الواقعية في عمل الحكومة

بقلم: أسامه الفرا

أسامه الفرا

أفاض المحاضر في جامعة هارفارد كثيراً في تناول التفاصيل المتعلقة بوضع الخطة الاستيراتيجية، وعرج خلالها على تجارب بعض الدول في وضع خططها الاستيراتيجية، وكيف أن الدول المستقرة سياسياً واقتصادياً ويحكم عملها مؤسسات يحدد الدستور صلاحيات كل منها باتت تعمل ضمن خطة استيراتيجية طويلة الأمد تمتد لخمسة عقود قادمة، وتخضع خطتها الاستيراتيجية للتقييم كل عشرة سنوات لمعرفة ما تم انجازه وإجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها لملائمتها مع تطورات العصر، وقبل أن ينهي الخبير الاستيراتيجي محاضرته سألته كيف يمكن لنا أن نعمل طبقاً لخطة استراتيجية طويلة الأمد ونحن نضطر لتغيير أولوياتنا وإجراء تعديل شبه كلي لخطتنا السنوية للمدينة حين تتوغل قوات الاحتلال بين فترة وأخرى محدثة فيها الكثير من الدمار؟، ابتسم الخبير وهو يضع قلمه في حقيبته قائلاً: إن استطعتم في مثل هذه الظروف أن تعملوا وفقاً لخطة شهرية فهذا بحد ذاته انجاز.
جاءت جائحة كورونا لتضرب بإقتصاد الدول القوية، ويرى الخبراء أن التعافي من آثارها على الاقتصاد لن يكون بالأمر الهين، المهم أن الدول الاقتصادية القوية هرولت إلى الاحتياطي لمواجهة آثار وتداعيات كورونا الكارثية على الاقتصاد من جهة والنفقات الضرورية لتعزيز قدرة القطاع الصحي من جهة ثانية، وفي ظل غياب العلاج واللقاح الذين بإمكانهما وقف تغول هذا المخلوق المتناهي في الصغر على البشر بدأت الدول تفكر في آلية لإنقاذ اقتصادها وفي الوقت ذاته تخشى أن يكون لذلك تداعيات كارثية على صحة مواطنيها، حيث تدرك هذه الدول أن انهيارها الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى تداعيات على مواطنيها لا تقل في خطورتها عما يفعله الوباء.
 اعتمدت الحكومة الفلسطينية في خطتها لمواجهة كورونا بواقعية على مبدأ الوقاية خير من العلاج من خلال فرض قيود مشددة على الحركة والتجمعات، فهي تعلم أن القطاع الصحي لدينا ليس بإستطاعته الصمود طويلاً في حال تفشي الوباء، وتفهم المواطنون الإجراءات الوقائية رغم قسوتها فلم يخرج علينا من يكفر الحكومة لإغلاقها المساجد ويصر على أن يفعل بنا ما فعله الحريديم في دولة الاحتلال، وبرزت لدينا العديد من المبادرات المجتمعية المضيئة المبنية على التكاتف والتعاضد في مواجهة تداعيات الجائحة، نجحت الحكومة في احتواء تداعيات أزمة كورونا الصحية دون أن تغفل ما يدبره الاحتلال لنا من مصائب وإعتداءات المستوطنين التي لم تفلح كورونا في لجمها، وما قدمته أزمة كورونا من طوق نجاة لنتانياهو وجنونه بعد أن ظننا أنه بات نسياً ونسياً.
بقدر ما يسجل للحكومة نجاحها في احتواء الجائحة بواقعية بعيداً عن الشعارات الجوفاء بقدر ما عليها أن تمضي بنفس الواقعية، فالحكومة هي حكومة طواريء كما سابقاتها منذ الانقسام، وموازنتها هي موازنة طواريء من قبل أن تصل الينا الجائحة، وكل ما فعلته كورونا أنها فرضت عليها مزيداً من التقشف، وفعلت الحكومة خيراً أن جعلت أولوياتها منصبة على ثلاثة قطاعات الجانب الصحي ومواجهة الوباء ودعم الأسر الفقيرة ورواتب الموظفين، ونعلم جيداً أن خزينتها شبة فارغة وليس لديها إحتياطياً يمكن أن تلجأ إليه في مثل هذه الأزمات، والمؤكد أن ايرادات السلطة سواء ما يتعلق منها بالايرادات المحلية أو المقاصة التي تشكل العمود الفقري لموازنة السلطة ستتراجع بفعل تداعيات الجائحة، ولا نعرف كيف سيكون الوضع عليه بالنسبة للمساعدات التي تتلقاها السلطة من الدول المانحة سيما وأن العديد منها سينكفيء على ذاته لمعالجة تداعيات اقتصاده، وبالتالي لا أحد يطالب الحكومة بأن تفصح لنا عن خطتها الاستراتيجية في معالجة تداعيات كورونا الاقتصادية، ولا عن توجهاتها لإسناد القطاع الخاص في هذه الأزمة التي تعصف به، كل ما عليها فعله أن تواصل العمل بواقعية بعيداً عن الشعارات البراقة وبمزيد من التقشف والسعي لمساعدة الاسر الفقيرة ضمن برامج إغاثية يكون لها الأولوية في العمل، وليتها تفضي مزيداً من الشفافية في توصيف الأزمة الاقتصادية ليكون المواطن شريكاً في تحمل المسؤولية، والخطة الشهرية في مثل هذه الظروف بحد ذاتها انجاز.


د. أسامه الفرا

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت