يعتبر الجانب الاقتصادي طرفا أساسيا وقاسما مشتركا فيما يتعلق بهذا الوباء، إذ ارتبط بتغيير كبير في أنماط الحياة اليومية على مستوى الفرد والجماعة خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ وتقييد حركة الأفراد في أغلب بلدان العالم، فعلى مستوى الفرد هناك الإقامة المنزلية أو الحجر المنزلي لكافة الأفراد وأسرهم باستثناء من يقوم على رعاية الوطن والمواطنين في المنافذ البرية والبحرية والجوية وفي تطبيق قرارات وزارتي الصحة والداخلية، إضافة إلى إغلاق مؤسسات التعليم المختلفة بدءا من رياض الأطفال وحتى التعليم الجامعي وبقاء هذه الأعداد على اختلاف أعمارهم رهنا في بيوتهم مع توقف حركة العمل لشرائح عديدة من المجتمع، خاصة المهنيين وعمال المياومة والعمل غير المنظم، وباتت شريحة كبيرة من المجتمع بدون حد أدنى من الدخل أو النفقة. هذا إضافة إلى إغلاق كثير من المحلات والمتاجر التي تصنف معروضاتها بأنها ليست من الضروريات وأصبحت هذه الفئة متعطلة تماما رغم الالتزامات المترتبة عليها، وبالتالي ليس لهذه الفئة مصدر دخل وأصبحت غير قادرة على سداد التزاماتها أو تحصيل مستحقاتها من الغير، وبالمقابل فقد ازداد الاقبال على منتجات بعض الأنشطة المرتبطة بأدوات الوقاية والسلامة سواء لمواد التعقيم وأدواتها أو للأدوية والمستلزمات المرتبطة بالصحة العامة ومتطلبات تعزيز المناعة لدى الأفراد وغيرها.
وعلى المستوى العام أو الحكومة فقد ازدادت مسئولية السلطة ازديادا كبيرا خاصة في مجال الوضع الصحي واحتياجات الشئون الاجتماعية ومتطلبات وأعباء إقامة مراكز الحجر الصحي وتزويدها باحتياجاتها وغيرها من النفقات التي أصبحت ضرورة ملحة.
وبالتالي فإن حالة الطوارئ المعلنة من جانب الحكومة الفلسطينية لأغراض وقاية المواطنين ومتابعة وفحص حالات المشتبه بهم وعلاج الحالات المرضية تقتضي إعداد "موازنة طوارئ" للوفاء بمتطلبات هذه المرحلة التي قد تطول أو تقصر لأنها مرتبطة بالقضاء التام على هذا الوباء ليس في بلادنا فقط وإنما في مختلف أنحاء العالم لأن العالم يعيش كقرية واحدة.
وذلك في ظل تراجع الإيرادات الحكومية تراجعا كبيرا مع تناقص فرص الحصول على دعم خارجي بالقدر الكاف.
إن موازنة عامة للطوارئ تراعي في حسبانها الخدمات الحكومية والالتزامات الراهنة ومقتضيات الحالة المعيشية والأمنية حتى يتحقق لكل مواطن الوقاية التامة من الأمراض السارية والأوبئة الطارئة ولقمة العيش اليومية بجانب الحياة الآمنة خاصة في ظل ظروف صعبة يعيشها الوطن سواء من حيث الاحتلال أو ممارساته أو الحصار وتضييقاته أو عجز الموازنة أو عجز الميزان التجاري أو الديون الحكومية المستحقة خارجيا ومحليا.
إن إنشاء "صندوق مالي فلسطيني مستقل ومتخصص" في مواجهة الأزمة الصحية الراهنة والأزمة الاقتصادية المزمنة تساهم به الحكومة في المقام الأول وكافة هيئاتها ومؤسساتها العامة إضافة إلى القطاع الخاص الذي حققت قوائمه المالية أرابحا صافية اضافة إلى المؤسسات الدولية والمؤسسات غير الربحية بجانب الأفراد القادرين والموسرين – وهم كثر - بات ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل. إضافة إلى ضرورة سرعة لم شمل الأسرة الفلسطينية في الضفة والقطاع من خلال إنهاء الانقسام البغيض وتجاوز محنته الذي بات أكثر خطورة من وباء كورونا.
بقلم أ.د. معين رجب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت