من النادر ان نرى كاتب أو سياسي أو أديب فلسطيني يذكر اتفاق أوسلو بإيجابية حيث نجحت ماكينة الاعلام المُسيسة بوصمه بأبشع الأوصاف حتى بات يوصف بالاتفاق المشؤوم وكأن اتفاق أوسلو قد نقل الشعب الفلسطيني من النعيم الى الجحيم ، والمفارقة العجيبة في الموضوع بان قادة الاحتلال لديهم نفس الموقف السلبي من أوسلو وعلى رأسهم نتنياهو العدو الأول لاتفاق أوسلو والذي وعد بتدميره وحرض بشكل مباشر على اغتيال رابين بعد ان هاجمه بأقسى التهم والاوصاف لعقده لهذا الاتفاق والذي وصفه نتنياهو وانتقده بانه اتفاق لن يؤدي الا الى دولة فلسطينية .
يردد البعض بان اتفاق اوسلو قد عفى عليه الزمن ولا يستحق استمرار الجدل حوله متناسيا بان جواز السفر الفلسطيني الذي يحمله لا يزال مكتوب عليه "هذا الجواز صادر .. وفقا لاتفاقية أوسلو" ، بحثت القيادة الفلسطينية كثيرا حول تغيير شكل وعنوان جواز السفر الفلسطيني ليحمل اسم دولة فلسطين ليتجاوز أوسلو الا انها وجدت بان أي تغيير سيضعف من قوة جواز السفر ، فوضعيتنا السياسية الفلسطينية القائمة على اتفاق أوسلو تعترف بها كل دول العالم وتدعمها كل دول العالم بلا استثناء ، أي تراجع عنها سيفقدنا الدعم والاعتراف من الكثير من الدول الفاعلة في العالم ، وضعيتنا السياسية القائمة على أوسلو بالتأكيد انها وضعية انتقالية مؤقتة ليست مثالية ، ولا تلبي طموحاتنا الوطنية ولكنها أفضل ما توصلنا اليه وبدونها ما كنا قد تأهلنا للارتقاء الى عضوية دولة مراقبة في الامم المتحدة ومالها من حقوق وامتيازات قانونية تحمي وتحفظ حقوق الشعب الفلسطيني بشكل أكثر استقلالية وفاعلية .
اتفاق اوسلو هو الكفيل الأقوى لممارسة النظام السياسي الفلسطيني لمهامه وصلاحياته على ارض فلسطين وكما يتهكم البعض "تحت حراب الاحتلال"، - ولا نضال اعظم من النضال تحت حراب الاحتلال ، فاتفاق اوسلو يُلزم اسرائيل بان تقبل وجود مقرات قيادة الشعب الفلسطيني على ارض فلسطين تحت العلم الفلسطيني ، الاتفاق يلزمها كونه اتفاق تم تشريعه لدى السلطات التشريعية للنظام السياسي لكلا الطرفين وتم ايداع نسخ منه في الجمعية العامة ومجلس الأمن للأمم المتحدة كاتفاق دولي ، لذلك القيادة الفلسطينية تمارس مهامها على ارض فلسطين بحصانة دولية ، لا تجرؤ اسرائيل على تجاوزها الا بالمكر والحيلة والعدوان وما فيه من انتهاك للقانون الدولي .
اليوم العالم يدعونا لاحترام الديمقراطية وتجديد الشرعيات بالانتخابات وهنا بفضل اتفاق اوسلو نستطيع ان نقول للعالم اضغطوا على الاحتلال الاسرائيلي لان يوقف انتهاكه لحق أهل القدس بالمشاركة في انتخاباتهم الفلسطينية ولن يجرؤ احد في العالم بان يطلب منا ان نتنازل عن حق اهلنا في القدس بالمشاركة في الترشح والتصويت وتمثيل القدس في النظام السياسي الفلسطيني لأن أوسلو تكفل ذلك بشكل واضح ولا لبس فيه .
اليوم اسرائيل بقرصنتها لأموالنا التي تجمعها من خلال موانئها لصالحنا تلقت الانتقادات الدولية لخرقها لاتفاق اوسلو واحتجاج رئيس الوزراء الفرنسي على خرقها لاتفاق باريس – الملحق الاقتصادي لأوسلو .
اليوم ترامب يعلن عن خطته "صفقة القرن" العدوانية تجاه الحقوق الفلسطينية الغير مشروعه أول عيب فيها هو مخالفتها الصريحة والفجة لاتفاق اوسلو الموقع بالبيت الابيض . اليوم اسرائيل تتحدث عن نيتها ضم اجزاء من الضفة وهنا ايضا ان لم تكن اسرائيل تحترم القانون الدولي كدولة احتلال مارقة فهي ايضا تنتهك اتفاق اوسلو الذي قبلت بان تلتزم به واقرته وشرعته بالكنيست لديها وبذلك تضع نفسها في تجاوز قانوني لا يمكن الدفاع عنه او تبريره والتبرير في السياسة ضرورة لعدم فقدان شرعية الممارسات والوجود والقبول الدولي رسميا وشعبيا .
اليوم في ظل سير اعمال المحكمة الجنائية الدولية لبحث الجرائم المرتكبة في دولة فلسطين اعتمدت المدعية العامة للمحكمة على نصوص اتفاق اوسلو في محاججتها للموقف الاسرائيلي الرافض للاختصاص المكاني للمحكمة . وأيضا في طعنها في الاستيطان .
أدرك جيدا بان اسرائيل تخرق اتفاق اوسلو باستمرار وتستهتر باحتجاج ماكرون او بدعوة فاتو بنسودا او باستنكار الاتحاد الاوروبي أو استياء وغضب كل من مصر والاردن والعرب ولكن كل تلك المواقف السلبية من العالم تجاه اسرائيل مهما كانت ضآلة تأثيرها الا انها تستند بشكل مهم على أوسلو تلك الوثيقة الوحيدة التي اعلنت اسرائيل امام العالم وفي البيت الابيض وبشهادة روسيا وامريكا بانها تلتزم بها .
بإمكاننا خرق اوسلو وتجاوز اوسلو والتهديد بوقف العمل بالتزامات اوسلو ولكن ليس من الحكمة الغاء اوسلو الا اذا قررنا الغاء مشروع الدولة الفلسطينية على حدود ال67 .
أوسلو الجدار الأقوى الذي بناه زعيمنا الراحل ياسر عرفات والذي لا نزال نستند عليه اليوم مهما كان مهترئاً في سبيل اقامة دولتنا الحرة المستقلة بعاصمتها القدس على حدود ال67، عندما ننجح في بناء جدار امتن منه وقتها بلا شك وبشكل تلقائي سننتقل الى ما هو اعلى وامتن . لذلك ادعو النخب الفلسطينية ان تتحرر من فوبيا أوسلو وان تعود لتستند على أوسلو في خطابها السياسي دون خشية من المُستظرفين والمتهكمين الفَشلة .
رائد موسى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت