لمواجهة فصول النكبة .. الرواية الفلسطينية في مواجهة الآخر / النقيض

بقلم: محمد علوش

محمد علوش

يحيي الشعب الفلسطيني هذه الأيام الذكرى الأليمة التي أحلت به عام 1948 بفعل جرائم العصابات الصهيونية الوحشية وما ارتكبته من مجازر مروعة بحق العرب الفلسطينيين ، والذاكرة الفلسطينية ما زالت  تستعيد فصول النكبة عام 1948 والتي قامت فيها الحركة الصهيونية وعصاباتها الفاشية بارتكاب المجازر الجماعية ، واقتلعت وطردت وشردت شعباً بأكمله من أرضه ووطنه ، في أبشع جريمة تطهير عرقي عرفها التاريخ الحديث ، والتي ما زال شعب فلسطين يعيش آثارها ويتجرع مرارتها حتى يومنا هذا ، داخل مخيمات الوطن وفي مخيمات اللجوء والشتات بعيداً عن أرض وطننا فلسطين .

إنها ذكرى النكبة ، ذكرى المأساة الإنسانية الكبرى التي يندى لها جبين العالم لذي يدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان ، حيث اقتلع شعب من أرضه ليحل محله محتلون صهاينة لا حق لهم بالوجود على أرض فلسطين بحكم التاريخ .

تأتي ذكرى النكبة هذا العام في ظل تواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي واستمرار مخططاته الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية ، ومحاولاته تقويض فكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية التي انتقلت من دور المنحاز إلى دور الشريك مع الاحتلال ، عبر مسلسل من الإجراءات والممارسات العدوانية والحصار المالي والخنق الاقتصادي ، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى"  صفقة القرن " وإعلان الاحتلال عن البدء بسياسة الضم لأجزاء واسعة من الضفة وأسرلة الأغوار وشمال البحر الميت ، والتنصل من قرارات الشرعية الدولية ، في إطار الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال على شعبنا ، من قتل وحصار واعتقال ونهب للأرض والاستيطان واستمرار سياسة الطرد والتهجير ، في ظل نوايا ومنطلقات حكومة الاحتلال الجديدة بزعامة نتنياهو – غانتس التي يتضح من برنامجها ذلت الوجه العدواني والعنصري لها ، في ظل قوانينهم العنصرية وإجراءاتهم المتطرفة والعدوانية ، ومخططات الضم التي تحظى بالدعم الأمريكي ، وتواصل النهج الاحتلالي العنصري فيما يسمى بقانون " المواطنة " و" الولاء للدولة اليهودية " وقانون "  النكبة " الذي يستهدف أبناء شعبنا في الداخل وثقافتهم الوطنية وانتمائهم الفلسطيني الأصيل ، إلى جانب التصعيد الإسرائيلي الهمجي على شعبنا ومواصلة انتهاج النوايا الحقيقية للاحتلال الذي يسعى لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين وتوسيع المستوطنات استكمالاً لفصول النكبة التي حلت بشعبنا عام 1948  ومحاولة قطع الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية بعد الانجازات السياسية والدبلوماسية المهمة التي حققتها منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية واعترافات دول العالم المتتالية بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967

إن هذه المأساة ما زالت صفحاتها شاهدة على جرائم ومجازر الاحتلال وعصاباته الفاشية المتطرفة التي ارتكبت جرائم منظمة في ذلك الوقت بحماية ودعم وإسناد سلطة وقوات الانتداب البريطاني ، فبريطانيا التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحضر والمدنية هي السبب المباشر في نكبة الشعب الفلسطيني نتيجة ذلك الوعد المشؤوم من قبل وزير خارجيتها والذي عرف باسم " وعد بلفور " !!

في هذه الذكرى الأليمة ، وبعد اثنين وسبعين عاماً عليها ، علينا أن نواصل التحرك على كل المستويات لإلزام بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني والتكفير عن تلك الجريمة التي ما زالت شاخصة أمامنا كجريمة بحق الإنسانية ، وكنوع من أنواع التطهير العرقي ، وعلى العالم ، كل العالم أن يقف أمام مسؤوليته لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية .

يأتي ( وزير خارجية الإدارة الأمريكية ) الذي يزور دولة الاحتلال على وقع تشكيل حكومة احتلالية جديدة بتحالف اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل ، ويحمل معه مشاريع العدوان ومشاريع القهر والاستبداد في محاولة لفرض الهيمنة والوصاية الأمريكية ودعم وإسناد حكومة الاحتلال لتتحول الإدارة الأمريكية من موقع المنحاز إلى موقع الشريك الفعلي مع الاحتلال ، فهذه الإدارة المنفلتة والمجنونة ليست سوى عصابة مافيا تعربد بعيداً عن كافة المرجعيات والقوانين والأعراف الدولية .

في ذكرى النكبة علينا أن نستخلص الدروس والعبر وان يكون هناك إستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة لمواجهة سياسات وإجراءات الاحتلال ، والتوجه فعلياً نحو إنهاء الانقسام وعقد اجتماع وطني شامل للتباحث في التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية ومن يتخلف عن المشاركة ومهما كانت المبررات سيضع ألف علامة استفهام حول دوره ومسؤولياته وارتباطاته !!

ذكرى النكبة ليست مجرد ذكرى عابرة في تاريخ الشعب الفلسطيني وعلى المؤسسات والقوى الفلسطينية كافة أن يكون على جدول أعمالها ما يفيد هذه القضية وما يعزز من مكانة الثوابت الوطنية وترسيخها كثقافة وطنية لكل الأجيال الفلسطينية وتوريث حق العودة جيلاً بعد جيل إلى أن يتحقق هذا الحق الثابت التي يشكل رأس الثوابت الوطنية وجوهر وأساس القضية الفلسطينية .

يجب عدم التردد أبداً في اتخاذ إجراءات جديدة من قبل القيادة الفلسطينية في إطار مراجعة جدية وشاملة لمجمل الأوضاع الفلسطينية ومراجعة القرارات المتعلقة بإنهاء العلاقات التعاقدية مع الاحتلال بكافة مستوياتها سياسياً واقتصادياً وامنياً لتكون هناك رسالة فلسطينية واحدة في مواجهة المحتل ، وخطاب سياسي واحد يؤكد على الثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني وإيجاد الآليات المناسبة لخوض معركة الحرية والعودة والاستقلال وبخاصة في ظل تردي الواقع العربي والدولي وتكالب القوى المهيمنة واختلال موازين القوى وعدم قدرة المجتمع الدولي برمته على لجم " إسرائيل " التي تمارس إرهاب الدولة النظم ومعها حليفتها الإستراتيجية راعية ومنتجة الإرهاب العالمي الإدارة الأمريكية .

لمواجهة فصول النكبة وتداعياتها المستمرة وحفاظاً على تاريخ ورواية شعبنا فان معركة الرواية مهمة على صعيد مجابهة رواية الآخر / النقيض ودحضها وهذا يتطلب من المؤرخين والباحثين والكتّاب العرب والفلسطينيين أن يسهموا بشكل متواصل في جمع وتوثيق الرواية ونشرها والاهتمام بالتاريخ الشفوي الذي يتعلق بمجازر الطرد والتشريع والجرائم المروعة التي ارتكبت هنا وهناك لتبقى الرواية الفلسطينية حيّة وحاضرة وعنيدة أمام كل محاولات التشويه والتزوير ومحاولات التسلل لفرض روايات مشوهة والتطبيع مع الاحتلال كما نرى على شاشات بعض العرب .

تمر ذكرى وراء ذكرى وكل ذكرى لها ذكريات وستبقى ذكرى النكبة ذكرى الوجع الأكبر ، ذكرى " التغريبة الفلسطينية " المستمرة إلى أن يعود اللاجئون إلى الديار لنطوي هذه الصفحة وتكون مجرد ذكرى في السفر الفلسطيني وفي متحف التاريخ .

 

 

بقلم : محمد علوش *

    كاتب وشاعر فلسطيني

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت