دراما الخليج برعاية قصور التطبيع

بقلم: جبريل عودة

جبريل عوده

أصبحت الأعمال الفنية الدرامية والسينمائية في أغلبها لا تشكل تعبيراً حقيقياً عن واقع الأمم والمجتمعات كما هو الأصل, فالصورة أصبحت مشوشة والحقائق غابت عن المشهد لصالح رواية الجلاد وصاحب السطوة المادية والمالية, بل أصبحت الأعمال الدرامية والسينمائية مادةً ترويجية لسياسات النظام الحاكم وتمجيده , وسلاحاً لردع معارضيه وتشويه صورتهم والتحريض عليهم , ووسيلة خطيرة لإعادة تشكيل الوعي الجمعي, ومحاولة لمسخ العقول وتحييد الأجيال عن التفكير والإبداع كل ذلك يُمارس على وقع سطوة الصورة المفزعة, التي يحاول الفن المسيَّس فرضها بكل فجاجة , أمام العيون الجائعة والخائفة , لنخلص إلى نتيجة مرعبة بأن الإعمال الفنية في بلاد القمع والخوف هي تعبيراً عن سياسات الحاكم وترويجاً لما يريده أو يحاول فرضه بالقوة أو بوسائل الخداع البصري عبر المسلسلات والأفلام ذات الأغراض السياسية. لا يخفى على أحد الانحدار المدوي أو قل الانكشافه الخطيرة , لموقف بعض الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية وسعيها الحثيث للتطبيع مع الإحتلال الصهيوني وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الكيان المجرم , الذي يحتل أرضا عربيا بقوة الإرهاب الدموي ويمارس إلى هذه اللحظة حرب التهويد والاستئصال على أرض فلسطين في مجزرة مفتوحة ضد البشر والشجر والحجر.
برز مؤخراً التطبيع الخليجي مع الإحتلال الصهيوني, حيث فُتحت العواصم الخليجية للوزراء الصهاينة والفرق الشبابية الصهيونية للمشاركة في مهرجانات التطبيع , كما مارس وزراء خارجية البحرين والإمارات وعُمان على وجه التحديد دفاعاً وقحاً عن الرواية الصهيونية في مساهمة لتزوير الحقائق وتزييف الواقع , وكثيرة هي الشواهد على تلك المواقف المخزية ,ولعل أرشيف الأخبار السياسية في الأعوام القليلة الماضية يعج بطعنات الغدر على صورة تصريحات تحريضية مسمومة يصوبها هؤلاء البلهاء لظهر القضية الفلسطينية .
وفي ذات السياق تأتي الأعمال الدرامية الخليجية " أم هارون" و" مخرج7 " , من ذات المستنقع التطبيعي الآسن , من أجل فرض القبول بإحتلال فلسطين والتسليم بتدنيس مقدسات العرب والمسلمين ومحاولة لتحييد الشعوب الخليجية عن التضامن والتعاطف مع إخوانهم الفلسطينيين في صراعهم ضد الإحتلال الظالم , هذا هو الهدف المركزي لهذه المسلسلات التطبيعية, إلى جانب ما تحمله تلك المسلسلات وخاصة مسلسل "أم هارون" من الإساءة والتحقير للمجتمع الخليجي وتصويره كمجتمع يعج بالصفات العدوانية المذمومة.
ويلاحظ أيضا وتزامناً مع عرض مسلسلات التطبيع , ظهور "الذباب الإلكتروني" بكثافة على مواقع التواصل الإجتماعي , في مشهد بائس لصناعة رأي عام وهمي, يعادي القضية الفلسطينية ويناصر "إسرائيل" المجرمة , عبر الوسم (الهاشتاغ) المصنوع مخابراتياً في محاولة للوقيعة وإحداث الشرخ بين الشعوب العربية والزج به في أتون صراعات مصطنعة وصولاً إلى حالة الإنفضاض عن دعم القضية الفلسطينية فيسهل بذلك تمرير سياسات التطبيع والهرولة نحو الكيان الصهيوني . كآبة المشهد التطبيعي التي تحاول بعض الدوائر المتنفذة في قصور التطبيع فرضه كواقع حال لن تستمر طويلاً ولا تعبر عن الموقف الشعبي الحقيقي في خليج العروبة الذي عبر عن رفضه لتلك المسلسلات التطبيعية , فهذا النتاج المسخ من الإعمال الدرامية الهابطة لا يمثل ثقافة شعوب الخليج المؤمنة بقضية فلسطين ,وهي التي قدمت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن أرض العروبة والإسلام , وكلنا ثقة بأن الموقف الذي يحمله أبناء الخليج أمثال مرزوق الغانم هو التعبير الصادق عن المواقف الخليجية الراسخة في دعم القضايا العربية وفي طليعتها قضية فلسطين , فمن قدم الشهداء والدماء وشارك في معارك فلسطين أمثال الشهيد فوزي المجادي والأمير الشهيد فهد الأحمد الجابر الصباح وغيرهم الكثير من العاملين في ميدان إسناد ودعم نضالات شعب فلسطين, هم التعبير الحقيقي والصورة الناصعة والمشرفة لشعوب الخليج الوفية لفلسطين وقضيتها .

بقلم : جبريل عوده*

كاتب وباحث فلسطيني


 29-4-2020

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت