني بربيع عمره سقف السماء.
أخته الكبرى دانيا، خاطبته في وداعه في مخيم اليرموك وأمام جموع الناس أثناء تأبينه، قائلة له : أنت بنيت هرماً لعزة عائلتنا، لقد أخذت طفولتي، وشبابي وتركت لي حسرة وألماً، وتركت لي فخراً سيتوارثه أولادي من بعدي، فخر لايموت ... حبيبي أبو السيم : معك السلامة، يا أخي وصديقي وخليل الأيام الجميلة.
بقلم علي بدوان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت