المقالة السابعة:
(23)الطعن في نسب داود وفي أخلاقه:
أ - تخبرنا التوراة التي بين أيدينا أن داود بن يَسِّي بن عُبَيد بن بُوعَز، (بوعز: زوج راعوث المؤابية)، ينتهي نسبه عند فارص بن يهوذا، وفارص هذا بحسب التوراة ابن زنا؛ تلك الخطيئة التي جرت بين يهوذا بن يعقوب– يهوذا: الجد الأعلى الذي ينتسب إليه اليهود- وبين كِنَّتِه ثامار زوج ولديه.(انظر القصة في مقالتنا الثالثة، فقرة 9). كما أن السَرد التوراتي يجرح نسب داود ويطعن فيه، فيقولون إن: جَدته راعوث المؤابية– جدته من جهة أبيه- سليلة " مؤاب "، الذي جاء بالزنا بين لوط وابنته الصغرى. أما أُم داود فهي عمونية، سليلة "عمون" الذي جاء بالزنا بين لوط وابنته الكبرى.(انظر مقالتنا الثانية فقرة 5). فالتوراة إذن تُطوِّق داود بالطعن في صحة نسب أبيه وأمه لبني إسرائيل، بل وتُخرجه من نسبه اليهودي/الإسرائيلي، وتنسبه إلى أصحاب الديانات الوثنية.
ب – داود يتلصص ببصره فيرى امرأة عارية تستحم، فيعجبه جمالها ويطلبها لنفسه:
لم يسلم عِرض داود وشرفه من ألسنة كاتبي التوراة، فكما طعنوه في صحة نسبه، اتهموه بالزنا والقتل والخيانة والمراوغة، حسب رواية التوراة التي تحكي عنه الأعاجيب التي تُجَرِّده من كل خُلُق ودين. فهي تقصُّ علينا قبيحة عجيبة من قبائحها، حاشا لأنبياء الله المُكْرَمين أن يفعلوها، ذلك أنه في ليلة من الليالي قام داود عن سريره، وأخذ يتمشَّى على سطح بيته، فرأى امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة جداً، فأعجبه جمالها وهي عارية تحت الماء، فسأل عنها دواد فأخبره أحد رجاله أنها " بَثْشَبَع بنت أَلِيعام " امرأة " أُورِيَّا الحِثي"، وهو أحد جنود الملك، وأنه خارج مع الجيش في الحرب، فأرسل إليها رُسُلَه يُحضرونها، فلما حضرت أخذها إلى مخدعه واضطجع معها بالزنا وهي طاهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها، فحبلت منه وظهر عليها الحمل، فأرسلت تخبر داود بحملها، حينها أرسل داود إلى " يُوآب" قائد الجيش وأوعز له أن يضع "أوريا" في واجهة الحرب، وفي مكان خَطِر، وأمره أن يَنفضَّ الجُندُ من حوله ليلقَى حتفه. وفعل قائد الجيش ما أمره به الملك داود، فوضع "أوريا" في مواجهة رجال أشداء من الأعداء، وتركه رفاقه حسب أوامر قائدهم، فحارب "أوريا" وحده بشجاعة حتى سقط قتيلا. وهنا خلا لداود وجه "بثشبع" بعد موت زوجها، فضمها إلى بيته، وصارت له زوجة وهي مُحرَّمة عليه، فقَبُح في عيني الرب ما فعل داود من جرائم وموبقات (جريمة زنا وجريمة قتل)، وكان من ثمرة الزواج من بثشبع بطريق الحرام أن أنجب منها ولدا وهي في عصمة رجل آخر وعلى ذمته، وكان ذلك قبيحاً في عين الرب. ( انظر التفاصيل في صم 2 ، صح 11). ولكن " ناثان" النبي جاء إلى داود بأمر من الرب ليُظهره على غضب الله عليه، فلامه ووبَّخه على فعلته، فاعترف داود لناثان قائلا:" قد اخطأتُ إلى الرب"، وعاقبه الرب بموت الابن المولود بالحرام، وتاب إلى الله وأظهر ندمه، وأراد أن يُصلح ما أفسده بحق نفسه وبحق تلك المرأة، فتزوجها حسب الشريعة اليهودية، وبعد حين من الوقت اضطجع داود مع امرأته بثشبع، فحملت وأنجبت له سليمان (انظر صم2 ، صح 12 ). وبهذا لم يسلم أيضا سليمان من ألسنة مبغضيه وكارهيه الذين عيَّروه بأمه، وأنه ابن امرأة زانية. انظر أيها القارئ كيف شوَّهَت التوراة صورة الملك (النبي) داود، وقست عليه وعلى ابنه سليمان، قسوة شديدة، بل وعلى غيرهما الكثير من أنبيائهم بسبب الانشقاق الذي أصاب المملكة الموحدة، فنتج عنه الانقسام إلى مملكتين: مملكة بني يهوذا في الجنوب، وبين مملكة بني إسرائيل في الشمال، وكان تفكك المملكة الموحدة في عهد الملك الإسرائيلي رحبعام بن سليمان. وكانت أرض اليمن هي مسرح أحداثهم وحروبهم، وليس في فلسطين، فتراشقوا وتراجموا فيما بينهم بالقبائح، وألحق كل فريق المساوئ والكبائر بأنبياء الفريق الآخر، ودام الصراع العِرقِي بينهم بسبب الدين والتوسع في الأرض والسيطرة على طرق التجارة ثلاثة قرون من الزمان تقريباً.
(ج)- جرائم في بيت داود : زنا وقتل، (أبناء داود: أمنون وأبشالوم وأختهما ثامار):
من بين أبناء داود شقيقان ولد وبنت، هما:"أبشالوم" و" ثامار". ولهما أخ من أُم ثانية، هو "أمنون" ابن داود. أحب أمنون أخته ثامار وكانت جميلة جداً، فأحبها وأراد أن ينال منها ما يطفئ ظمأ الرغبة في صدره، فاحتال عليها في حجرة نومه، وطلب منها أن يضطجع معها، فأبت ودافعت عن شرفها تستعطفه. " فأمسكها وقال لها: تعالي اضطجعي معي يا أختي. فقالت له: لا يا أخي، لا تُذلُّني، لأنه لا يُفعَل هكذا في إسرائيل. لا تعمل هذه القباحة، أما أنا فأين أذهب بعاري؟ وأما أنت فتكون كواحد من السفهاء في إسرائيل! والآن كلِّم الملك لأنه لا يمنعني منك. " (تقصد أباهما الملك داود، وكان من الشريعة في ذلك الزمان أن يتزوج الرجل من أخته لأبيه، كما تزوج إبراهيم من سارة، وهي أخته حسب تلفيق وكذب كاتبي ومترجمي التوراة ). فلم يشأ أن يسمع لصوتها، بل تمكَّن منها وقهرها واضطجع معها " صم 2 صح 13: 11– 14. وبعد أن أوقعها وأوقع نفسه في الرذيلة أبغضها وطردها من وجهه. علم شقيقها أبشالوم بجريمة أخيه أمنون الذي ألحق العار بشقيقته، فتربص بأخيه حتى جاء وقت الانتقام وغسْل العار، فقتله وهرب من وجه أبيه لأنه يعلم مقدار حبه لابنه القتيل. ولكن القاتل يُقتل ولو بعد حين، فيلقى أبشالوم حتفه أيضاً بيد "يُوآب" قائد جيش داود، حين تمرد على أبيه وخاصمه، فخرج من أورشليم اليمنية( وليست القدس الفلسطينية)، ونادى لنفسه بالمُلك على حبرون اليمنية( وليست الخليل الفلسطينية). هذا هو بيت داود الذي عاقبه الرب بما فعل مع " أوريّأ الحِثي" وامرأته بثشبع .
(24) سليمان يتزوج من وُثَنِيَّات، فيُغضِب الرب :
تقول التوراة أن الملك سليمان أحـب نساء كثيرات ، وتزووج من بنات الأُمم الأخـرى التي نهى الرب بني إسرائيل عـن الزواج منهـم، " لا تدخلون إليهم، وهم لا يدخلون إليكم، لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة ". مل1 صح 11: 2. ولكن سليمان لم يسمع لنهي الرب، فأحبهن وتزوج بهن، " وكانت له سبع مئة من النساء السيدات، وثلاث مئة من السراري (الجواري) فأمالت نساؤه قلبه، وكان في زمن شيخوخة سليمان أن نساءه أملْنَ قلبه وراء آلهة أُخرى، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين، ومَلْكُوم رجس العمونيين، وعمل سليمان الشر في عيني الرب، ولم يتبع الرب تماما كداود أبيه " مل1 صح11 : 3– 6.( لاحظ أنهم هنا يتباكون على داود ويضربون به المثل في الاستقامة والطاعة التامة للرب، مع أنهم تزاحموا عليه بالتهم: فرشقوه وأهل بيته بالموبقات، ورجموه وأبناءه بجرائم الزنا والقتل، واذاعوا أن الرب غاضب عليه، فانتقم منه في نفسه وفي أولاده). وتستطرد التوراة ما زاد الطين بِلة: أن سليمان قد بنى مرتفعات لزوجاته الغريبات الوثنيات، فكُنَّ يُوقِدن النار ويذبحن القرابين لآلهتهن، " فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتيْن. وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أُخرى، فلم يحفظ ما أوصى به الرب". مل1 صح 11: 9-10. ولأن سليمان عصى أوامر الرب، ومضى يتبع آلهة أخرى، أراد الرب أن ينتقم منه. " فقال له: " من أجل أن ذلك عندك، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً، وأعطيها لعبدك. إلا إني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك، بل من يد ابنك (رحبعام) أمزقها." مل1 صح 11 : 11 – 12. ( لاحظ مرة ثانية منزلة داود عند الرب، وتقدير الرب له. بينما أخبرتنا التوراة من قبل: أن داود عصَى اللهَ وعمل الشر في عين الرب، فأغضبه عليه، ونحن نرى أن كل ذلك التناقض في السرد التوراتي الذي صاغه كاتبو التوراة، وكل هذا التراجم بالقبائح والنقائص، مردُّه العداوات والحروب التي دامت ما يقارب 300 عام، بين المملكة الإسرائيلية السبئية وبين المملكة اليهودية الحميرية في اليمن، وليس في فلسطين). اهـ. لقاؤنا في المقالة الثامنة إن شاء الله .*
للكاتب الصحفي/عبدالحليم أبوحجاج
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت