السفينة الفلسطينية لم ولن تغرق

بقلم: إبراهيم أبراش

ابراهيم ابراش

  بالرغم مما وصلت إليه القضية الفلسطينية من استعصاء على مساري التسوية السياسية والعمل المقاوِم واحتمال أن تضم إسرائيل الضفة الغربية أو بعضها، وبالرغم من أزمة النظام السياسي الفلسطيني وخطورة الخلافات الداخلية والانقسام وتعدد الأجندات الخارجية، بالرغم من كل ذلك إلا أن القضية الفلسطينية لم تنتهي والسفينة الفلسطينية لم ولن تغرق حتى وإن لم تأت رياح التحولات المتسارعة عربياً ودولياً بما تشتهي.

لن نتطرق هنا إلى العرب والمسلمين وتخلي بعضهم عن فلسطين والفلسطينيين وانزلاقهم نحو التطبيع مع إسرائيل، لأن هذا شأن الشعوب العربية والإسلامية، ولأن الأمر يتجاوز عملية تطبيع هنا أو هناك ليطرح قضية أكبر وأخطر وهي تفكك الرابطة القومية العربية والنظام الإقليمي العربي، بل سنتحدث مرة أخرى عن الوضع الفلسطيني الداخلي، لأننا نؤمن أن تصويب مسار السفينة يبدأ ويعتمد على حنكة ومهارة ربابنتها بنفس مقدار، إن لم يكن أكثر، تأثير الرياح والأمواج المتلاطمة من حولها ومسار هبوب الرياح .

 كثير من ذوي النفس القصير ومن الانتهازيين اعتقدوا أن السفينة الفلسطينية (المشروع الوطني) تغرق، فتسابقوا للقفز منها والتبريء من المسؤولية عن غرقها، ومنهم من كان ضمن طاقم القيادة والتوجيه. بعض أولئك الذين راهنوا على غرق السفينة أو ساعدوا على ذلك هربوا من السفينة الوطنية نحو عبثية الإسلام السياسي بكل تلاوينه، ليس بدافع قوة الإيمان أو لأنهم وجدوا في الإسلام السياسي طريق الخلاص لتحرير فلسطين بل لأن اغراءاته المالية أجزل ولأن تحرير فلسطين ليس على أجندتهم وبعضهم مكلف من جهات خارجية لتدمير المشروع الوطني، وآخرون هربوا نحو جماعات الـ أن جي أوز  "NGOsأو ما يُسمى زوراً (المجتمع المدني) حيث المخاطر أقل والمال أوفر بدون حسيب أو رقيب، وآخرون توجهوا أو انزلقوا نحو الخيانة والعمالة لإسرائيل ولكل من يدفع مقابل تخريب المشروع الوطني، وآخرون استمروا متمسكين بمواقعهم الحزبية أو في السلطة ليحققوا مكاسب ومصالح شخصية لهم ولعائلاتهم، وهناك من يزاود على الجميع ويُطلِق التصريحات الثورية الرنانة ويذرف دموع التماسيح على حال الشعب َولكنه في نفس الوقت يساوم بالخفاء على ما يعتقد أنه حطام السفينة أو ما تبقى منها.

أما الوطنيون الصادقون الذين قضوا الشطر الأكبر من حياتهم في الثورة وارتبطت حياتهم ومصدر رزقهم بالعمل الوطني الرسمي، فبعضهم استمروا موظفين في السلطة لأنهم لا يُجيدون ولا يجدون أي عمل آخر، أو لإيمانهم أن السلطة قد تكون خطوة نحو الدولة، وبعضهم هربوا نحو الإحباط والياس والموت البطيء وهم يشاهدون ما يحل بالوطن من خراب ودمار، وتواروا بهدوء ليعيشوا مع ذكريات زمن جميل وآمال محبطة.

إن كانت موازين القوى راهناً وظاهراً تميل لصالح إسرائيل وأتباعها، فإن موازين القوى غير دائمة أو ثابتة، ووباء الكورونا بيَّن كم هي هشة الدول والأنظمة السياسية وكم هو هش النظام الدولي والنظام الإقليمي العربي. لا يعني هذا أن المتغيرات القادمة ستكون بالتأكيد لصالح الشعب الفلسطيني وخصوصاً ونحن نرى العلاقات المتميزة التي تبنيها إسرائيل مع القوى الدولية الصاعدة، ولكن هذه المتغيرات قد تكون فرصة إن أحسن الفلسطينيون استغلالها متسلحين بتمسكهم بحقوقهم ووجودهم على الأرض الفلسطينية مع تغيير جذري في الدبلوماسية الفلسطينية.

المشهد السلبي الراهن مؤقت وعابر وليس أصيلاً، فلا الصهاينة أصحاب حق في فلسطين أو أن قوتهم لا تُقهر، ولا الشعب الفلسطيني هو ما يبدو في المشهد والصورة التي صنعتها استراتيجية خبيثة لحرف الشعب عن قضيته الأساسية، استراتيجية خططت لها إسرائيل وأمريكا وتوظفان لتنفيذها أطرافاً عربية ومحلية. وإن كانت أغلبية الطبقة السياسية فقدت عنصر الريادة والمبادرة والفعل وأصبحت رهينة الرواتب والامتيازات التي جاءت مع تسوية أوسلو وقيام السلطة الوطنية 1994 ومع انقلاب حركة حماس وسلطتها المدعومة من أجندة خارجية2007، فإن الشعب لم ولن يستسلم أو يرفع الراية البيضاء بالرغم من كل ما يعانيه.

أصالة الشعب ستتغلب على كل المعيقات وسيصوب الشعب المسار وسينفض عنه آفة الاتكالية وسيقتلع من بينه كل المرتزقة والمأجورين المتاجرين بقضيته الوطنية. المشكلة داخلياً تكمن بطبقة سياسية مخضرمة تمسك بتلابيب الحياة السياسية من مؤسسات مدنية وأمنية كما تتحكم بأرزاق الناس، وتتصرف وكأن بينها وبين الشعب وأحراره ثأراً، وتزعم أنها المُنقذ العقلاني والواقعي والأقدر على التعامل مع متطلبات المرحلة، هذه الطبقة الجديدة محمية بسلاح الميليشيات والأجهزة الأمنية وبرضا جيش الاحتلال عنها!.

هناك جيل جديد من الشباب عاش سنوات من الإذلال والجوع وفقدان الأمل كما أنه غير خاضع لرواتب حكومية أو منح ومساعدات أصحاب الأجندة الخارجية المشبوهة، هذا الجيل مع القلة الصامدة والصادقة من القادة الوطنيين والنخب السياسية الذين ما زالوا مؤمنين بعدالة القضية وبواجب الانتماء والتضحية وبالعمل بما هو ممكن ومتاح، هم الذين سيصوبون مسار سفينة الحرية والتحرير والعودة.

نقول لليائسين والمحبَطين والذين يعتقدون أن إسرائيل ربحت المعركة والحرب وأن القضية الفلسطينية انتهت إلى غير رجعة، لو كان الأمر كذلك فما الذي يمنع من تنفيذ صفقة ترامب-نتنياهو دفعة واحدة؟ ولماذا تلح واشنطن على وجود شريك فلسطيني لإتمام عملية التسوية وتمارس الترهيب والترغيب لإيجاد هذا الشريك؟ ولماذا غالبية دول العالم تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في دولة خاصة به؟ ولماذا يوجد حوالي مائة سفارة للشعب الفلسطيني في العالم؟ ولماذا لم يتنازل الفلسطينيون عن حق العودة؟ وماذا ستفعل دولة الكيان الصهيوني المصطَنع بأكثر من ثلاثة عشر مليون فلسطيني، نصفهم داخل وطنهم الممتد من الناقورة شمالاً إلى رفح جنوباً والنصف الآخر في الشتات ويتلمس طريقه للعودة للوطن، ولماذا يضطر نتنياهو وترامب إلى الاعتراف بأن يكون للفلسطينيين دولة حتى ولو وضعوا شروطاً تعجيزية لقيامها؟ الخ .

وأخيراً، حاول الرئيس الراحل أبو عمار بطريقته الفدائية الثورية تصحيح المسار من خلال الانقلاب على اتفاق أوسلو وملحقاته بعد فشل لقاء كامب ديفيد 2 عام 2000، فاستبقت إسرائيل الأمر واغتالته، واليوم يحاول الرئيس أبو مازن التحرر والتحلل من الاتفاقات الموقعة مع دولة الكيان الصهيوني ولكن بطريقته الخاصة التي تنطلق من إيمانه المطلق بالسلام والتسوية السياسية ونبذ كل أشكال العنف والعمل المسلح. فهل سينجح أبو مازن حيث فشل أبو عمار؟ وهل دولة كالكيان الصهيوني بقوتها وغطرستها وعدوانيتها وعنصريتها ورفضها الاعتراف بالشرعية الدولية وقراراتها وبأي حقوق سياسية للشعب الفلسطيني ... تجدي معها لغة السلام والشرعية الدولية فقط؟ .

إبراهيم أبراش

[email protected]

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت