مع تسجيل فلسطين لثاني حالة وفاة بفيروس "كورونا" منذ ظهور الوباء، تساءل المواطنون عن التغييرات التي طرأت على طقوس التشييع ودفن الموتى والتعامل مع الجثامين، بشكل يختلف عما اعتادوا عليه من قبل.
هذه التغيرات حالت دون تمكن ذوي الميت بهذا الوباء من تغسيله وتكفينه ووداعه وتقبيله أو المشاركة في جنازته، حرصا على سلامتهم من عدوى الفيروس الذي يتنشر بطريقة وصفها الأطباء بالسريعة والغريبة، إضافة إلى منع فتح بيوت العزاء خاصة مع حظر الحكومة أية مظاهر للتجمهر والتجمع في كامل الأراضي الفلسطينية منذ إعلان حالة الطوارئ في الخامس من آذار/ مارس الماضي.
ففي حالتي الوفاة وهما لامرأة ستينية من قرية بدو غرب القدس، ولمواطن خمسيني من قرية صيدا شمال طولكرم، جرت مراسم دفنهما بعد سلسلة من الإجراءات والتدابير الطبية والوقائية المشددة، طبقا لتعليمات وزارة الصحة التي استندت إلى فتوى شرعية صادرة من مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين في التعامل مع حالات الوفاة بهذا الوباء.
وأوضح المفتي حسين لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إن المتوفي بفيروس كورونا يؤخذ بنفس الثوب الذي عليه عندما كان تحت أجهزة المستشفى، لا يُغسل ولا يُكفن ولا يُلمس حفاظا على صحة الناس، ويدفن في الثوب الذي صممته خصيصا وزارة الصحة وهو عبارة عن كيس بلاستيكي يوضع ويدفن فيه، ويصلى عليه من الناس الحاضرين صلاة الجنازة والتي تكون في أقل عدد ثلاثة أشخاص ويمكن أن تكون لشخص واحد، ويدفن كالمعتاد كأي ميت آخر باتجاه قبلة المسلمين.
وأشار إلى أن معنى هذه المراسم، ألا يقوم أهله بوداعه أو تقبيله أو لمسه حتى لا تنتقل العدوى لهم.
وأضاف ان عمق القبر كما هو متعارف عليه في ديننا، ولكن يسن أن يعمق أكثر حتى لا يكون هناك أي انتشار للفيروس.
وبخصوص الصندوق الخشبي الذي يوضع فيه ميت كورونا، قال الشيخ حسين، هو نوع من الاحتياط حرصا على سلامة المتعاملين معه، بعد وضعه في الكيس البلاستيكي الطبي ويكون مختوما ولا يجوز فتحه ولا لمسه ولا الاقتراب منه، ويتعامل معه على أضيق نطاق من قبل طاقم طبي مختص يأخذ كل وسائل الوقاية.
وأوضح أن هذا الأمر فرضته الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.
وزارة الصحة بدورها أكدت هذه الفتوى وأهميتها نظرا لمخاطر العدوى الكبيرة بهذا الفيروس، مع تزايد تحذيرات منظمة الصحة العالمية من تسارع مقلق بانتشار كورونا في بعض دول العالم.
وقال مدير عام الطب الوقائي في وزارة الصحة علي عبد ربه لوكالة "وفا": "يتم اعتماد الفتاوى الشرعية في التعامل مع الموتى المتوفين بفيروس كورونا، فيتم التعامل مع موتى المسلمين بهذا الفيروس استنادا إلى الفتوى الشرعية من مفتي القدس والديار الفلسطينية، فيما هناك فتوى من الاخوة المسيحيين باعتماد طقوس دينية خاصة بهم، تتبع في حالات استثنائية مثل الأوبئة".
وأضاف، ان موتى كورونا، لا يغسلون، ولا يكفنون ويوضعون في أكياس بلاستيكية خصوصية محكمة الإغلاق، ويتم تعقيم وتطهير جثامينهم، ويتم التعامل معهم من قبل فريق مخصص للدفن، يرتدي كل الأدوات الوقائية، من أخمص القدم إلى أعلى الرأس.
وتابع، يجري تطهير وتعقيم الكيس البلاستيكي بعد وضع الجثمان الطاهر فيه، ومن ثم يكلف الفريق بدفن الجثمان في القبر، وبعد الانتهاء من الدفن يتم تعقيم المنطقة حول القبر، ويتخلص طاقم الدفن المكلف من الأدوات الوقائية التي كان يرتديها بالطرق السليمة المعروفة خطوة بخطوة وحسب الأصول المتبعة.
وحول المخاوف من انتقال عدوى الفيروس من جثة المتوفى إلى المحيطين به، قال عبد ربه، الفيروس يبقى على الأسطح، ومدة بقائه تختلف من سطح لآخر، وذلك حسب نوع المواد، ولكن حول بقائه على جسد الميت وبعد تحاليل أجريت على تشريح الجثث في الصين خاصة، لأنها أول وأكثر بلد تعامل مع هذا الوباء، ثبت وجود الفيروس في الرئتين وأجزاء منها وفي الحويصلات الهوائية والغدد الليمفاوية والطحال وبالتالي هو معدٍ.
وأضاف، ان خلايا الجسد تبقى حية لفترة من الوقت وتعمل لساعات بعد الوفاة، ولذلك لا يغسل الميت، وعلى الفريق المخصص للدفن والتعامل مع الجثامين، ارتداء كل أساليب الوقاية، هذا شأنه شأن كل الأمراض المعدية، مثل فيروس ايبولا الذي انتشر في افريقيا في السنوات الماضية وغير من طقوس دفن الموتى هناك، بعد أن قدرت منظمة الصحة العالمية أن ما لا يقل عن 20% من الإصابات الجديدة بفيروس إيبولا حدثت أثناء دفن الموتى.
وشدد عبد ربه على أن الدفن يجب أن يكون من قبل الفريق المخصص، مع ضرورة عدم اقتراب أي من أقارب المتوفى من مكان الدفن لأقل من مترين، مشيرا إلى أن الجثة توضع بعد الكيس البلاستيكي بصندوق خشبي وهذا مهم رغم انه غير متعارف عليه في شريعتنا الإسلامية، بسبب أن هذا الجسد موبوء حتى لا تنتقل العدوى والفيروس للناس التي تقترب منه، ويدفن به وهو محكم الإغلاق ويتم تعقيمه من الخارج بمواد مطهرة.
وقال: "هذا الوباء طال بعض الشرائع الدينية فأغلقت المساجد والكنائس، ونحن نتأمل مشهد إنسان عزيز علينا يموت ولا يكفن ولا يغسل ولا تقام له المراسم والشعائر الدينية المتبعة بالظروف العادية، إضافة إلى ما يقال في الأذان أن الصلاة في بيوتكم، هذا المنظر يجب أن يضعنا أمام مسؤولياتنا، بالتباعد الاجتماعي حبا بأبنائنا ووالدينا وأهلنا بعدم تعريضهم لهذا الوباء